يعمل العراق على تسليط انتباه العالم على مسألة انحسار إيراداته المائية القادمة من إيران نتيجة قيام الجمهورية الإسلامية بقطع أو تغيير مجاري الأنهار التي تنبع من أراضيها.
ويعتمد العراق الذي تأثر بشكل حاد من أزمة الجفاف التي تضرب المنطقة، بصورة رئيسية على الإطلاقات المائية القادمة من تركيا نحو نهري دجلة والفرات والتي تشكل 56 في المائة من مجموع موارده المائية.
وتأتي نسبة 12 في المائة من الأنهار والروافد التي تتدفق إلى البلاد من إيران، في حين يأتي ما تبقى من موارد داخلية كالبحيرات والآبار.
وأشار وزير الموارد المائية العراقي مهدي رشيد الحمداني إلى أن العراق يعتزم "تدويل" انحسار حصته المائية القادمة من إيران بسبب قيام هذه الأخيرة بـ "حفر وتغيير مجرى الأنهار" التي تصب في الأراضي العراقية.
وفي مقابلة مع التلفزيون الرسمي بثت يوم 21 أيلول/سبتمبر الماضي، قال إن خبراء قانونيين وفنيين في الوزارة أعدّوا مذكرة بهذا الخصوص وإنه قد تم رفعها لرئيس الجمهورية والحكومة ووزارة الخارجية في العراق.
وأوضح أن الهدف هو استكمال إجراءات رفع القضية لمحكمة العدل الدولية ومكتب المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة.
ويريد العراق إعادة النظر في اتفاقية الجزائر لعام 1975 الموقعة مع إيران والتي تتضمن بحسب تأكيد المسؤولين الحكوميين، بنودا "مجحفة" تخص تنظيم إمدادات المياه بين البلدين.
ولكن يصر الإيرانيون على التمسك بهذه الاتفاقية على وضعها الحالي.
وعلى الرغم من سعيها للحصول على التحكيم الدولي، لا ترغب بغداد بإغلاق باب الحوار مع إيران.
مسؤولية مشتركة
وبدوره، ذكر علي راضي ثامر المتحدث باسم وزارة الموارد المائية في حديثه للمشارق أن العراق كان قد طلب من جارته قبل أشهر البدء بمفاوضات ثنائية.
وقد اتخذ قرار بإرسال وفد من وزارة الموارد المائية إلى إيران، إلا أن الزيارة أرجئت لاحقا لما بعد الانتخابات الإيرانية.
وتابع ثامر أنه في 12 أيلول/سبتمبر الماضي "تحققت زيارة لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لإيران وكان برفقته وفد وزاري كبير من ضمنهم وزير الموارد المائية، وانطلقت هناك اجتماعات للبحث في ملف المياه".
وأوضح أن "المناقشات تركزت على قضايا... الأنهار المشتركة بين البلدين وحصة العراق من المياه" والمسؤولية المشتركة في التعاون أثناء فترة الشح المائي.
وشدد "نأمل من الإيرانيين في الفترة المقبلة تبادل الزيارات وتفعيل عمل اللجان الفنية الثنائية للتوصل لحلول مرضية".
وأشار ثامر إلى أن التغيرات المناخية قد عصفت بالمنطقة التي تمر حاليا بموجة جفاف حادة أضرت بالعراق بشكل خاص.
وأكد أن وزارته تحاول تعويض النقص عبر الاستفادة من المخزون المائي في السنوات المطيرة، وذلك من بين تدابير أخرى عديدة اتخذت للتخفيف من الأزمة.
وقد تضمنت تلك التدابير "حفر أكثر من 150 بئرا جديدا وتأهيل عشرات الآبار ونصب محطات ضخ لإيصال الماء للمناطق السكنية المتضررة وتنظيف وتطوير قنوات الري لتقليل الهدر والتجاوزات".
تحويل مجرى الأنهار
وبحسب ثامر، فإن إيران تعمل منذ سنوات على بناء سدود وأنفاق تحت الأنهار لتغيير مسارها كما هي الحال مع نهر سيروان (الذي يعرف باسم نهر ديالى في العراق)، وهو أحد روافد نهر دجلة ويصب في بحيرة دربندخان.
فقد تراجع منسوب ذلك النهر من 47 مترا مكعبا في الثانية إلى 7 أمتار مكعبة في الثانية فقط.
كذلك، تم تحويل بعض مياه نهر الزاب الأسفل الذي يغذي بحيرة دوكان بمحافظة السليمانية في العراق، إلى بحيرة أرومية في إيران.
وبنت إيران أيضا سدودا جديدة في السنوات الأخيرة أدت إلى تغيير مسار نهر الكارون الذي يصب في شط العرب، ما أدى إلى تحويل مجرى مياهه.
وذكر ثامر أنه تم إيقاف أو تحويل عشرات الأنهار والروافد النهرية الصغيرة التي انحسرت فيها المياه بشدة أو جفت تماما، مشيرا على سبيل المثال إلى نهر الوند في بلدة خانقين الحدودية.
هذا وقد أثرت أزمة شح المياه على القرى الريفية التي تقع قرب تلك الأنهار والتي يمتهن سكانها الزراعة وصيد الأسماك في أرزاقهم، ما تسبب في تلف الأراضي الزراعية وحصول موجات هجرة من تلك المناطق.
وبحسب مسؤولين عراقيين، تم فقدان أكثر من 40 ألف دونم من البساتين المثمرة في محافظة ديالى المحاذية لإيران والتي تعتبر الأكثر تضررا.
ووصف الوزير الحمداني ما تقوم به إيران بأنها "مخالفة قانونية دولية، لأنه يعني تحويل مجرى نهر طبيعي أسست على ضفافه مجتمعات ومدن وقرى".
ضرورة التوصل لحل عادل
بدوره، أكد عادل المختار وهو مستشار في شؤون المياه والزراعة للمشارق، أن هناك أكثر من 40 نهرا تأتي من إيران انقطعت في غالبيتها المياه أو تم تحويلها بطريقة أو بأخرى.
وقال "ما نتمناه ألا تذهب الأمور للتشنج والتعقيد وأن تكون هناك مفاوضات فنية جادة" بين العراق وإيران لمعالجة مسألة نقص المياه.
وأوضح أن تلك المفاوضات يلزم أن تقوم على مبدأ تقاسم الضرر وسط العجز الحالي بحيث لا يعاني طرف أكثر من الآخر.
وذكر "نجحنا في ذلك مع تركيا وحصلنا على حصتنا المائية".
وأوردت منظمة ميدل إيست مونيتور أن تركيا وافقت في آذار/مارس على إطلاق حصة عادلة من نهري دجلة والفرات إلى العراق، وذلك عقب عقد أكثر من 5 لقاءات لمناقشة الأمور المائية مع المسؤولين العراقيين.
وأشار المختار إلى أن كل دول المنطقة تعاني اليوم من الجفاف بسبب تدني معدلات هطول الأمطار لمستويات غير مسبوقة خلال الشتاء المنصرم.
وأكد أن هذه القضية الملحة تستدعي من العراق والبلدان المجاورة "مراجعة كل السياسات المائية والزراعية الداخلية وإدارة المياه بشكل مثالي وبذل الجهود المشتركة لتجاوز تحدي نقصها".