عمّان - بات مشهد صهاريج المياه في الشوارع المتربة مشهدا مألوفا في الأردن، إلى جانب انتشار قضية شح المياه وشكاوى المواطنين من عدم تأمين البلديات حصتهم الأسبوعية منه، وتحولها إلى مادة دسمة في البرامج الحوارية التلفزيونية.
ومنذ عقود، يتم تسليط الضوء على مشاكل المياه في المملكة، في ظل مواجهة الدولة التي يبلغ عدد سكانها 9.5 مليون نسمة تزايدا في شح المياه بسبب مواردها المحدودة والنمو السكاني، إضافة إلى عوامل أخرى أبرزها تغير المناخ.
وفي عمّان، تجري المياه عبر الشبكة مرة واحدة فقط كل أسبوع أو أسبوعين، ما دفع السكان إلى شراء المياه وتخزينها في خزانات على الأسطح تحسبا لـ "أيام الجفاف".
وفيما يعاني جميع الأردنيين من شح المياه، يعتبر سكان الأحياء الفقيرة الأكثر تضررا بسبب عجزهم عن الدفع لبائعي المياه من القطاع الخاص.
وتضررت أيضا المجتمعات الزراعية من آثار تغير المناخ والإفراط في استغلال احتياطيات المياه الجوفية.
وتبلغ حصة الفرد الواحد من الأردنيين من المياه العذبة يوميا 20 لترا فقط.
ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، يحتاج الفرد يوميا إلى ما بين 50 ومائة لتر من الماء لتلبية احتياجاته الأساسية.
وتوقعت دراسة أجرتها جامعة ستانفورد أن ينخفض تدفق نهر اليرموك إلى خزان يغذي نظام إمدادات المياه في الأردن بحلول عام 2050 بنسبة 51 إلى 75 في المائة.
وفي حديثه للمشارق، قال الناطق باسم وزارة المياه والري عمر سلامة، إن "تغير المناخ وزيادة النمو السكاني وتدفق اللاجئين، هي عوامل شكلت ضغطا كبيرا على الموارد المائية في الأردن".
وأضاف أن الوضع ساء هذا العام بسبب تراجع هطول الأمطار، مع تشكيل الأمطار نحو 60 في المائة فقط من إجمالي إمدادات المياه.
وتابع أن كمية المياه المخزنة في السدود انخفضت بمقدار 80 مليون متر مكعب مقارنة بالعام الماضي.
ووفقا للبنك الدولي، ارتفعت درجة الحرارة القصوى السنوية في المملكة منذ ستينيات القرن الماضي بما يصل إلى 1.8 درجة مئوية، بينما ارتفع متوسط درجة الحرارة السنوية بمقدار 0.89 درجة مئوية منذ العام 1900.
من جهة أخرى، تشير بيانات شبكة علم المناخ التاريخي العالمي إلى انخفاض في متوسط هطول الأمطار السنوي منذ عام 1900 قدره 2.92 ميليمتر شهريا في القرن الواحد.
وفي معظم محطات الأرصاد الجوية، تظهر معدلات هطول الأمطار السنوية انخفاضا.
مساعدة دولية
وأشار سلامة إلى أن تدفق أكثر من 1.4 مليون سوري وضع "عبءا إضافيا كبيرا" على شبكة المياه في الأردن، إذ ارتفع عدد سكان المملكة في السنوات الأخيرة من 6.7 إلى 9.5 مليون شخص.
وذكر سلامة أن الزيادة في الطلب على المياه بنسبة 40 في المائة وخاصة في المحافظات الشمالية وفي مناطق أخرى شهدت تدفقا كبيرا للاجئين، ساهمت في انخفاض نصيب الفرد من المياه.
ومن بين الداعمين لجهود الأردن لإدارة إمدادات المياه وحمايتها، منظمات الإغاثة الحكومية من الولايات المتحدة واليابان وألمانيا.
وفي تشرين الأول/أكتوبر، وافقت دولة إسرائيل المجاورة للمملكة رسميا على مضاعفة كمية المياه العذبة التي توفرها للأردن، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية.
ووفقا لذلك، ستبيع المملكة 50 مليون متر مكعب من المياه سنويا، ما يضاعف الكمية التي توفرها لها بموجب شروط اتفاق السلام الذي وقع في تسعينيات القرن الماضي.
وفي هذا السياق، قالت وزيرة البنية التحتية والطاقة والموارد المائية في إسرائيل كارين الحرار، إن الاتفاقية الجديدة دليل على أننا "نريد إرساء علاقات حسن الجوار".
وقال مدير المجموعة البيئية الإقليمية إيكوبيس الشرق الأوسط في إسرائيل جدعون برومبيرغ، إن الصفقة "تشكل أكبر عملية بيع للمياه في تاريخ البلدين".
وأكد أنها "تعكس الإدراك المتزايد بأن أزمة المناخ التي تؤثر فعليا بشكل كبير على المنطقة، يجب أن تؤدي إلى زيادة التعاون".
المجتمعات التي تعاني من شح المياه
وتعمل منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) مع وزارة المياه والري الأردنية وغيرها من الجهات، على تحسين الاستدامة والفعالية من حيث التكلفة لبرنامج اليونيسف للمياه والصرف الصحي والنظافة.
ويهدف البرنامج إلى زيادة قدرة الوصول إلى خدمات المياه والصرف الصحي الآمنة في المدن والمدارس ومخيمات اللاجئين وأماكن أخرى.
ووفقا لليونيسف، فإن واحدة فقط من كل 3 مدارس في المملكة لديها خدمات صرف صحي أساسية وعملية وملائمة، ويذهب العديد من الأطفال إلى مدارس رسمية لا تتوفر فيها المياه الجارية أو مرافق الصرف الصحي المناسبة.
ولا يزال اللاجئون السوريون الذين يعيشون في المخيمات يعتمدون على اليونيسف وشركائها للحصول يوميا على خدمات المياه والصرف الصحي الضرورية والمنقذة للحياة.
وفي عام 2020، وفرت اليونيسف إمكانية الحصول على المياه الصالحة للشرب في مخيمات اللاجئين والمجتمعات التي تعاني من شح المياه لنحو 600 ألف طفل وعائلاتهم.
وقال مصدر في اليونيسف إن ما بين 2.5 و4.6 مليون لتر من المياه يتم توفيرها يوميا لمخيم الزعتري للاجئين السوريين، وهو الأكبر في الأردن، ما يؤمن 35 إلى 60 لترا للفرد في اليوم.
يُذكر أن جميع المنازل في المخيم متصلة الآن بشبكة الصرف الصحي كما أن جميع مناطق المخيم الـ 12 متصلة بشبكة المياه.
وقال المتحدث باسم وزارة المياه إنه على الرغم من بعض التقدم، لا يزال الأردن في حاجة ماسة إلى المساعدة الدولية، مشيرا إلى أن المملكة بحاجة إلى حلول مائية فورية مع التركيز على استدامتها على المدى الطويل.