عند تقاطع إحدى الطرق في مدينة أربيل، احتشد عمال إيرانيون للصعود على متن سيارة توقفت في المنطقة بعدما أجبرتهم العقوبات الأميركية المفروضة على طهران على عبور الحدود بحثا عن فرص عمل.
ويبحث غالبية هؤلاء العمال أكراد،عن أعمال يومية في البناء أو غيره في إقليم الكردي بالعراق، للتعويض عن الوضع الاقتصادي المتدهور في بلدهم.
فارتدوا القبعات ووضعوا الحقائب القماشية حول خصرهم، منتظرين في المناطق الصناعية بأربيل أن يختارهم أشخاص يحتاجون إلى عمال يساعدونهم في أعمال إزالة الأنقاض أو البناء.
وقال رستم، 31 عاما وهو عامل من مدينة أورميا الإيرانية، إنه "في نهاية يوم عمل، يمكنني شراء دجاجة لكن العائلة تحتاج إلى أشياء أكثر من دجاجة".
وفضّل رستم وهو أب لولدين عدم الكشف عن اسمه الكامل، خوفا من تعرض أسرته للمساءلة في بلده الأم.
وبدوره، قال العامل رضا رستمي إن العمال يتقاضون "ما بين 25 و30 ألف دينار عراقي يوميا (أي بين 20 و25 دولارا)".
واعتبر أن ذلك "يعد مبلغا جيدا"، وهو ثلاثة أضعاف ما يحصل عليه العامل في إيران.
وأضاف "لا يمكن التنبؤ أبدا بالوضع الاقتصادي [في إيران]، فقد تستيقظ صباحا وتجد أسعار المواد الغذائية قد تضاعفت مقارنة بالأمس".
الوضع الاقتصادي ʼسيسوءʻ
وتعبر غالبية العمال الإيرانيين الحدود إلى الإقليم الكردي في العراق كسياح بتأشيرة دخول لمدة شهر.
فيعملون لمدة 28 يوما متواصلا ليعودوا بعدها إلى بيوتهم في إجازة، ويحملون لعائلاتهم الشاي وحفاضات الأطفال وسلعا أخرى باتت مكلفة جدا في إيران. وبعد أسبوع من ذلك، يستأنفون الحلقة نفسها.
وفي هذا السياق، قال عادل بكوان من مدرسة الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية في باريس، إن العمال هم "لتلبية الحاجة، ويُنظر إليهم أيضا كمصدر للثروة".
وأوضح بكوان لوكالة الصحافة الفرنسية، "إضافة إلى أنهم يشغلون مهنا ذات قيمة منخفضة ثقافيا واجتماعيا في المجتمع الكردي العراقي، فإن نفقات هؤلاء المياومين الإيرانيين توفر مصدر دخل".
وفي المنطقة المكتظة نفسها بأربيل، قام رجل أعمال عراقي كردي بتجديد مبنى قديم وحوله إلى فندق إقامة للعمال الإيرانيين.
فأوضح خورشيد شقلاوي البالغ من العمر 54 سنة، "في الخريف الماضي، لم يكن لدي إلا 58 نزيلا من العمال الإيرانيين في فندقي، أما الآن فلدي 180".
وقد استأجر مبنيين اثنين إضافيين على مقربة من الفندق، إلا أن هذه المساحة بقيت غير كافية.
وتابع "اليوم كل الغرف مشغولة، وإني اليوم أرفض زبائن، وجميعهم إيرانيون".
يُذكر أن غرفه هي بمساحة تسعة أمتار مربعة تقريبا وتتسع لأربعة أشخاص. ويدفع كل من النزلاء 3 دولارات في الليلة الواحدة للحصول على سرير وعلى الكهرباء والماء والإنترنت.
وكان معظم العمال الإيرانيين في أربيل متحمسين للتحدث إلى وكالة الصحافة الفرنسية، ولكن بشرط عدم الكشف عن هويتهم إذ يتخوفون من أن يكون لذلك عقبات سلبية على عائلاتهم في إيران.
وكان بينهم أشخاص تخرجوا من الجامعات واضطروا إلى العمل في البناء أو غيره، إذ تعذر عليهم إيجاد فرص عمل في بلدهم الأم وتشاءموا بشأن مستقبلهم فيه.
"وقال أحد الشباب ويبلغ من العمر 24 عاما، "أعتقد أن الوضع الاقتصادي سيسوء في إيران".
الهجرة لتأمين لقمة العيش
وفي الإطار نفسه، ذكرت السلطات الكردية الإقليمية عدم توفر إحصائيات لهؤلاء العمال الإيرانيين، فيما قال عراقيون إن تدفق العمالة هذا ليس مقلقا بالنسبة لهم بعد.
وأوضح عامل البناء العراقي ريبين سياماند، 27 عاما، "هم يتقاضون نفس أجورنا. وخلافا للعمال الإيرانيين، لدينا اتصالات أفضل. فنعمل بصورة منتظمة مع مهندسين وأصحاب مشاريع".
ولكنه أضاف أنه في حال بدأ الإيرانيون بالمجيء بأعداد أكبر وبتخفيض أجورهم، فسيصبح ذلك عبءا على العراقيين.
وعلى طريق وعرة تؤدي إلى الأرياف، جلس سليمان طه خلف شاحنته الصغيرة من طراز "نيسان"، التي تم تجميعها في إيران وتحمل لوحة إيرانية.
ويأتي طه، 28 سنة، ويحمل شهادة جامعية في الرياضيات وأصله من سناندج في غرب إيران، إلى العراق منذ شباط/فبراير الماضي لبيع منحوتات صغيرة لحيوانات.
ولفت إلى أن الإيرانيين يركزون على تأمين لقمة العيش، وهم غير قادرين على التخطيط لأي شيء آخر.
وتابع "قبل العقوبات الأخيرة، كنا نأكل اللحم ثلاث مرات في الأسبوع، أما الآن فمرة واحدة فقط".
وكان يبحث عن منزل لاستئجاره في أربيل لاستقبال أصدقائه وأقربائه الذين يسعون للسير على خطاه.
وأكد "هذه الهجرة بالنسبة لي، الهجرة لإطعام عائلاتنا".