حقوق الإنسان

التظاهرات الأخيرة تؤشر إلى ʼشعور بالحرمانʻ في الصين

روويو

تجمع لمواطنين في شارع بشانغهاي في 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2022، حيث جرت تظاهرات عقب حريق مميت اندلع في أورومتشي عاصمة منطقة شينجيانغ. [هكتور ريتامال/وكالة الصحافة الفرنسية]

تجمع لمواطنين في شارع بشانغهاي في 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2022، حيث جرت تظاهرات عقب حريق مميت اندلع في أورومتشي عاصمة منطقة شينجيانغ. [هكتور ريتامال/وكالة الصحافة الفرنسية]

قال مراقبون إن نطاق وحدة التظاهرات التي نظمت في الداخل الصيني مؤخرا وواقع أنها جرت أساسا، يعكس مستوى عاليا من الاستياء لدى المواطنين الصينيين.

ففي منتصف شباط/فبراير، اندلعت تظاهرات واسعة النطاق نظمها أساسا صينيون متقاعدون في ووهان بالصين.

حيث خرج المئات من كبار السن إلى الشوارع للاحتجاج ومطالبة السلطات بإلغاء خطة إصلاح تأمينهم الصحي التي أدت إلى تراجع ملحوظ في المدفوعات الشهرية المخصصة للمؤمن عليهم.

وأظهرت تسجيلات مصورة أعدادا كبيرة من عناصر الشرطة وهم يحاولون تفريق الحشود، إلا أن كبار السن رفضوا التراجع. وهتف متظاهرون كانوا متواجدين قرب المكان أيضا "نشيد الأممية" في إشارة إلى أن الحزب الشيوعي يبتعد فعليا عن جذوره الأيديولوجية.

وأشار شهود عيان إلى أن عددا من المتظاهرين تعرضوا للضرب على يد الشرطة. وتم اعتقال عدد غير معروف على خلفية اتهامات واهية.

وتأتي التظاهرات بعد أشهر فقط من اندلاع تظاهرات ضخمة في مختلف أنحاء الصين احتجاجا على سياسات الحكومة المتعلقة بتحركات المواطنين وسفرهم وتفاعلاتهم الاجتماعية.

وبدأت الاحتجاجات بعد أن أدى حريق مميت في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي إلى دمار الطوابق العليا من مبنى سكني في منطقة شينجيانغ شمالي غربي البلاد، وقد أكد كثيرون أنه لم يتم إنقاذ الضحايا في الوقت اللازم لأنهم من الطائفة المسلمة.

يُذكر أن بيجين متهمة باحتجاز أكثر من مليون من أبناء أقلية الأويغور وغيرهم من الجماعات الناطقة بالتركية، ومعظمهم من المسلمين، في شبكة سرية من مراكز الاحتجاز والسجون في المنطقة التي تقع في أقصى غربي البلاد، وذلك ضمن حملة قمع مستمرة منذ سنوات على التطرف.

ولكن متظاهرين طالبوا بإصلاحات سياسية أوسع نطاقا، مع مطالبة البعض حتى باستقالة كبار القيادات.

وآنذاك، قال وانغ دان، الذي سجن ثم نفي بعد سحق تظاهرات تيانانمين المؤيدة للديمقراطية، إن التطورات قد تؤشر إلى "حقبة تظاهرات" جديدة.

لكن غياب زعيم أو منظم في صفوف المتظاهرين يصعّب على الحكومة السيطرة على التظاهرات عبر اعتقال أو قمع شخص واحد.

ʼشعور بالحرمانʻ

وفي غضون أشهر قليلة، أي بين حصول ثورة الورقة البيضاء و"احتجاج الشعر الأبيض"، اعتاد الصينيون الذين تخوفوا من التعبير عن رأيهم منذ العام 1989 أكثر فأكثر على التعبير عن استيائهم بصورة علنية.

ويتساءل الكثير من المراقبين عن سبب ذلك.

وقال مينغ شيا، وهو باحث صيني وخبير سياسي في جامعة مدينة نيويورك، إنه من وجهة نظر علم الاجتماع، يرتبط سبب الاحتجاجات الأخيرة بـ"شعور بالحرمان".

وأوضح أنه "بشكل عام، فإن الأشخاص الأكثر احتمالا للتمرد ليسوا هم من يتعرضون ʼللإذلال والاضطهادʻ، ذلك أنه من المستبعد أن يقوم من هم أكثر ضعفا ومن يفتقرون إلى الدعم والموارد الاجتماعية الاقتصادية بالاحتجاج على المرض والجوع".

وقال إنه لهذا السبب تحديدا، يتمرد المتقاعدون المتظاهرون بعد أي تخفيض للمدفوعات المستحقة كونهم استفادوا في يوم من الأيام من النظام.

وأشار إلى أنهم "إضافة إلى ذلك، لا زالوا يملكون الموارد ولم يجدوا أنفسهم كليا في ظروف الفقر والجوع، وهو ما يمنح هؤلاء المتقاعدين نوعا من الثقة. وفي حال تم خفض مزاياهم، فسينتابهم شعور قوي بالظلم والحرمان. وهم أكثر ترجيحا لمقاومة ذلك".

وتابع أن كبار السن الذين شاركوا في التظاهرات كانوا مرتاحين نسبيا في السنوات الماضية، ذاكرا أن شعورهم بالحرمان فجأة أثار حسهم بالمقاومة.

وقال إن "هذه ظاهرة على مستوى الصين، أكانت المشكلة ترتبط بالتأمين الصحي أو بالمعاشات التقاعدية. فالدولة تفتقر إلى الأموال وديون الحكومات المحلية مرتفعة. وأشارت الحكومة المركزية فعليا إلى أنها لن تغطي النفقات المحلية. وإذا كانت الموارد المالية المحلية كافية نسبيا، فقد تتمكن [الحكومات المحلية] من الاستمرار لفترة زمنية محددة. أما إذا كان هذا الوضع المادي سيئا، فستكون الضغوط هائلة".

وفي الوقت عينه، أصبحت "شيخوخة السكان" المشكلة الأكبر في المجتمع الصيني، وهي تؤثر إلى حد كبير على حياة المواطنين كبار السن.

وأوضح شيا أن "غالبية كبار السن الذين هم في الخمسينات أو الستينات من العمر لديهم ولد واحد فقط. ويرزح المجتمع بأكمله تحت وطأة الضغط الاقتصادي. وعندما يواجه كبار السن الأزمات، يتعذر عليهم إيجاد الحلول ضمن عائلتهم".

توجهات مقلقة في السياسة الخارجية

وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية، يشعر بعض المواطنين الصينيين بقلق بالغ إزاء قرع حكومتهم المتزايد لطبول الحرب حول العالم.

وأصبح ترهيب الصين لتايوان وتهديداتها لها أكثر وضوحا في الأشهر الماضية، في حين فاقم غزو روسيا لأوكرانيا المخاوف في تايوان من احتمال تحرك بيجين بالطريقة نفسها لضم الجزيرة إليها.

وتعتبر بيجين تايوان التي تعتمد النظام الديمقراطي ولها حكم ذاتي، جزءا من أراضيها وترى أنه لا بد من استعادتها في يوم من الأيام بالقوة إذا دعت الحاجة، وتعيش الجزيرة تحت خوف دائم من غزو صيني.

وعام 2022، نفذت الصين أكثر من 1700 عملية توغل في منطقة تحديد الدفاع الجوي التايوانية، مقارنة بـ 969 في العام 2021، بحسب قاعدة بيانات وكالة الصحافة الفرنسية. وقالت وزارة الدفاع التايوانية إنها سجلت 380 عملية توغل تقريبا خلال العام 2020.

هذا وأثرت المناورات العسكرية الصينية في المياه المحيطة بتايوان، وكان آخرها في 8 كانون الثاني/يناير، على خطوط الشحن العالمية أيضا.

وفي هذه الأثناء، تزايدت التوترات بين الصين واليابان بصورة متواصلة، في ظل مطالبة بيجين بجزر سينكاكو، وهي سلسلة غير مأهولة واقعة تحت السيطرة اليابانية في بحر الصين الشرقي.

يذكر أن الصين تطالب تقريبا بكل بحر الصين الجنوبي الذي تمر عبره حركة تجارة بتريليونات الدولارات سنويا، مع وجود مطالبات منافسة من بروناي وماليزيا والفلبين وتايوان وفيتنام.

هل أعجبك هذا المقال؟

0 تعليق

سياسة المشارق بشأن التعليقات * معلومات ضرورية 1500 / 1500