بيروت -- يستمر حزب الله في عمليات تهريب المواد الغذائية والمحروقات والأدوية إلى سوريا عبر المعاير غير الرسمية التي يسيطر عليها، حتى مع معاناة الشعب اللبناني من الجوع وعدم توافر السلع الأساسية في البلاد.
وعلى الرغم من التدابير الأمنية التي تتخذها وحدات الجيش اللبناني المنتشرة على طول الحدود البرية مع سوريا، تتواصل عمليات تهريب المواد الغذائية وبينها تلك المدعومة من مصرف لبنان.
وتحرم عمليات التهريب هذه الشعب اللبناني من المواد الغذائية وسط أزمة اقتصادية وانهيار في قيمة العملة الوطنية وارتفاع جنوني لأسعار المواد الغذائية واختفاء العديد منها من الأسواق.
ووفق بيانات قيادة الجيش، تم في شهر نيسان/أبريل إحباط عدد من محاولات تهريب مواد غذائية ومحروقات، وصودرت هذه المواد من قبل وحدات الجيش المنتشرة في سهل البقاع بين عرسال والهرمل وبلدة القصر.
وتقع بلدة القصر على الحدود اللبنانية السورية مباشرة حتى أن بعض أراضيها يقع بالجانب السوري، لذا فهي تعتبر ممرا حيويا للتهريب لقربها من بلدة القصير السورية.
التهريب في وضح النهار
ويتهم اللبنانيون حزب الله بالتهريب ويطالبون بوضع حد لعملياته عبر الحدود، لكن بعض مناصريه لا يرتدعون.
ففي مقابلة أجريت مؤخرا مع فرانس 24، زعم الشيخ صادق النابلسي المقرب من حزب الله أن التهريب جزء لا يتجزأ من "عمليات المقاومة".
وكان مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي اللبنانيون يتناقلون فيديوهات لشاحنات وصهاريج تشارك في عمليات التهريب عبر الحدود في وضح النهار، كما أن سياسيين وناشطين أدلوا بدلوهم حول هذا الموضوع.
وفي هذا الإطار، قال النائب في كتلة القوات اللبنانية زياد حواط في تغريدة على موقع تويتر يوم 23 نيسان/أبريل، "لقد حذرنا وناشدنا وتقدمنا بإخبارات علنا نجد من يتحرك ولكن دون جدوى".
وأضاف أن "التهريب مستمر وعواقبه تزداد".
وأوضح "ملايين الدولارات تهرب شهريا، بالأمس مواد مدعومة واليوم مخدرات كل هذا كنا لنتلافيه لو اتخذ القرار السياسي بضبط الحدود".
ثم تابع ليصف لبنان بأنه "دولة تحكمها المافيا ودويلة [حزب الله]".
'أطنان' من البضائع تضبط يوميا
وقال مصدر عسكري في قيادة الجيش للمشارق إن "كمية التهريب من لبنان إلى سوريا كبيرة، ويضبط الجيش يوميا أطنانا من المواد الغذائية وآلاف الليترات من المحروقات المهَربة".
وأضاف أن أكثر المناطق التي تشهد تهريبا هي بلدة القصر لتداخل حدودها بين لبنان وسوريا.
وأوضح المصدر أن المركز الرئيس للمهربين هو "المسافة الفاصلة بين مركزي الأمن العام اللبناني بالمصنع والأمن العام السوري بجديدة يابوس، والبالغة نحة ستة كيلو مترات ونصف".
وتابع المصدر أنه في تلك المنطقة، "يجتاز اللبنانيون معبر المصنع الحدودي وهم يقودون شاحناتهم المحملة بالمواد الغذائية والمحروقات ويقابلهم سوريون يحضرون لشرائها".
وأشار إلى أنه "لا يحق للجيش التدخل بعمل الأجهزة الأمنية الموجودة عند معبر المصنع من جمارك وأمن عام، على الرغم من وجود مركز لمخابرات الجيش".
وأوضح أن أجهزة السكانر عند معبر المصنع معطلة، وأن عنصرا واحدا فقط من قوات الأمن يفتش السيارات.
معابر يسيطر عليها حزب الله
بدوره، قال الصحافي محمود شُكر للمشارق إن تهريب المواد الغذائية والمحروقات "مستمر ومن يهربونها معروفون بالأسماء وبعناوين سكنهم".
وأضاف أن معظم المهربين من بيئة حزب الله أو مرتبطين به بشكل ما، إذ أن الحزب هو "المستفيد الأكبر" من أنشطتهم.
ولفت إلى أن الحدود الشرقية الممتدة من جبل الشيخ إلى الهرمل-القصر" شهدت منذ عام 2005 تغيرا جذريا لجهة تمركز وانتشار أفواج برية أنشئت لهذا الغرض وأبراج مراقبة".
وتابع أن "الجزء الأكبر من الحدود مغلق باستثناء بعض المناطق التي يحظر على قوات الأمن دخولها لأن حزب الله يسيطر عليها، وبعض المعابر التي ما تزال مفتوحة لأنه لم يتم اتخاذ قرار سياسي حاسم بإغلاقها".
وأوضح شُكر أن الجيش بدأ منذ شهر "بالتضييق على شاحنات تقل بعض المواد الغذائية والمحروقات إلى منطقة الهرمل عبر حاجز أقامه بمنطقة حربتا".
اللبنانيون يواجهون الفقر والجوع
من جانبه، أوضح الخبير الاقتصادي اللبناني جاسم عجاقة أنه على الرغم من عدم إعلان السلطات عن حجم التهريب، تدل بعض المؤشرات على تهريب ما بين 50 و70 في المائة من المواد الغذائية المستوردة إلى خارج البلاد.
وقال إن "مافيات من الصًرافين والتجار والمهربين يهربون المواد الغذائية المدعومة من مصرف لبنان، ما يحرم الشعب اللبناني من أمنه الغذائي".
وتابع أن "الفقر والجوع ينتظران اللبنانيين مع قرب رفع مصرف لبنان للدعم وفي ظل دخول حكومة تصريف الأعمال في غيبوبة".
بدوره، قال مدير المركز اللبناني للاستشارات والدراسات، حسان قطب، إن حزب الله طرح مؤخرا بطاقة السَجاد التموينية، وهي مشروع يهدف لاحتواء نقمة بيئته على الأوضاع المعيشية التي تواجهها.
وأضاف أن الحزب لم يكشف عن الأسباب الحقيقية وراء تفاقم الأزمة الاقتصادية، وهي تهريبه للمواد الغذائية والمحروقات والأدوية المدعومة من أموال الشعب عبر المعابر الحدودية غير الرسمية مع سوريا.
وأكد أن دعم حزب الله لمحور إيران يتقدم على مصالح الشعب اللبناني الذي يعاني من عواقب أفعاله.
وأشار قطب إلى أن ما يقوم به حزب الله من تخزين مواد غذائية مدعومة ومحروقات بذريعة استعداده للأيام الصعبة المقبلة، "يتم على حساب الشعب اللبناني وحاجته لتلك المواد الآن وليس بعد حين".
وأكد أن هذا لا يتم من أموال الحزب أو أموال إيران كما يزعم أمينه العام حسن نصر الله، بل على من أموال الشعب اللبناني.