كابول -- أدى سقوط الحكومة الأفغانية في آب/أغسطس الماضي إلى عدد من التغيرات العميقة في أفغانستان، لكن التهديد الناتج عن التشدد الذي تدعمه إيران بقي على حاله.
وبسبب ذلك واصل الحرس الثوري الإيراني، بل عزز أحيانا، دعمه للميليشيا المؤلفة من مواطنين أفغان المسماة لواء فاطميون.
وفي حين أن أنشطة اللواء تركز بشكل رئيس على الخطط والأهداف في سوريا، حيث أحدث تغييرا ديموغرافيا في بلدات النائية وحولها إلى "إيران صغيرة" يقيم فيها مقاتلون ومتعصبون شيعة وساعد الميليشيات الأخرى الموالية لإيران في مهاجمة القوات الأميركية والقوات المتحالفة في سوريا والعراق ، يتصاعد القلق بشأن الدور الذي تخطط إيران ليلعبه هذا اللواء في أفغانستان نفسها.
وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن تراجع حدة القتال في سوريا خلال السنوات الأخيرة، يسمح للنظام الإيراني بإعادة نشر لواء فاطميون إذا رغب ذلك.
وفي تجمع للواء فاطميون العام الماضي، قال أحد قادته البارزين المدعو سيد إلياس إن "هذا الجيش من المجاهدين في سبيل الله لديه أهداف كبيرة جدا ولن يوقف 'جهاده' حتى ... إنشاء حضارة إسلامية جديدة يعتبر قيامها واحدا من الأوامر المحورية للمرشد الإيراني الأعلى الإمام علي خامنئي".
وتستمر إيران في تجنيد الأفغان في لواء فاطميون، ويستدل على ذلك من الوجود الإعلامي النشط للواء على تليغرام ونشرته التي يستعرض فيها الأوضاع الراهنة في إيران وسوريا.
وعن هذا الموضوع، قال محلل سياسي في مدينة هيرات عبد القادر كامل إن "لواء فاطميون خاضع بصورة كبيرة لنفوذ الحرس الثوري الإيراني، وتستخدمه إيران في حروبها بالوكالة حيثما تريد".
ويأتي كل ذلك مع اقتراب الذكرى السنوية الثانية لوفاة القائد الإيراني قاسم سليماني مؤسس لواء فاطميون، والذي ما تزال تداعيات أفعاله تقض مضاجع المهاجرين الأفغان في إيران بعد أن غرقوا في فقر مدقع.
الخنث بالوعود البراقة
فلواء فاطميون يستغل الأفغان الفقراء الذين يعملون في إيران ويستميتون لإعالة أسرهم، ويقول المراقبون إن الميليشيا باتت اليوم تشكل تهديدا خطيرا لأفغانستان والمنطقة.
ومع أن الحرس الثوري الإيراني لا يعلن إحصائيات عن الخسائر البشرية في صفوف عناصر لواء فاطميون، يُعتقد أن آلاف المهاجرين الأفغان قضوا أثناء قتالهم في حروب بالوكالة لصالح طهران.
واستنادا إلى قاعدة بيانات خاصة به، كشف المراقب لأنشطة الحرس الثوري الإيراني المقيم في واشنطن، علي الفونيه، في حديثه لإذاعة أوروبا الحرة/راديو ليبرتي في شباط/فبراير 2020، أن نحو 917 مواطنا أفغانيا قتلوا في سوريا بين كانون الثاني/يناير 2012 وأيلول/سبتمبر 2019.
فالكثير من المجندين الأفغان ينضمون للواء فاطميون مقابل وعود بالحصول على الجنسية الإيرانية ومزايا ورواتب شهرية تقدم لأسرهم، إضافة إلى راتب شهري يتلقونه كعناصر في الميليشيا.
واشتكى قدامى المحاربين في لواء فاطميون وأقارب عناصر في الميليشيا لقوا حتفهم، أن هذه الوعود البراقة نادرا ما تحققت.
ويضلل المجندون الإيرانيون الأعضاء الجدد في لواء فاطميون بطريقة أخرى، إذ يبلغونهم أن مهمتهم هي حراسة أضرحة مقدسة في سوريا من هجمات المتطرفين، ليرسلونهم بدلا من ذلك إلى جبهات المعارك ويستخدمونهم كوقود للحرب.
قصص مأسوية
ويروى الأفغان الذين عادوا إلى بلادهم من إيران قصصا عن مهاجرين شاركوا كعناصر في لواء فاطميون.
وقال رضا، وهو من أهالي محافظة دايكوندي وطلب استخدام اسم مستعار، إن ابن عمه إيواز علي، 24 عاما، انضم للواء فاطميون منذ خمس سنوات لكنه لم يعد أبدا بعد أن غادر إلى سوريا.
وأضاف أن الحرس الثوري الإيراني أبلغ أسرته بعد عامين أن ابنهم قُتل في سوريا.
وتابع أن "الحكومة الإيرانية كانت قد وعدت إيواز وأسرته بمنحه بيت ودفع 10 مليون تومان (أي 2367 دولارا أميركيا) له شهريا إذا ذهب إلى سوريا وشارك بالحرب، لكن بعد مقتل إيواز علي، لم تعط أسرته أي شيء".
وذكر رضا بعدما طُرد من إيران يوم الأحد، 19 كانون الأول/ديسمبر، أن "إيرانيا شجعني شخصيا على الذهاب إلى سوريا للدفاع عن ضريح زينب، لكنني لم أقبل لأنني أعرف مسبقا أنه كاذب".
بدوره، قال حسين الذي لا يستخدم إلا اسما واحدا، إنه أثناء الوقت الذي قضاه في إيران شاهد القوات الإيرانية وهي تغري بوعود كاذبة شباب الهزارة الأفغان للذهاب إلى سوريا.
ورحلته السلطات الإيرانية إلى محافظة هيرات منذ ثلاثة أشهر.
وتابع أنه "إضافة إلى الرجال الإيرانيين، فإن إيرانيات جئن أيضا إلى منازل الهزارة الأفغان وتحدثن إليهم عن هجوم تنظيم 'الدولة الإسلامية' (داعش) على ضريح السيدة زينب وشجعوهم على إرسال شبابهم إلى سوريا للدفاع عن الضريح".
وأضاف أن "أكثر من عشرة شباب من منطقتنا (في إيران) ممن كانوا قد أرسلوا إلى سوريا للمشاركة في الحرب قتلوا، لكن لم يعد سوى خمسة جثامين لأسرها".
وأردف أن "العديد من أصدقائي المقربين الذين كانوا في الماضي أعضاء في لواء فاطميون عادوا إلى أفغانستان بعدما أدركوا أن الحكومة الإيرانية كذبت عليهم ولم تف بالتزاماتها".
تهديد لأفغانستان
وقال المحلل العسكري المقيم في مدينة زارانج بمحافظة نيمروز، محمد إقبال نادري، إن لواء فاطميون يشكل تهديدا خطيرا وجديا على أمن أفغانستان.
وأوضح أنه "من المرجح جدا أن تستخدم إيران لواء فاطميون لإذكاء فتيل الحرب في أفغانستان، لا سيما في المحافظات الغربية".
وأكد أنه "في السنوات الأخيرة، عاد الآلاف من عناصر فاطميون إلى أفغانستان ويعيشون الآن في مدن مختلفة. ويمثل هؤلاء خطرا كبيرا على أفغانستان إذا كانوا ما يزالون يتبعون أوامر الحرس الثوري الإيراني".
وفي الواقع، وفي مقابلة على شاشة قناة تليفزيونية أفغانية في شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي، قال وزير الخارجية الإيرانية السابق جواد ظريف إن لواء فاطميون "هم أفضل قوات يمكن للحكومة الأفغانية أن تستخدمها إذا رغبت".
[ساهم عمر من هيرات في إعداد هذا التقرير]
لقد شارك هؤلاء الأفغان من لواء فاطميون في قمع احتجاجات تشرين الثاني/نوفمبر 2019 التي اندلعت ضد ارتفاع أسعار البنزين. فقاموا بإطلاق النيران على المحتجين باستخدام بنادق قناصة. كما كانوا مسؤولين عن قتل مواطني خوزستان. قتلوا الكثير من الشباب الإيراني مقابل وعد البقاء في إيران. إنهم قوى القمع.
الرد1 تعليق