تايبي، تايوان - شجع الغزو الروسي غير المبرر لأوكرانيا عدوان الصين على تايوان ودفع تايبيه للاستعداد بجدية لاحتمال نشوب صراع عسكري مع بيجين.
وكانت روسيا قد غزت أوكرانيا في 24 شباط/فبراير.
ويوم الثلاثاء، 14 حزيران/يونيو، دانت تايبيه الصين لقولها إن مضيق تايوان لا يعد مياها دولية، متهمة بيجين بمحاولة تعريض السلام الإقليمي للخطر من خلال ادعاء سيادتها عليه.
ويعتبر الممر المائي الضيق الذي يفصل بين تايوان والبر الرئيس للصين نقطة نزاع بين الدولتين، وغالبا ما تعرب بيجين عن غضبها حين تمر سفن حربية أجنبية عبره.
وتنظر الولايات المتحدة ودول أخرى إلى المضيق على أنه مياه دولية مفتوحة أمام الجميع.
ولكن قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ وين بين يوم الاثنين إن "الصين تتمتع بالسيادة على مضيق تايوان، ولها عليه حقوق سيادية وسلطة قضائية".
وأضاف "عندما تطلق دول معينة على مضيق تايوان صفة ’المياه الدولية‘، فهذا ادعاء كاذب هدفه إيجاد ذريعة للتأثير في قضايا متعلقة بتايوان وتهديد سيادة الصين وأمنها".
وردت تايبيه يوم الثلاثاء منتقدة تصريحات بيجين، ووصفتها بأنها "خاطئة" و"غير مقبولة".
وقال الحزب الديمقراطي التقدمي الحاكم في بيان إن "الصين... تنتهك بشكل صارخ سيادة تايوان وتضر بالنظام البحري الدولي لتعريض السلام والاستقرار الإقليميين للخطر".
ودانت وزارة الخارجية بيجين "لتعمدها تشويه القوانين الدولية للتقليل من شأن مضيق تايوان وتصويره كمنطقة اقتصادية خاصة بها".
وأضافت في بيان أن "محاولة الصين ضم تايوان واضحة".
ولتايوان حكومتها الخاصة منذ العام 1949، ولكنها تعيش تحت التهديد المستمر بغزو الصين لها. وتنظر بيجين إلى الجزيرة على أنها أراض لها وتعهدت بالاستيلاء عليها يوما ما ولو بالقوة إذا لزم الأمر.
الاستقلال بخطر
وجاءت الاتهامات بعد النقاش الحامي الذي جرى يوم الجمعة الماضي بين وزير الدفاع الصيني وي فنغي ووزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في أول محادثات مباشرة لهما في سنغافورة.
ونقل المتحدث باسم وزارة الدفاع الصينية وو تشيان، عن وي قوله خلال الاجتماع مع أوستن "إذا تجرأ أي أحد على فصل تايوان عن الصين، فلن يتردد الجيش الصيني حتما في شن حرب مهما كان ثمنها".
وتعهد وي أيضا بأن بيجين سوف "تسحق أي مؤامرة من أجل ’استقلال تايوان‘، وستدافع بحزم عن توحيد الوطن الأم"، وفقا للوزارة.
وتابعت الوزارة أن وي "شدد على أن تايوان هي للصين... واستخدام تايوان لاحتواء الصين لن يحصل أبدا".
في المقابل، ذكرت وزارة الدفاع الأميركية أن أوستن أبلغ وي أن على بيجين "الامتناع عن شن المزيد من الأعمال المزعزعة للاستقرار تجاه تايوان".
وبعد أيام من هذا التراشق الكلامي الناري، عقد مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان والدبلوماسي الصيني الكبير يانغ جيتشي يوم الاثنين محادثات مطولة في لوكسمبورغ، وصفها الجانبان بالمحادثات "الصريحة".
وكانت المحادثات أخف حدة مقارنة بتلك التي جرت الأسبوع الماضي، لكن لم يشر الجانبان إلى التوصل لأي حل وسط بشأن نقاط الخلاف الأساسية، وخاصة تايوان.
المحور الصيني-الروسي
ومنذ فترة طويلة يدعي الرئيس الصيني شي جين بينغ سيادة بلاده على تايوان كجزء من "تحديث" الصين عبر استعادة أرض تعود لها، مثلما ادعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن "العملية العسكرية الخاصة" في أوكرانيا تهدف إلى إعادة توحيد "الوطن الأم".
وقبل أسابيع قليلة من غزو موسكو لأوكرانيا، تعهد شي وبوتين بمساندة بعضهما البعض في "الحقبة الجديدة" من النظام السياسي والعسكري العالمي، في موقف يعرب عن خوفهما المشترك من تهديد الديمقراطيات الغربية المتزايد على حدودهما.
وقالا في بيان مشترك صدر بعد اجتماع 4 شباط/فبراير، إن "الصداقة بين البلدين ليس لها حدود"، مؤكدان أنه "لا توجد مجالات ’محظورة‘ للتعاون بيننا".
وتعليقا على هذا اللقاء، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة سواس في لندن ستيف تسانغ، إن شي وبوتين أظهرا "التزاما متزايدا بجعل العالم آمنا للاستبداد، لا سيما في البلدان الاشتراكية السابقة".
وأضاف تسانغ لوكالة الصحافة الفرنسية أن اتخاذ موقف علني بشأن أوكرانيا يدل بالنسبة لتشي على "مصلحته المشتركة مع بوتين في تحدي النظام العالمي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة".
وأكدت روسيا بدورها دعمها لسياسة "الصين الواحدة" التي تنتهجها بيجين، معارضة "أي شكل من أشكال الاستقلال" لتايوان، كما أظهرت على مدار العامين الماضيين دعمها لحملة بيجين الشرسة ضد الحركة المؤيدة للديمقراطية في هونغ كونغ.
وفي 23 شباط/فبراير أي قبل يوم من الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا، أعادت السلطات الصينية التأكيد بشكل ينذر بالسوء أن تايوان جزء من الصين.
وقالت الناطقة باسم وزارة الخارجية هوا تشون ينغ خلال مؤتمر صحافي "لطالما كانت تايوان جزءا لا يتجزأ من أراضي الصين. هذه حقيقة تاريخية وقانونية لا تقبل الجدل".
أما الرئيسة التايوانية تساي إنغ ون، فقالت إن "القوى الخارجية تحاول استغلال الوضع في أوكرانيا والتأثير على معنويات المجتمع التايواني"، وحثت الحكومة على أن تكون "أكثر يقظة ضد حرب المعلومات".
دروس من أوكرانيا
وشكل استمرار الحرب في أوكرانيا درسا بشعا للكثيرين في تايوان حول التكتيكات والأسلحة اللازمة لإبطاء قوات غازية تفوقهم قوة.
وتنفق تايوان المليارات على الطائرات المقاتلة والغواصات ويقوم الجيش ببناء قوة محترفة، لكنه واجه صعوبات في تجنيد وتدريب الجنود ذوي المهارات العالية والمحافظة عليهم.
ولكن من المكن أن هذا الواقع في حالة تغير.
فقد كشف جندي الاحتياط ومهندس الكمبيوتر في تايبيه البالغ من العمر 31 عاما، وو تشيوان سيون، أن التدريب خلال شهر آذار/مارس الماضي كان أطول وأصعب من أي تدريب خضع له جنود مثله في السنوات الأخيرة.
وقال إن قادته كانوا كل يوم تقريبا يذكرون الرجال بأن التهديد الصيني يتصاعد.
وأضاف لصحيفة نيويورك تايمز "علمتنا أوكرانيا أننا بحاجة إلى أن نظهر للآخرين أولا أننا تمتلك العزم للدفاع عن أنفسنا؛ عندها فقط سيأتي الآخرون ويساعدوننا".
ودأبت الصين يوميا على إرسال طائرات مقاتلة باتجاه تايوان، ووصل عدد الطلعات التي نفذتها طائراتها فوق تايوان خلال الشهر الماضي وحده 30 طلعة يوميا.
وفي العام الماضي واستنادا إلى قاعدة بيانات جمعتها وكالة الصحافة الفرنسية، سجلت تايوان 969 خرقا جويا من قبل الطائرات الحربية الصينية، أي ضعف الخروقات التي سجلتها عام 2020 والتي بلغت نحو 380 خرقا.
وفي 24 أيار/مايو الماضي، أجرت الصين وروسيا أول مناورة عسكرية مشتركة بينهما منذ غزو الكرملين لأوكرانيا، وأرسلتا قاذفات فوق البحار في شمال شرق آسيا.
وجرت التدريبات خلال اجتماع للكتلة الرباعية التي تضم الولايات المتحدة والهند وأستراليا واليابان، نوقش خلاله التهديد العسكري الصيني المتزايد.
وتثير الطلعات الجوية الاستفزازية والتدريبات العسكرية قلق السلطات في تايوان والمراقبين الدوليين.
وفي حديثه لصحيفة نيويورك تايمز، قال وزير دفاع تايوان السابق مايكل تساي "لا يمكننا الانتظار. نحن في سباق مع الوقت".
وتابع أن "الغزو الروسي لأوكرانيا حدث في لحظة. من يدري متى قد يقرر جيش التحرير الشعبي [الصيني] غزو تايوان".