أعلنت قوات الأمن الإيرانية يوم الثلاثاء، 25 نيسان/أبريل، أنها أغلقت مركزا تجاريا والعديد من المؤسسات في جميع أنحاء البلاد، بسبب سماحها للنساء اللواتي يرفضن ارتداء غطاء الرأس الإلزامي بالدخول أو التسوق أو تناول الطعام.
وعبّرت النساء الإيرانيات على نطاق غير مسبوق عن غضبهن من النظام بسبب غطاء الرأس الإلزامي، المفروض منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية.
وعلى الرغم من أن الاحتجاجات التي تعتبر الأكبر والأكثر انتشارا في إيران منذ الثورة الإسلامية عام 1979 تراجعت خلال الأشهر الأخيرة، فقد تركت تأثيرا قويا ومستداما على قواعد اللباس التي تفرض على المرأة.
في أعقاب وفاة مهسا أميني البالغة من العمر 22 عاما في أيلول/سبتمبر خلال احتجازها لدى "شرطة الأخلاق" بسبب عدم ارتدائها "الحجاب بشكل لائق"، اندلعت الاحتجاجات بقيادة النساء مسلطة الضوء على الحريات الشخصية للمرأة.
وشاركت آلاف النساء في جميع أنحاء البلاد في الانتفاضة التي اندلعت منذ شهور. وفي تصرف ينم عن تحد، خلعن حجابهن وقصصن شعرهن أمام الكاميرا ونشرن على وسائل التواصل الاجتماعي صورا ومقاطع فيديو توثق ذلك.
وظهرت النساء من المشاهير في الأماكن العامة كما في الاحتفالات العامة دون حجاب.
وعلى الرغم من أن بعض النساء تعرضن للعقاب والتهديد علنا بفقدان مصادر رزقهن، إلا أنه لم يعتقلن، الأمر الذي منح العديد من المواطنات العاديات الشجاعة ليحذون حذوهن.
واعتبر البعض أن إلزام النساء بارتداء الحجاب شكل تكتيكا أساسيا اعتمدته الجمهورية الإسلامية لقمعهن والحد من مشاركتهن في الحياة الاجتماعية.
تحدي النساء
أثبت الجيل الأصغر من النساء الإيرانيات اللواتي لم يولدن في زمن الثورة الإسلامية أنهن أكثر شجاعة وجرأة من أمهاتهن.
فتمردن على قواعد اللباس التي أصبحت أكثر صرامة في عهد الرئيس المتشدد إبراهيم رئيسي.
وبعد بدء الاحتجاجات، انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو لنساء وهن يتمردن على أمر تغطية شعرهن بالكامل بشد الحجاب إلى الأمام، أو يصرخن ويقاومن أثناء دفعهن إلى شاحنات الشرطة من قبل شرطة الأخلاق النسائية "لإجراء حديث".
وحاولت شرطة الأخلاق التابعة للنظام دون جدوى "تصحيح" كيفية وضع المرأة لحجابها وفرض تطبيق قواعد اللباس التي تعتمدها الدولة، لكنها تراجعت هذه الأيام عن بذل الجهود لتغيير طريقة اللبس التي اختارتها النساء.
وقالت نساء عدة للمشارق إنهن عصين منذ شهور أمر النظام، ولم يعدن يغطين شعرهن عند مغادرتهن المنزل.
ومن بين هؤلاء ممرضة تبلغ من العمر 45 عاما، قالت إنها اعتادت مغادرة منزلها دون حجاب لدرجة أنها تنسى الآن حمل وشاحها في حقيبة يدها "تحسبا".
يذكر أن معظم المؤسسات الخاصة لا تفرض على النساء ارتداء الحجاب.
بدورها، قالت محاسبة، 33 عاما، لم تعد تغطي شعرها في الأماكن العامة، إنها تشعر "بالحرية" مضيفة، "بت هذه الأيام أشعر بالدهشة إذا رأيت امرأة محجبة".
وأكدت للمشارق أن "تقييد المرأة ركن من أركان النظام، وقد زعزع انتصارنا هذا الركن".
النظام في مأزق
هذا وقد ترك العدد الهائل من النساء اللواتي رفضن الاستمرار في تغطية شعرهن النظام في مأزق، واعترف جميع مسؤولوه بأنهم يواجهون طريقا مسدودا.
وقد شدد كثيرون على أن الحجاب جزء من "قانون البلاد" واجب التطبيق ولا يمكن تجاهله، لكن استعراض القوة لفرضه غائب اليوم عن شوارع البلاد.
مع حلول الطقس الحار في كل عام، دأبت شرطة الأخلاق على ممارسة ضغوطا على النساء للتستر و "اتباع البروتوكول". هذا العام أيضا، سرت شائعات بأن الأيام التي ستشهد ارتفاعا كبيرا في الحرارة قد تعني تطبيقا أكثر صرامة لهذا البروتوكول.
لكن أخصائية صحة أسنان تبلغ من العمر 26 عاما أكدت أن هذه الشائعات لا تخيفها.
وأضافت للمشارق "النظام يريدنا خائفات". "لم نستسلم للخوف منذ شهور؛ ولسنا على وشك البدء الآن".
ومنذ بدء الاحتجاجات، أكد المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي في عدة خطابات أن حكم حجاب المرأة غير قابل للتفاوض، على الرغم من أن لهجته لم تكن صارمة كما توقع العديد من المراقبين.
وفي 19 نيسان/أبريل، قال رئيس البرلمان الإيراني (المجلس)، محمد باقر غاليباف، إن على السلطات "وضع خطة" لمكافحة هذا التمرد.
’لا حجاب، لا خدمة‘
وبعد سلسلة محاولاتها الفاشلة لكبح جماح ما تصفه بعصيان المرأة وخروجها على القانون، لجأت الحكومة إلى إطلاق التهديدات.
شكلت قوات إنفاذ القانون التي يقودها عموما ضباط سابقون أو حاليون في الحرس الثوري الإيراني أو الباسيج المرتبط به، الرافعة الأساسية للجمهورية الإسلامية لقمع المواطنين.
وخلال فترة توليه منصب قائد شرطة طهران، تعرض مسؤول الباسيج السابق اللواء أحمد رضا رادان للشتم بسبب فرضه الحجاب على النساء وأمره الأطباء الذكور بالتوقف عن ارتداء ربطات العنق، وهو أمر معتاد في المستشفيات الإيرانية.
أقيل رادان من منصبه عام 2014. ومع ذلك، قام خامنئي في كانون الثاني/ يناير بإقالة قائد قوات إنفاذ القانون آنذاك حسين أشتاري، واستبدله برادان في خطوة يُنظر إليها على أنها محاولة يائسة لإعادة فرض حكم إلزامية الحجاب.
حتى الآن، اقتصر رد فعل رادان على الأمر بإغلاق المؤسسات التي لا تلتزم بهذا الحكم.
ففي 25 نيسان/أبريل، أعلنت قوات إنفاذ القانون إغلاق مركز تجاري رئيس والعديد من المؤسسات في طهران، بينها متاجر يملكها مشاهير.
النساء يتشجعن
وقالت امرأة تبلغ من العمر 74 عاما أكدت أنها شاركت عام 1979 في الانتفاضة ضد النظام الملكي الإيراني وتشعر بالندم منذ ذلك الحين، إن الشابات اللواتي خلعن حجابهن بجرأة مدوها بالشجاعة.
وأضافت للمشارق "بصراحة، أكاد أشعر بالحرج عندما أرتدي حجابي".
وفي الأشهر القليلة الماضية، أعلنت قوات إنفاذ القانون مرارا وتكرارا أن الفشل في اتباع حكم إلزامية الحجاب سيعني تعطيل "الخدمات" في المكاتب الحكومية والأماكن العامة مثل مترو الأنفاق.
لكن الرئيس التنفيذي لمترو طهران، مسعود دوروستي، قال في 9 نيسان/أبريل، إنه لم يتلق إشعارا أو مذكرة بشأن حجاب النساء أو بشأن عدم السماح لمن لا يرتدين "حجابا لائقا" بدخول مترو الأنفاق.
ويعتقد الكثيرون أن النساء قد تلتزمن بقواعد اللباس المفروضة في المكاتب الحكومية الرسمية، لكنهن سيخلعن الحجاب بمجرد مغادرتهن المبنى.
وقالت مصممة أزياء تبلغ من العمر 53 عاما، "قد نضطر إلى العودة لارتداء الحجاب ولكن فقط لدقائق قليلة نجبر فيها على القيام بذلك".
وأوضحت للمشارق "قد يكون هذا الانتصار انتصارا صغيرا، لكن مغادرة المنزل دون حجاب يجعلني أشعر يوميا بالسعادة. لن نعود الآن إلى الوراء".