بيئة

الصراعات تفاقم أزمة الجفاف التي تهدد حياة الملايين في سوريا والعراق

فارس العمران

عراقي يشير إلى القاع الجاف لبحيرة حمرين التي كانت تزود ديالى بأكثر من 70 في الماية من احتياجاتها من مياه الشرب والري، وذلك يوم 15 أيار/مايو. [الصورة لمبادرة تعافي]

عراقي يشير إلى القاع الجاف لبحيرة حمرين التي كانت تزود ديالى بأكثر من 70 في الماية من احتياجاتها من مياه الشرب والري، وذلك يوم 15 أيار/مايو. [الصورة لمبادرة تعافي]

تتفاقم أزمة الجفاف في منطقة الشرق الأوسط على نحو لم تشهده من قبل، وتنذر بمخاطر كبيرة على الأمن الغذائي والحياة البيئية.

ويهدد نقص مياه الأمطار وانخفاض إمدادات الأنهار أكثر من 12 مليون إنسان في سوريا والعراق، حيث يعد موسم الجفاف الحالي الأسوأ منذ عشرات السنين.

ويتحدث سكان بعض المناطق عن نقص في مياه الشرب، ناهيك عن تأثير انخفاض تدفق مياه الأنهار على توليد الكهرباء وري المحاصيل.

وأثار هذا الواقع قلقا حول تزايد الاحتياجات الإنسانية للتجمعات البشرية التي تعاني أصلا من تداعيات الصراع والنزوح.

عراقيون يتوجهون لجناح الطوارئ في مدينة الطب ببغداد يوم 23 أيار/مايو لتلقي الإسعافات الأولية جراء العواصف الترابية التي تكرر هبوبها هذا العام بصورة أكبر من المعتاد نتيجة موجة الجفاف الشديدة. [الصورة لوزارة الصحة العراقية]

عراقيون يتوجهون لجناح الطوارئ في مدينة الطب ببغداد يوم 23 أيار/مايو لتلقي الإسعافات الأولية جراء العواصف الترابية التي تكرر هبوبها هذا العام بصورة أكبر من المعتاد نتيجة موجة الجفاف الشديدة. [الصورة لوزارة الصحة العراقية]

ويعتمد أكثر من خمسة ملايين سوري على نهر الفرات الذي تراجع تدفق مياهه إلى أقل من 200 متر مكعب في الثانية.

من جهة أخرى، قلل نقص المياه من مساحات الأراضي المتاحة للزراعة، لا سيما في منطقة الجزيرة وشرق الفرات التي كانت توصف بسلة الخبز للبلاد.

الحرب فاقمت مشكلة المياه

وقال المتحدث باسم مجلس القبائل والعشائر السورية، مضر حماد الأسعد، إن "أزمة الجفاف والتصحر تصاعدت مع بدايات الحرب السورية".

وأضاف أن الأعمال المروعة التي ارتكبها نظام بشار الأسد بدعم من حلفائه الإيرانيين والروس "عطلت الآلاف من المشاريع الزراعية".

وأشار إلى أن الميليشيات الموالية لإيران تستحوذ اليوم على مساحات واسعة من الأراضي الزراعية في بادية الفرات ومنطقة الغاب في شمال غرب سوريا، بعد قتل وتهجير أصحابها أو إرغامهم بالقوة على بيعها لهم.

وأوضح أن هذه الأراضي تحولت إلى مستوطنات لعناصر الميليشيات ومعسكرات، أو إلى مناطق محظور الدخول إليها وخالية من أي نشاط زراعي.

ونوّه إلى أن الإنتاج الزراعي لا يكفي اليوم لتأمين الغذاء للسوريين، خصوصا مع تراجع منسوب المياه الجوفية نتيجة حفر الآبار العشوائي والفوضى والتعدي على الأنهر.

إلى هذا، غاب اهتمام الحكومة بتحسين نوعية البذار وتوفير الجرارات والحاصدات للمزارعين، فضلا عن "استخدام الأسمدة في صناعة المتفجرات من قبل نظام الأسد والميليشيات".

وذكر الأسعد ان المنتوج المحلي من المزروعات يهرب من قبل النظام والميليشيات ويباع خارج سوريا للحصول على العملة الصعبة.

إيران تغير مسار مياه الأنهار عن العراق

وفي العراق جارة سوريا، تعتبر الآن نسبة 40 في الماية من إجمالي مساحة البلاد أرضا صحراوية.

هذا الوضع أرغم المسؤولين على تبني سياسة زراعية تأخذ بعين الاعتبار تدني المخزون المائي من نهري دجلة والفرات وروافدهما.

وقال أستاذ الاقتصاد في الجامعة العراقية، عبد الرحمن المشهداني، إن "إنتاج القمح خلال موسم 2022 لن يكفي لتلبية حاجة السكان".

وأضاف أن "الكميات المنتجة قد تنخفض إلى 2.5 مليون طن نتيجة لشح المياه، وتمثل هذه الكمية نصف ما كانت تنتجه البلاد قبل عامين".

ويعتمد العراق في ري أراضيه القابلة للزراعة على تدفقات مياه الأنهر من تركيا وإيران.

لكن تراجع حصصه المائية وموجات الجفاف الشديدة التي يتوقع استمرارها، حولت نهر دجلة إلى مجرى مائي بموارد محدودة، في حين جف نهر الفرات بشكل كامل في قطاعه الجنوبي، وفق المشهداني.

ونّوه إلى أن "العراق خسر نصف موارده من مياه نهري دجلة والفرات بسبب السدود التركية و قطع إيران لمعظم الروافد المائية".

وطالب السلطات العراقية بالتفاوض حول زيادة حصص البلاد من المياه وتبني سياسات مائية تقلص الهدر وتسهم بزيادة المخزون من مياه الأمطار.

وفي مطلع أيار/مايو الجاري، جدد وزير الموارد المائية العراقي مهدي رشيد الحمداني تصريحات سابقة له حول "عدم مشاركة إيران الضرر المائي الذي سببه الجفاف مع بغداد"، مثلما فعلت تركيا.

وأوضح أن المشروعات الإيرانية تحرم العراق من 20 في المائة من موارده المائية، واتهم إيران بتحويل مسار 90 في المائة من مياه الأنهار التي يشترك فيها البلدان.

وأظهرت صور ومقاطع فيديو حديثة اختفاءً تاما لبحيرة حمرين في محافظة ديالى نتيجة تغيير طهران لمسار عشرات الروافد المغذية للأنهر والبحيرات.

وتداول نشطاء عراقيون مؤخرا مقطعا مصورا يظهر شابا يركض وسط نهر دجلة دون أن تغمره المياه، ما يعكس خطورة الأزمة.

المياه أكبر تحد للعراق

وقال الرئيس العراقي برهم صالح في بيان يوم 27 نيسان/أبريل الماضي، إن بلاده ستواجه عجزا في المياه يقدر بـ 10 مليارات متر مكعب بحلول عام 2035.

وأشار إلى تحول بحيرة ساوة جنوبي البلاد لأرض ملحية قاحلة، بعد أن كانت توصف بأنها "لؤلؤة الجنوب".

وكان العراق قد اشتكى سابقا من سياسات إيران، مشيرا إلى أنها تخالف اتفاقية الأمم المتحدة لقانون استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية لسنة 1997.

في الوقت نفسه، يراجع فريق حكومي عراقي يضم خبراء أمن ودبلوماسيين وأساتذة جامعات وباحثين بنود اتفاقية الجزائر بين العراق وإيران لتسوية نزاعات الحدود البرية والمائية.

ووفقا لوزارة البيئة العراقية، فإن ملف نقص المياه يعد اليوم التحدي الأكبر في العراق الذي بات "الخامس عالميا" بين البلدان الأكثر تأثرا بالتغير المناخي.

ويمثل ازدياد العواصف الغبارية الخانقة المتسببة بشل الحياة العامة مؤشرا على ذلك التغير، فيما تشير توقعات خبراء البيئة والطقس أن عدد الأيام المغبرة بالبلاد سيصل إلى 300 يوم عام 2050.

يذكر أن إيران تعاني أيضا منذ سنوات من انخفاض نسبة الأمطار، ووصل احتياطي المياه في السدود بجميع أنحاء البلاد إلى أقل من 40 في المائة، ما أدى إلى نقص المياه تسبب الصيف الماضي في اندلاع احتجاجات في مدن إيرانية عدة.

هل أعجبك هذا المقال؟

0 تعليق

سياسة المشارق بشأن التعليقات * معلومات ضرورية 1500 / 1500