أمن

ماسحات ضوئية أمنية مرتبطة بالجيش الصيني في المطارات تثير القلق حول العالم

فريق عمل المشارق

ماسحات ضوئية حرارية وأمنية في أحد مطارات فرنسا عام 2020. [برتران غواي/وكالة الصحافة الفرنسية]

ماسحات ضوئية حرارية وأمنية في أحد مطارات فرنسا عام 2020. [برتران غواي/وكالة الصحافة الفرنسية]

أوكلت إلى شركة لها علاقة وطيدة بالنخبة العسكرية والسياسية في الصين، مسؤولية التفتيش الأمني في بعض المطارات والمعابر الحدودية والفعاليات الدبلوماسية الأكثر حساسية في العالم، مما أثار مخاوف بشأن الخصوصية واحتمال إساءة استخدام البيانات.

وأفادت وكالة أسوشيتيد برس في 20 كانون الثاني/يناير، أن شركة نوكتيك باتت الشركة الأكبر في العالم من حيث الإيرادات في مجال توريد أجهزة مسح البضائع والمركبات.

وبالإضافة إلى الماسحات الضوئية الأمنية التي تعمل بالأشعة السينية والتي يمر عبرها الركاب والأمتعة في المطارات، تصنّع الشركة أجهزة كشف عن المتفجرات وأجهزة متصلة ببعضها البعض قادرة على التعرف على بطاقات الهوية أو التذاكر وقياس درجة حرارة الجسم والتعرف على الوجه.

وقد رفضت الولايات المتحدة وكندا وعدد من حكومات دول الغرب الأخرى استخدام أجهزة نوكتيك بسبب مخاوف تتعلق بالأمن القومي.

صورة التقطت في 28 تشرين الأول/أكتوبر الماضي لجهاز مسح ضوئي للشاحنات يُستخدم في مدينة زيبروغ البلجيكية. [جون ثيس/وكالة الصحافة الفرنسية]

صورة التقطت في 28 تشرين الأول/أكتوبر الماضي لجهاز مسح ضوئي للشاحنات يُستخدم في مدينة زيبروغ البلجيكية. [جون ثيس/وكالة الصحافة الفرنسية]

ولكن تتواجد الأجهزة المصنعة من قبل الشركة في 26 من أصل 27 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، وذلك بحسب مراجعة أجرتها وكالة أسوشيتيد برس لسجلات المشتريات العامة والحكومات والشركات.

ومع انتشار الماسحات الضوئية التي تصنعها شركة نوكتيك على طول حدود الناتو مع روسيا وفي أكبر الموانئ والمطارات في أوروبا، يخشى عدد متزايد من المسؤولين الأمنيين وصناع السياسات الغربيين من أن تتمكن بكين من الحصول عبرها على بيانات حكومية أو صناعية أو شخصية.

وفي هذا الإطار، قال عضو البرلمان الأوروبي والمدير السابق للأمن السيبراني في وزارة الدفاع الهولندية بارت جروثويس، إن "البيانات التي تتم معالجتها بواسطة هذه الأجهزة حساسة للغاية. فهي بيانات شخصية وبيانات عسكرية وبيانات شحن. وقد تكون أسرار تجارية على المحك".

وأضاف "نريد أن نكون متأكدين بأنها بين أيدي الجهات الصحيحة. فيتم هنا الاعتماد على جهة أجنبية تعد خصما جيوسياسيا ومنافسا استراتيجيا".

ووفقا لشركة سيكيور تيك، توجد منتجات نوكتيك الأمنية في مختلف أنحاء آسيا الوسطى ولا سيما في كازاخستان، حيث تتواجد الشركة في 26 نقطة جمركية على الأقل، بينها مطاري شيمكنت وألماتي وميناء أكتاو.

شبكة قوة معقدة

هذا وتشكل نوكتيك فرعا من جامعة تسينغهوا البحثية الحكومية والنخبوية التي أسست في بكين عام 1911.

وفي عام 2012، أطلقت مجلة فوربس على الجامعة وصف "مصنع القوة" في الصين بسبب العدد الكبير من السياسيين الصينيين الذين تخرجوا منها، وبينهم الزعيم الصيني شي جين بينغ والرئيس السابق هو جينتاو ورئيس الوزراء السابق تشو رونغ جي والمحافظ السابق للبنك المركزي تشو شياو تشوان ووزير المالية السابق لو جيوي.

وتصف نوكتيك نفسها بأنها "مؤسسة صينية موثوقة للتكنولوجيا العالية" تعتمد على "الابتكار المستقل".

ولكن تعد بنية ملكية الشركة معقدة للغاية بحيث يصعب تحديد الخيوط الفاصلة بين النفوذ والمساءلة والإدارة.

ومع ذلك، الواضح أن شركة نوكتيك تعنى بشكل وثيق جدا بالمصالح الأكاديمية ومصالح الأمن القومي الخاصة بالحزب الشيوعي الصيني.

وفي معظم العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كانت نوكتيك بإدارة نجل هو، هو هايفنغ.

ووفقا لشركة داتينا وهي شركة استخبارات اقتصادية هولندية تركز على الصين، تضم بنية ملكية شركة نوكتيك حاليا العشرات من الكيانات الرئيسة عبر 4 فئات من الأسهم، بما في ذلك 4 شركات مملوكة من الدولة و3 كيانات حكومية.

وإن أكبر مساهم في شركة نوكتيك هو شركة تونغفانغ للتكنولوجيا العالية التي أسستها جامعة تسينغهوا عام 1997، والتي تملك 71 في المائة من الحصص. وللوهلة الأولى، لا يبدو هذا الارتباط ضارا، إلا أن تتبع خيوط القوة يظهر وجود شبكة معقدة.

فأكبر مساهم في تونغفانغ هو الذراع الاستثماري للمؤسسة النووية الوطنية الصينية، والتي تمتلك أيضا حصة 21 في المائة من شركة نوكتيك.

يُذكر أن المؤسسة النووية الوطنية الصينية هي تكتل للطاقة والدفاع تديره الدولة ويسيطر عليه مجلس الدولة الصيني.

وتعتبر وزارة الدفاع الأميركية أن المؤسسة النووية الوطنية الصينية هي شركة عسكرية صينية لأنها تزود جيش التحرير الشعبي بالتقنيات المتقدمة والخبرات.

وفي حديثه لوكالة أسوشييتد برس، قال الرئيس التنفيذي لشركة داتينا جاب فان إيتين، "السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ما إذا كنا نريد السماح لشركة نوكتيك التي تسيطر عليها الدولة الصينية وترتبط بالجيش الصيني، بأن يكون لها دور في نواح أساسية من أمننا الحدودي وبنيتنا التحتية".

’ليست شركة حقا‘

وبالنسبة للولايات المتحدة وكندا وعدد متزايد من الدول الأوروبية، فإن الجواب هو قطعا "لا".

ففي تموز/يوليو 2020، وجدت مراجعة أمنية للحكومة الكندية أنه من المحتمل أن تستخدم الماسحات الضوئية الأمنية التي تعمل بالأشعة السينية وتصنعها نوكتيك في جمع المعلومات ونقلها سرا أو اختراق الأجهزة الإلكترونية المحمولة أو تغيير النتائج لتسهيل مرور الأجهزة "الضارة".

وبناء عليه، رفضت السلطات الكندية عرضا دائما من نوكتيك بتزويد أكثر من 170 بعثة دبلوماسية كندية حول العالم بمعدات مسح بالأشعة السينية، مشيرة إلى "خطر [تجسس] متزايد".

وفي كانون الأول/ديسمبر 2020، أضافت وزارة التجارة الأميركية شركة نوكتيك إلى قائمة كيانات مكتب الصناعة والأمن، وحظرت الصادرات إليها لأسباب تتعلق بالأمن القومي مشيرة إلى "الأداء الضعيف لأجهزة" نوكتيك.

وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال في حزيران/يونيو 2020، أن معدات نوكتيك حُظرت فعليا من المطارات الأميركية منذ عام 2014 بعد مراجعة تقرير حكومي سري.

ولكن على مر السنين، اكتسبت نوكتيك موطئ قدم لها في أوروبا من خلال تخفيض أسعار عروضها.

فوفقا لمنافسيها، قد تكون عطاءات الشركة أقل بنسبة 25 إلى 50 في المائة من عطاءاتهم، وتتضمن أحيانا امتيازات مثل عقود صيانة طويلة الأمد وقروض ميسرة.

وقالت وزارة الخارجية الأميركية في مذكرة صدرت يوم 26 أيار/مايو 2020، إن نوكتيك شاركت في "حملة شرسة استمرت عقدا من الزمن للاستحواذ على حصة سوقية كبيرة في قطاعات البنية التحتية الحيوية في أوروبا على حساب الشركات المصنعة الأميركية".

وقالت الباحثة المتخصصة في تأثير الصين على أوروبا والتكنولوجيا والمعلومات المضللة ديدي كيرستن تاتلو، إن أسعار نوكتيك هي بمثابة "ضربة اقتصادية ماهرة".

وأضافت لوكالة أسوشييتد برس "إنها ليست شركة حقا. فهي أشبه بجناح في حملة الدولة التنموية".

’استثمار استراتيجي‘

وقال أكسل فوس وهو من الأعضاء الألمان في البرلمان الأوروبي ويعمل في مجال حماية البيانات، إن "هذا الأمر يزداد خطورة أكثر فأكثر".

وأضاف "لا أمانع إذا كانت أنظمة نوكتيك متوفرة في مطار أو مطارين، ولكن مع الأسعار المنخفضة التي تعرضها، بات العديد من الدول يشتريها. يتحول هذا الموضوع أكثر فأكثر إلى مسألة أمنية. وقد يظن المرء أنه استثمار استراتيجي للحكومة الصينية".

وعبّر فوس عن مخاوف بشأن ممارسات نوكتيك في رسالة إلكترونية وجهها إلى كبار أعضاء المفوضية الأوروبية في كانون الأول/ديسمبر 2019. وتعد المفوضية الأوروبية الهيئة التنفيذية للاتحاد الأوروبي.

وأوضح أن "استراتيجية التسعير المنخفض للغاية" التي تعتمدها الشركة، تشير إلى أن دوافعها ليست تجارية، بل تنبع عن "مصلحة في السيطرة على البنية التحتية الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي والمعرفة القائمة على البيانات".

وبحسب وزارة الخارجية الأميركية، تحظى نوكتيك بـ 90 في المائة من سوق معدات تفتيش الشحنات البحرية في أوروبا ونحو 50 في المائة من سوق أوروبا لتفتيش أمتعة الركاب والبضائع في المطارات.

وفي حديثه لبوليتيكو في شباط/فبراير 2020، قال مدير معهد مركاتور للدراسات الصينية في برلين ميكو هووتاري، إن "هذه الآلات منتشرة بالفعل في جميع أنحاء أوروبا. إنها موجودة في كل مكان".

مخاوف مرتبطة بحقوق الإنسان

يُذكر أن تكنولوجيا نوكتيك ولا سيما استخدام تقنية التعرف على الوجه ومسح البصمات وفحص "القياس الدقيق" للجسم البشري، أثارت أيضا مخاوف بشأن حقوق الإنسان لا سيما في منطقة شينجيانغ في شمالي غربي الصين.

ويتم احتجاز ما لا يقل عن مليون شخص من أبناء الأويغور وغيرهم من الأقليات الناطقة بالتركية ومعظمهم من المسلمين، في معسكرات "إعادة التثقيف السياسي" في شينجيانغ.

وكشفت تحقيقات ومقابلات مستقلة مع معتقلين سابقين في المعسكرات عن ممارسة التعذيب الجسدي والنفسي وغسيل الأدمغة والاغتصاب الممنهج والاعتداء الجنسي داخلها.

وتقول منظمات حقوقية وعدد متزايد من حكومات دول الغرب ومنها الولايات المتحدة وكندا وهولندا وبريطانيا وبلجيكا وفرنسا، إن سياسات بكين في شينجيانغ ترقى إلى مرتبة "الجرائم ضد الإنسانية" و "الإبادة الجماعية".

ويذكر الموقع الإلكتروني الصيني لشركة نوكتيك أن المناطق الغربية في البلاد ومن بينها شينجيانغ، هي "مناطق عمل مهمة" لها.

ووفقا لسجلات الحكومة الصينية، تتعاون الشركة مع الشرطة والسلطات الأخرى في شينجيانغ وتوفر لها أجهزة الأشعة السينية وأجهزة التعرف على لوحات المركبات، كما زودتها بنظام أمني متكامل لمترو الأنفاق في عاصمة المنطقة، أورومتشي.

هل أعجبك هذا المقال؟

0 تعليق

سياسة المشارق بشأن التعليقات * معلومات ضرورية 1500 / 1500