بكين - في الوقت الذي كان فيه قادة العالم مجتمعين في غلاسكو باسكتلندا هذا الأسبوع لمناقشة سبل وقف تغير المناخ، كانت الصين تعزز إنتاجها من الفحم في محاولة يائسة لتلبية احتياجاتها من الطاقة دون أي اعتبار لتأثير هذه الخطوة على البيئة.
وفي الوقت نفسه، اختار الرئيس الصيني شي جين بينغ عدم المشاركة في قمة مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ كوب 26، والبقاء في الصين.
وعانى أكبر مستورد للفحم في العالم من انقطاع الكهرباء على نطاق واسع في الأشهر الأخيرة، ما أدى إلى تعطيل سلاسل الإمداد بسبب الأهداف الصارمة للحد من الانبعاثات والأسعار المرتفعة جدا للوقود الأحفوري.
واليوم بدأت أزمة الطاقة الراهنة تتراجع بفضل زيادة إنتاج الفحم المحلي.
ولكن حذر محللون من أن إعادة فتح مناجم الفحم المغلقة وزيادة الإنتاج، ستكون لهما آثار مدمرة على التلوث والاحتباس الحراري وصحة وسلامة 2.6 مليون من عمال مناجم الفحم في الصين.
تغير مناخ ناتج عن استخدام الفحم
وأثبتت الأبحاث أن حرق الفحم هو أكبر سبب منفرد في العالم للتغير المناخي الذي يتسبب به الإنسان.
وفي الصين، سيشهد النمو الاقتصادي المدفوع بالحوافز الحكومية زيادة في الانبعاثات بنسبة 5.5 في المائة هذا العام مقارنة بعام 2019 الذي لم يتأثر بوباء كوفيد-19، وفقا لتقرير سنوي صادر عن اتحاد مشروع الكربون العالمي ونُشر يوم الخميس، 4 تشرين الثاني/نوفمبر.
وستكون الصين بمفردها مسؤولة عن 31 في المائة من الانبعاثات العالمية هذا العام.
في المقابل، ستنخفض الانبعاثات في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عام 2021 بنسبة 3.7 و4.2 في المائة على التوالي، وستبلغ حصتهما من الانبعاثات العالمية 14 و7 في المائة.
وأوضح التقرير أن الورقة الحاسمة التي يمكن أن تحدد سرعة تحرك العالم في كبح الانبعاثات في نهاية الأمر هي الفحم.
ففي جميع أنحاء العالم، لا يزال الطلب على الطاقة يتفوق على جهود إزالة الكربون عبر التحول بشكل أساسي من الوقود الأحفوري إلى الوقود المتجدد، ما يزيد من الانبعاثات.
وقالت الكاتبة المشاركة في إعداد التقرير كورين لو كير وهي أستاذة علوم تغير المناخ بجامعة إيست أنجليا البريطانية "اليوم، يتعلق الأمر بشكل كبير بالفحم. هنا يكمن عدم اليقين".
ولكن لم يخل التقرير من إشارات إيجابية.
فخلال العقد الماضي، شهدت 23 دولة مسؤولة عن ربع الانبعاثات العالمية، وبينها الولايات المتحدة واليابان وألمانيا وفرنسا وبريطانيا، نموا اقتصاديا قويا وتراجعا كبيرا في الانبعاثات بشكل متزامن، ما يدل على أنه من الممكن الفصل بين الاثنين.
وأردفت لو كير "يظهر ذلك أن هذه الدول تعرف كيفية التحرك، وتثبت أن ذلك ممكن".
ولكن تمضي الصين قدما في تعزيز إنتاج الفحم.
وعلى مدار الأسابيع القليلة الماضية، زادت إنتاجها اليومي من الفحم بأكثر من مليون طن، وفقا للجنة الوطنية للتنمية والإصلاح، وهي أبرز هيئة للتخطيط الاقتصادي في البلاد.
وقالت اللجنة إن متوسط إنتاج الفحم اليومي ارتفع إلى أكثر من 11.5 مليون طن منذ منتصف تشرين الأول/أكتوبر، بزيادة 1.1 مليون طن مقارنة بنهاية شهر أيلول/سبتمبر.
قيادة غائبة
وتأتي زيادة الإنتاج هذه في الوقت الذي اجتمع فيه نحو 200 من قادة العالم باستثناء شي، في كوب 26 لتعزيز عملية كبح انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية.
وبدلا من ذلك، قدم شي بيانا خطيا إلى القمة أثار حفيظة قادة العالم الآخرين، علما أن بلاده تعد أكبر مصدر لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري في العالم.
وقال الرئيس الأميركي جو بايدن للصحافيين قبل مغادرته غلاسكو "عدم مشاركة الصين تشكل بكل صراحة خطأ كبيرا. نظرت سائر دول العالم إلى الصين وتساءلت: ما القيمة التي تقدمها؟".
وأضاف "هذه قضية ضخمة حقا، وقد تخلوا عنها. كيف تفعل أي جهة ذلك وتدعي أنها قادرة على تولي القيادة؟".
ولم يغادر شي الصين منذ بدايات جائحة كوفيد-19 في أوائل عام 2020.
ووصفت قمة كوب 26 بأنها حيوية لاستمرار اتفاقية باريس لعام 2015 التي وعدت الدول بموجبها بالحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى "أقل بكثير" من 2 درجة مئوية مع العمل للوصول إلى 1.5 درجة مئوية كغطاء أمان.
وفي القمة التي عقدت يوم الثلاثاء وأطلقت مفاوضات حول المناخ تدوم 13 يوما، انضمت نحو 100 دولة إلى مبادرة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لخفض انبعاثات الميثان بنسبة 30 في المائة على الأقل هذا العقد، وهو أحد الغازات الدفيئة القوية.
ومع ذلك، لم توقع على هذا التعهد الدول الرئيسة المسؤولة عن الانبعاثات، أي الصين والهند وروسيا وأستراليا.
وتعد روسيا رابع أكبر مصدر للانبعاثات في العالم، إلا أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يسافر عادة، كان أيضا غائبا عن قمة كوب 26.
وقال بايدن عن بوتين: "منطقة التندرا الخاصة به تحترق، فعليا، التندرا تحترق. لديه مشاكل مناخية خطيرة جدا، وهو يتقاعس عن فعل أي شيء حيال ذلك".
وعود يصعب الوفاء بها
ودافع المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ ون بين، عن قرار شي البقاء في بلاده وعدم المشاركة في القمة.
وقال الأربعاء إن "الأفعال مؤثرة أكثر من الأقوال".
وقبل أيام من انعقاد القمة، قدمت بكين خطة مناخية محدثة إلى الأمم المتحدة تؤكد هدفها بتحقيق الحياد الكربوني قبل عام 2060 وخفض كثافة انبعاثاتها، أي كمية الانبعاثات لكل وحدة من الناتج الاقتصادي، بأكثر من 65 في المائة.
وتعهد شي "بالتخفيض التدريجي" من استخدام الفحم اعتبارا من عام 2026 على أن تحقق البلاد الحياد الكربوني بحلول عام 2060.
وعلى الرغم من هذا الوعد الطموح، تقوم الصين ببناء مصانع الفحم في أكثر من 60 موقعا في جميع أنحاء البلاد، فيما أعادت فتح العشرات من المصانع المتوقفة أو وسعت إنتاجها.
وتولد الصين حوالي 60 في المائة من طاقتها من حرق الفحم، فيما تنتج الولايات المتحدة نحو 19 في المائة من الفحم، وفقا لوزارة الطاقة الأميركية.
وفي العام الماضي، أضافت الصين 38.4 غيغاوات من سعة طاقة الفحم، أي أكثر من 3 أضعاف الكمية المبنية في أماكن أخرى من العالم وفقا لبيانات مرصد الطاقة العالمي، وهي منظمة مقرها الولايات المتحدة تصنف مشاريع الوقود الأحفوري في جميع أنحاء العالم.
وقالت مديرة برنامج الفحم في مرصد الطاقة العالمي كريستين شيرير، إن "هذا الانخراط الجديد في إنتاج الفحم يقوض الأهداف المناخية القصيرة والطويلة الأجل".
الضغط يتصاعد
واليوم، يتصاعد الضغط على بكين.
ففي أوائل آب/أغسطس، حذرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ والتابعة للأمم المتحدة، من أن الاحترار العالمي سيصل إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة قرابة العام 2030.
وستكون لهذا المستوى من الاحتباس الحراري آثار مدمرة على البشرية، بما في ذلك الظواهر المناخية الشديدة مثل الحرائق والأعاصير والجفاف والفيضانات.
وبعد سنوات من الإعداد، يسلط التقرير الرصين الذي أقرته 195 دولة الضوء على الحكومات المترددة في مواجهة الأدلة المتزايدة على أن تغير المناخ يمثل تهديدا وجوديا.
وعلى رأس تلك القائمة الصين.
ولكي تحقق الصين أهدافها الخاصة بالانبعاثات، يجب أن تؤمن حصولها على 90 في المائة من الطاقة من الطاقة النووية والمتجددة بحلول العام 2050، وفقا لباحثين في جامعة تسينغهوا في بكين.
وتبلغ هذه النسبة حاليا 15 في المائة فقط.
وتمتلك الصين أكثر من ثلث طاقة الرياح والطاقة الشمسية المثبتة في العالم، والكهرباء المولدة باستخدام مصادر الطاقة المتجددة أرخص الآن من تلك المصنوعة من الفحم.
ولكن في هذا السياق، ذكر هان تشن الباحث في سياسة الطاقة الصينية في مجلس الدفاع عن الموارد الوطنية، وهي مجموعة مناصرة للمناخ مقرها الولايات المتحدة، أن "شركات الخدمات ما تزال مترددة في زيادة كمية الكهرباء الخضراء التي تشتريها بسبب الضغط الشديد من لوبي الفحم".
وتابع "لهذا السبب تساهم مصادر الطاقة المتجددة فقط في 15 في المائة من مزيج الطاقة في الصين، على الرغم من تدفق جميع الاستثمارات إلى الصناعة".
وقال مدير المركز الدولي لتغير المناخ والتنمية في دكا سليم الحق، إن "التقرير الجديد للفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ ليس تمرينا بل تحذيرا أخيرا من أن فقاعة الوعود الفارغة على وشك الانفجار".
وختم بالقول "هذه عملية انتحارية، ومن غير المنطقي اقتصاديا الاستمرار في المماطلة".