أعلن مسؤولون أن مقبرة جماعية اكتشفت مؤخرا بالقرب من مدينة الفلوجة بمحافظة الأنبار تضم رفات "عشرات" المدنيين الذين يبدو أنهم أعدموا من مسافة قريبة على أيدي الميليشيات العراقية المدعومة من إيران.
وقال مدير المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب عمر الفرحان إن موقع المقبرة يقع بالقرب من معسكر طارق المحازي للطريق الدولي السريع شرقي الفلوجة.
وأضاف أن عدد الضحايا المدفونين في الموقع الذي عثر عليه صدفة المزارعون والسلطات المحلية لم يتحدد بعد، لكن يبدو أنه قد يصل إلى "العشرات".
وما أن عُثر على المقبرة الجماعية حتى عمدت الميليشيات المدعومة من إيران التي تهيمن على المنطقة، وهي كتائب حزب الله وكتائب الإمام علي، إلى فرض طوق أمني حول الموقع في محاولة للتعتيم على الجريمة.
وأكد الفرحان أن موقع المقبرة يقع ضمن منطقة عمليات هذه الميليشيات، بعد أن عززت وجودها فيها إثر تحريرها من تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في حزيران/يونيو 2016.
وأوضح أن الرفات ظهرت على سطح التربة نتيجة الأمطار الغزيرة، مشيرا إلى أن السكان المحليين عثروا على ملابس من الزي العربي التقليدي وأخرى رياضية ما يدل على أن الضحايا كانوا مدنيين.
وقضي الضحايا برصاص أطلق عليهم من مسافة قريبة كما بينت آثار الطلقات النارية في جماجمهم، وذلك بعد تكبيل أيديهم.
وفيما تشبه معالم هذه المقبرة الجماعية الجديدة العشرات غيرها التي تضم رفات ضحايا داعش، يبقى أنها "من فعل الميليشيات وذلك بشهادة سكان المنطقة"، بحسب الفرحان.
’ليس هناك معتقلين لأنهم قتلوهم‘
وفي هذا السياق، قال المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب إن هذه الشهادة اكتسبت مصداقية بعد التصريحات التي أدلى بها أحد قادة كتائب الإمام علي الملقب بـ أبو عزرائيل (ملاك الموت)، في مقطع شريط مصور تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي.
ويصف أبو عزرائيل في الشريط المصور ما آل إليه مصير من اعتقلتهم الميليشيات خلال الحرب على داعش. ويزعم أن العديد من العراقيين السنة اتصلوا به ليسألوه عن أبنائهم المعتقلين منذ عام 2015، مطالبين بزيارتهم في السجن.
وأضاف "أقول لهم ليس هناك معتقلين لأنهم قتلوهم"، لافتا إلى أن الطائفية في ذلك الوقت قضت على "الأخضر واليابس"".
وذكر مسؤول محلي في الأنبار أن الناس ينتظرون أن يحقق القضاء في تصريحات أبو عزرائيل، لكنه أعرب عن عدم تفاؤله بإمكانية حدوث ذلك.
وقال إنه بتصريحاته هذه، فإن أبو عزرائيل "يثبت أولا خطف المدنيين ويؤكد ثانيا قتلهم".
وبحسب التقديرات، شهدت الأنبار نحو 3000 حالة اختطاف، وينحدر قرابة 800 شخص من المختطفين من بلدة الصقلاوية شمال الفلوجة.
وعلقت زوجة أحد المختطفين في شرق الأنبار، إيمان صبري، قائلة "اليوم وبعد انتظار سبع سنوات يقولون لنا أنهم قتلوهم ؟!".
ونقل عنها مركز توثيق جرائم الحرب العراقي قولها "على الحكومة محاسبة هذا المجرم ومن يعمل معه".
ومن بين المطالبين بإجراء تحقيق "عادل وجاد" في الجريمة لكشف الحقيقة، النائب العراقي السابق حميد المطلق.
من جهته، قال البرلماني العراقي ونائب رئيس لجنة العلاقات الخارجية البرلمانية، ظافر العاني، إن اعتراف أبو عزرائيل "أكد لنا ما كنا نعرفه"، وهو أن معظم الذين اعتقلتهم المليشيات قتلوا "خارج سلطة القانون".
الميليشيات ترتكب ’أبشع الجرائم‘
وليست هذه هي المرة الأولى التي يكتشف فيها السكان والسلطات مقابر جماعية لضحايا قتلوا على أيدي الميليشيات المدعومة من إيران.
ففي كانون الثاني/يناير، كشفت الأمطار الغزيرة مقبرة جماعية في بلدة الإسحاقي بمحافظة صلاح الدين، وأظهرت رفات مدنيين اختفوا قبل خمس سنوات خلال المعارك لدحر داعش.
كما اكتشف العراقيون العام الماضي مقبرتين في منطقتي النعيمية وبيت تفاحة بالفلوجة.
وفي الصقلاوية، عثر العراقيون على نحو 35 مقبرة يُرجح أنها تضم رفات مئات المدنيين الذين اختطفتهم الميليشيات وانقطعت أخبارهم، وفق الفرحان.
واتهم المسؤولون العراقيون أذرع إيران بتغييب ما لا يقل عن 12 ألف عراقي من سكان البلدات والمدن المحررة من داعش، بحجة أنهم على صلة بذاك التنظيم المتشدد.
ولفت المحلل السياسي أحمد شوقي إلى أن الفصائل المسلحة الموالية لإيران استغلت مواقعها في خطوط المعارك الخلفية "لصيد" العائلات التي كان الجيش العراقي يحررها من قبضة داعش، تحت ذريعة أنهم من المتعاونين مع داعش.
وأضاف أن "تلك الفصائل وعلى غرار ما كان تنظيم داعش يفعله، عزلت الرجال عن النساء والأطفال واقتادتهم إلى أماكن مجهولة حيث نفذت بحقهم إعدامات جماعية ودفنتهم".
وشدد شوقي على أن "الميليشيات تمارس أبشع الجرائم" تحت غطاء مكافحة الإرهاب.