لا تزال الحوادث المحرجة تعصف بالجيش الروسي في أوكرانيا، حيث وصلت حدة المشاكل المرتبطة بالقوى العاملة والمعنويات وطرق الإمداد في الأسابيع الأخيرة إلى مستويات جديدة.
وعكست الانفجارات التي وقعت في 9 آب/أغسطس بقاعدة ساكي العسكرية في شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا إليها، الصعوبات المتزايدة التي يواجهها الجيش الروسي ومحاولاته الساذجة للتستر عليها.
وهزت سلسلة من الانفجارات الضخمة القاعدة الجوية وتسببت بأضرار جسيمة مع تدمير 9 مقاتلات على الأقل، ولكن سارعت روسيا إلى وصف ما جرى بأنه حادث.
وقالت وزارة الدفاع الروسية إنها تسعى لمعرفة سبب الانفجارات، مشيرة في الوقت عينه إلى أن القاعدة الجوية لم تكن مستهدفة.
وقال المحلل أوليفر ألكسندر لوكالة الصحافة الفرنسية "لو كان هذا حادثا، لكان تطلب وقوعه إلقاء 4 أو 5 أشخاص سجائر في المكان نفسه أو ضرب قنابل بمطرقة، وهذان أمران مستبعدان إلى حد كبير".
ومن جهته، أكد إليوت هيغينز مؤسس مجموعة بيلينغكات للصحافة الاستقصائية، أن الصور أظهرت 3 حفر وأدلة على اندلاع "حريق هائل طال مختلف أنحاء القاعدة".
وكتب على تويتر "أحد الأسباب التي يمكن التفكير أنها وراء هذه الحفر، هي الضربات الدقيقة من ذخيرة بعيدة المدى".
وقال هيغينز "لا يمكنني أن أتذكر فترة من التاريخ الحديث خسرت فيها روسيا في يوم واحد هذا العدد الكبير من الأصول الجوية، وعلى الروس أن يشعروا بقلق كبير إزاء قدرة أوكرانيا على تنفيذ ضربات مماثلة في أماكن أخرى، لا سيما بجسر مضيق كيرتش [الذي يربط شبه جزيرة القرم وروسيا]".
ونقلت صحيفتا نيويورك تايمز وواشنطن بوست عن مسؤولين أوكرانيين بدون كشف هويتهم، قولهم إن أوكرانيا هي وراء التفجيرات، ولكن لم تقر قوات كييف بذلك علنا.
وعلق الجيش الأوكراني على "الصعوبات الفنية" التي تواجهها روسيا بسخرية، قائلا إنها قد تكون ناجمة عن مدخنين دخنوا في مناطق لا يسمح التدخين فيها.
وفي 10 آب/أغسطس، غرد ميخايلو بودولاك مستشار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، قائلا إن "وباء الحوادث الفنية التي تضرب المطارات العسكرية في شبه جزيرة القرم وبيلاروسيا يجب أن يعتبرها الجيش الروسي بمثابة تحذير".
وتابع "انسوا أوكرانيا، اخلعوا زيكم العسكري وغادروا... الكارما ستعيد إليكم عواقب أفعالكم أينما كنتم".
واستخدمت روسيا شبه جزيرة القرم كقاعدة رئيسة لمهاجمة أوكرانيا، وقد ضمتها إليها بشكل غير قانوني عام 2014.
ولكن نادرا ما يتم استهداف شبه جزيرة القرم، ومن شأن استهدافها اليوم أن يمثل تصعيدا كبيرا في الحرب ونكسة كبيرة للجيش الروسي، إذ من الواضح أنه عندما غزا أوكرانيا في شباط/فبراير الماضي، لم يفكر أن الأراضي الروسية ستكون عرضة للخطر.
يُذكر أن الجيش الأوكراني عمد إلى ضرب أهداف في عمق الأراضي التي تسيطر عليها روسيا منذ أن شهدت الأسابيع الأخيرة وصول بعض أنظمة الصواريخ المدفعية عالية الحركة من قبل الحلفاء الغربيين.
أين الدفاعات الروسية؟
وبعد مرور أكثر من 5 أشهر على غزو روسيا لأوكرانيا، يسلط تدمير قاعدة ساكي الجوية الضوء على حقيقة محرجة أخرى مفادها أن المعتدي الأكبر والذي يفترض أنه الأفضل تجهيزا لم يثبت قدرته على تحقيق تفوق جوي أو امتلاكه دفاعات صاروخية موثوقة.
ولا تزال الطائرات الأوكرانية تتنافس في السيطرة على الأجواء ذلك أن القوات الأوكرانية أسقطت طائرات روسية ودمرتها على الأرض (كما حدث في ساكي) وفجرت صواريخ روسية مضادة للطائرات، كما أفادت وسائل إعلام مختلفة بما في ذلك نيوزويك في تموز/يوليو الماضي.
ووفقا للبنتاغون، لعبت أنظمة الصواريخ المدفعية عالية الحركة دورا أساسيا في منع وصول الروس إلى التفوق الجوي.
وإذا كانت أوكرانيا قد استخدمت فعلا صواريخ لمهاجمة ساكي، فذلك يعني أن بطاريات صواريخ الدفاع الجوي حول القاعدة أثبتت أنها عديمة الجدوى.
وكتب المحلل العسكري البريطاني تيموثي آش على مدونته يوم الثلاثاء الماضي "من اللافت أن الدفاعات الجوية الروسية فشلت مرة أخرى. تذكروا أن الموقع المستهدف هو موقع روسي أساسي".
وأثناء خوض غمار الحرب، أثبتت الأسلحة الروسية عمليا أنها مخيبة للآمال في مختلف أنحاء العالم. وأدت مثل هذه الكوارث في أوكرانيا إلى الإساءة أكثر لسمعة تلك الأسلحة السيئة أصلا.
وفي عام 2020، قضت القوات التي تشغل طائرات مسيرة تركية وإسرائيلية على أعداء تجهزهم روسيا في ناغورنو كاراباخ (أذربيجان) وسوريا وليبيا.
ويتسبب عدم الكفاءة الجذري بمشاكل أخرى.
وفي نيسان/أبريل، قال المعهد البحري الأميركي إنه عندما نجحت أوكرانيا في إغراق السفينة الحربية الروسية موسكفا في البحر الأسود في الشهر نفسه، عزز هذا الفوز بفشل طاقم السفينة في تشغيل رادارات الدفاع الصاروخي.
قطع طرق الإمداد
وسلطت الأسابيع الأخيرة أيضا الضوء على مشاكل روسيا المتنامية بطرق الإمداد.
وأعلنت أوكرانيا يوم الأحد أن القوات الروسية التي عبرت نهر دنيبر خلال هجومها في منطقة خيرسون الجنوبية تواجه صعوبات متزايدة بعد قصف الجسور الاستراتيجية.
وخلال الأسابيع الأخيرة، تعرضت الجسور الثلاثة التي تسيطر عليها روسيا في المنطقة للقصف مرات عدة، علما أن 2 منها مخصصان لحركة المرور على الطرق والآخر يحمل سكة حديدية.
وقال النائب الإقليمي سيرجي خلان للتلفزيون الأوكراني إن الطريقة الوحيدة لعبور الجنود الروس النهر تتمثل بطوافات بالقرب من جسر أنتونوفسكي، وهذه طوافات "لا يمكنها تلبية احتياجاتهم بالكامل".
وتقع مدينة خيرسون عاصمة المنطقة، على بعد بضعة كيلومترات فقط من خطوط المواجهة. وتعتبر المنطقة الأوسع التي تسمى أيضا خيرسون، محورية للزراعة الأوكرانية.
وهي تعد استراتيجية لأنها مجاورة لشبه جزيرة القرم.
وقالت القوات الأوكرانية إنها تشن منذ بضعة أسابيع هجوما مضادا بطيئا في جنوب البلاد.
وذكرت كييف أنها استعادت عشرات القرى من القوات الروسية.
خسائر جسيمة
وتأتي خيبات الأمل الأخيرة لروسيا في الوقت الذي تتحمل فيه خسائر بشرية فادحة في حربها ضد أوكرانيا، ما أجبر موسكو على محاولة تجنيد سجناء وعمال مهاجرين من آسيا الوسطى.
وعلى الرغم من أن غزو أوكرانيا كان الأكبر في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، إلا أن عدد القوات الروسية البالغ 160 ألف جندي كان بداية بالكاد يفوق عدد المدافعين الأوكرانيين. هذا ويتحدث الفكر الاستراتيجي العسكري عن ضرورة أن يفوق عدد الغزاة عدد المدافعين ليكون بنسبة 3 إلى 1.
وفي الأسابيع القليلة الأولى من الصراع، تمكنت القوات الأوكرانية المشتتة من إلحاق خسائر فادحة بأعدائها، ويعود الفضل في ذلك جزئيا إلى سنوات من التدريب بالناتو فضلا عن إمدادات الأسلحة المضادة للدبابات والأسلحة المضادة للطائرات التي زودها بها حلفاؤها الغربيون.
ويرتفع عدد القتلى في صفوف القوات الروسية تدريجيا منذ ذلك الحين.
وأعطت روسيا حصيلة رسمية لقتلاها من الجنود في مناسبتين فقط، كانت الأخيرة في 25 آذار/مارس حين قالت إنها فقدت 1351 جنديا، وهو رقم يعتبره المحللون منخفضا للغاية.
ووفقا لآخر تحديث صدر عن الجيش الأوكراني، فقدت روسيا حوالي 43 ألف و750 جنديا.
وتعطي عادة المصادر الغربية التي تتواصل معها وكالة الصحافة الفرنسية رقما أقل بكثير عن الخسائر البشرية في صفوف القوات الروسية ويتراوح بين 15 ألف و20 ألف جندي.
ومع ذلك، قدر مسؤول أميركي رفيع في 8 آب/أغسطس أن ما يصل إلى 80 ألف روسي قتلوا أو جرحوا في أوكرانيا منذ اندلاع الحرب في أواخر شباط/فبراير.