حمام العليل -- استعادت عيون مياه معدنية شمالي العراق شعبيتها بعد أعمال الترميم التي أدت إلى عودة الزوار إلى منطقة كانت قد شهدت سابقا إعدامات جماعية نفذها تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
وكان هشام خالد، وهو من السكان المحليين، يزور حمامات حمام العليل بصورة منتظمة خلال طفولته برفقة والده، ولكنه بات يأتي إلى العيون بمفرده بعد إعادة ترميمها.
فوالده الذي كان في صفوف الشرطة أعدم بالقرب من الحمامات على يد داعش في العام 2016.
وتقع بلدة حمام العليل على الضفة الغربية لنهر دجلة جنوبي شرقي الموصل، وقد اكتسبت سمعة كبيرة على مدى العقود بفضل مياهها العلاجية الكبريتية.
ولكن العيون والقرية المحيطة التي تحمل الاسم نفسه تعرفان الآن أيضا بالمجازر التي ارتكبها تنظيم داعش أثناء احتلاله المنطقة.
وقال خالد البالغ، 21 سنة ووالد لتوأم كان يجلس بدون قميص بالقرب من المسبح الدائري في العيون، "فقدت الأشخاص الذين كانوا الأعز إلى قلبي".
فقد كان والده، الذي كان يحمل رتبة عقيد في الشرطة، من بين مئات الضباط المحليين الذين اعتقلوا وأعدموا على يد داعش. وتم اكتشاف جثثهم في تشرين الثاني/نوفمبر 2016 في مقبرة جماعية بالقرب من كلية الزراعة.
وقال المتحدث باسم قيادة عمليات نينوى العميد فراس بشار صبري آنذاك إن المقبرة "ضمت رفات مبعثرة لنحو 70 جثة، تعود لمدنيين خدموا سابقا في الجيش والشرطة ومدنيين آخرين".
وأوضح أن "بعض السكان تعرفوا بأنفسهم على أبنائهم القتلى من خلال مقتنياتهم الشخصية".
وقال خالد "هذا يوجع قلبي. كنت آتي مع والدي إلى الحمامات. واليوم بعد رحيله صرت آتي بمفردي".
عودة إلى الحياة الطبيعية
ويشعر العديد من سكان المنطقة بالاستياء إزاء بطء أعمال إعادة الترميم بعد مرور 5 سنوات على طرد داعش منها.
ولكن إعادة افتتاح الحمامات على ضفاف نهر دجلة الشهر الماضي تساهم في إعادة الحياة إلى طبيعتها رغم بقاء جراح الحرب.
وأصبح خالد اليوم مدلكا، وهو يستحم في العيون بصورة دورية. وقد شفته المياه الغنية بالكبريت من حساسية ومشاكل جلدية، بحسب قوله.
ويستمتع الرجال والأطفال في غرف العيون المبلطة حديثا بوقت استرخاء علاجي مقابل 5000 دينار عراقي (3 دولارات).
فيملأون الأحواض بمياه الينابيع الخضراء الساخنة ويسكبونها على رؤوسهم قبل فرك أجسادهم، وذلك رغم الرائحة الكريهة التي يتميز بها الكبريت.
وفي الإطار نفسه، يترك رجل مسن كرسيه المتحرك لينغمس في المياه، ممارسا تمارين لشد يديه.
ويتسع المنتجع الذي شيد في العام 1984 لما بين 75 ومائة شخص، ويستخدم الرجال والنساء مساحات منفصلة بحسب الجنسين.
وعلى الأرصفة المحيطة بالمنتجع، تبيع أكشاك مؤقتة زجاجات بلاستيكية تم ملؤها بالطين الكبريتي.
وفي هذا السياق، حضر سلام عادل حسن من بغداد، وقال إنه زار المنتجع للمرة الأولى قبل 20 عاما.
وذكر حسن البالغ من العمر 30 عاما وهو يبتسم، "كان المنتجع مختلفا عما هو اليوم، فكان بدائيا جدا. تعد أعمال إعادة الترميم إنجازا وأنا سعيد جدا بذلك".
وتابع "يعاني شقيقي من داء الصدفية ولم يستطع الحضور. سآخذ له المياه والطين".
وبعد هزيمة داعش في العام 2017، بقيت الحمامات تحظى بشعبية رغم حالة المبنى التي كان يرثى له مع بلاطه ونوافذه المكسورة.
وفي العام 2019، دشنت السلطات أعمال إعادة ترميم بكلفة 500 ألف دولار.
وقال أحمد عزيز أحمد، وهو من الموظفين في المنتجع، إنه تم اختيار مواد البناء بعناية فائقة لتقاوم المياه والأكسدة الناتجة عن المياه الكبريتية.
وذكر "بعد يوم من الافتتاح، بدأنا نستقبل مجموعات من الزوار من كل المحافظات".
ولفت إلى حضور عائلات تنحدر في الأصل من الموصل وتعيش اليوم في الخارج، إلى جانب سياح بريطانيين وألمان.
ʼحياة مريرةʻ تحت حكم داعش
يُذكر أن القوات العراقية استعادت السيطرة على بلدة حمام العليل التي كانت بقبضة داعش في 7 تشرين الثاني/نوفمبر 2016، فحققت بذلك انتصارا أساسيا على الجبهة الجنوبية ضمن الهجوم الرامي لاستعادة الموصل.
وفي الأشهر التي سبقت ذلك، كان أهالي حمام العليل قد انتفضوا ضد التنظيم المتطرف، فكثفوا عدد الهجمات الانتقامية التي نفذوها بعد تحرير القوات العراقية القيارة في جنوب القضاء.
وفي أواخر العام 2016، أي قبل أشهر من طرده من الموصل على يد الجيش العراقي والتحالف الدولي، قام تنظيم داعش باعتقال مئات الأشخاص وإعدامهم.
وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن جثث بعض الضحايا وجدت أساسا مرمية علنا بين النفايات، وهو ما وجّه المحققين إلى المقبرة الجماعية التي قدر أنها تضم "جثث ما لا يقل عن 300 ضابط سابق في الشرطة المحلية".
وأوضح أحمد الموظف في المنتجع أن تنظيم داعش "تحرك ليلا، فقام بإعدامهم قبل دفنهم بواسطة جرافة".
وفي أعقاب تحرير حمام العليل مباشرة، روى سكان لموقع ديارنا، وهو الموقع الإلكتروني المرتبط بالمشارق، الفظائع التي عاشوها تحت حكم داعش.
وقال رجل الشرطة السابق ماجد شاكر إنه عاش "حياة مريرة" تحت حكم داعش، وقد تنقل من مكان إلى آخر خوفا من الاضطهاد.
وأوضح "اضطررت لقضاء أيام في العراء دون طعام أو شراب وأحيانا كنت أختبئ في حفرة حفرتها في منزل أحد أقربائي".
وتابع "مرت علي لحظات تمنيت فيها الموت"، مشيرا إلى أن مسلحي داعش كانوا يعتقلون الناس ويعذبونهم في السجون حتى الموت.
وبدوره، قال ليث محمد وهو من سكان حمام العليل، إن "تنظيم داعش حول المقرات الحكومية في ناحيتنا إلى معتقلات يمارس فيها شتى أصناف التعذيب".
وذكر أن السكان سمعوا عن زج داعش العديد من الشبان المحليين في تلك السجون لأسباب مختلفة، ولا سيما عناصر الأمن السابقين الذين اتهمهم التنظيم بالتعاون مع الحكومة.
وقال "صلب بعض الضحايا على أعمدة الكهرباء وسط المدينة أو قتلوا رميا بالرصاص أو نحرا بالسكين".
وذكر أن "مصير من يحاول دفنهم كان الموت. كنا نرى الكلاب وهي تنهش الجثث".
وتم اكتشاف مقابر جماعية أخرى في المنطقة، ومن بينها مقبرة الخسفة الجماعية حيث يعتقد أن تنظيم داعش رمى آلاف الجثث.
ولا تزال فحوصات الحمض النووي جارية لتحديد هوية جثث ضحايا التنظيم.