سلط تحليل أجري لفيديو نشر على نطاق واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، الضوء على الجهود التي يبذلها الكرملين من أجل محاولة إقناع المتكلمين باللغتين الروسية والعربية بأن الولايات المتحدة تدعم تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
وقد نشر موقع "الربيع الروسي" الذي يديره الكرملين، فيديو على موقع يوتيوب في 6 أيلول/سبتمبر يزعم بإظهار مسلح من داعش في سوريا يقر بدعم الولايات المتحدة للتنظيم.
ولكن مجموعة من التفاصيل ولدت شكوكا جدية بشأن صحة هذه الاعترفات.
ويظهر الفيديو الذي يمتد على فترة ثماني دقائق، رجلا مكبل اليدين ومعصوب العينين يركع أمام مجموعة من الأفراد الذين لا يظهرون أمام الكاميرا.
ويجري "المقابلة" رجل بزي عسكري يتكلم العربية بلهجة سورية، متوجها إلى العنصر المزعوم في تنظيم داعش المدعو صهيب عزالدين الزعبي (المعروف أيضا باسم أبو عمر الحوراني) وأصله من دير البخت، وهو أيضا يتكلم بلهجة سورية.
وثمة فرق كبير بين اللغة العربية المحكية والترجمة الروسية التي وفرها موقع "الربيع الروسي". فالترجمة لا تسيء تفسير الأجوبة فحسب، بل تخفي أيضا التوجيهات الواضحة المعطاة في الفيديو.
فيبدأ مجري المقابلة بسلسلة من الأسئلة البسيطة مثل "ما اسمك؟"، "ما اسمك الحركي"، "من أين أنت؟". وهي أسئلة أجاب عليها الأسير بصوت منخفض قبل أن يكررها مجري المقابلة.
وكرر المقابل سؤاله الرابع "لأي مجموعة انت تابع للتنظيم؟" عدة مرات وبطرق عدة، إذ بدا أن الأسير لم يفهم ولم يعرف كيفية الإجابة.
وقال الزعبي في البداية "كنت في الدولة الإسلامية". وأجاب مجري المقابلة "نعم، الدولة الإسلامية. ولكن أي تنظيم تحديدا؟ من كان زعيم تنظيمك؟ من كان أمير تنظيمك؟"
وأجاب الأسير "كنا في الحجر [الأسود]"، فكرر مجري المقابلة "ولكن من كان زعيمك في الحجر الأسود؟"
بقي الأسير صامتا، فقال مجري المقابلة فاقدا صبره "ما بك؟ من زعيم جماعتك الحالية، من هو أمير المجموعة؟"
فذكر الزعبي "العراقي [أبو] بكر البغدادي"، مشيرا إلى زعيم داعش.
وكرر مجري المقابلة مجددا "من هو زعيم المجموعة الحالية؟ المجموعة التي كنت فيها عندما ألقينا القبض عليك؟"
فقام شخص لم يظهر أمام الكاميرا بإعطاء الجواب للزعبي الذي بدا في النهاية يوفر الجواب الذي يطلبه مجري المقابلة.
"القائد الميداني لقسم الحجر الأسود هو أبو أيوب العراقي"، وقد ترجم هذا الاسم كـ "أبو بكر العراقي".
واضاف "تضم الجماعة في [صحراء السويداء] نحو 1500 مقاتل وعدد المقاتلين في قسمي بلغ 250 عنصرا. وكان الأميركان يزودوننا بالأسلحة".
يُذكر أن الأسئلة والأجوبة المكرّرة في هذه الفقرة لم تظهر في النص الروسي.
إعطاء التوجيهات للأسير
وفي المجموعة الثانية من الأسلحة، سأل مجري المقابلة الأسير عن هجوم داعش الأخير على السويداء.
فقال "ما المهمة التي نفذتها خلال الهجوم؟"
وأجاب الزعبي "كانت مجموعتنا مؤلفة من انتحاريين. كان يفترض بنا تنفيذ هجمات من داخل وخارج السويداء في وقت متزامن. أرسلت مجموعة باتجاه إدلب لتصوير فيديو استفزازي عن هجمات كيميائية ليتم إلقاء اللوم على الجيش العربي السوري".
وتشكل هذه الإجابة فكرة يستخدمها الكرملين بصورة متكررة لتجنب اللوم على الهجمات الكيميائية التي نفذها النظام على الشعب السوري.
يُذكر أن السويداء التي تقع جنوبي شرقي سوريا بالقرب من الحدود الأردنية، تبعد أكثر من 400 كيلومتر عن إدلب، علما أن هذه الأخيرة تقع شمالي شرقي سوريا بالقرب من الحدود مع تركيا.
ومن الأمثلة الأخرى حيث تختلف الترجمة الروسية عن الكلام المحكي بالعربية، ما سأله مجري المقابلة للزعبي عن مكان تدريبه.
وأجاب هذا الأخير بالعربية "داعش دربتني في مخيم الركبان للاجئين".
أما الترجمة الروسية، فجاءت كالتالي: "دربني الأميركان في صفوف داعش في مخيم الركبان للاجئين".
وإلى جانب هذه الفروقات والتوجيهات الواضحة المعطاة خلف الكاميرا، يبدو الأسير الذي أقر بانضمامه إلى داعش لأسباب مادية، في حالة من التوتر وبقي يتمتم خلال معظم أجزاء المقابلة.
مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي يسخرون من الفيديو
وشكك العديد من المتكلمون الروس والعرب في صحة الفيديو، وتحدثوا عبر مختلف مواقع التواصل الاجتماعي للإشارة إلى الفروقات المذكورة.
وعلى يوتيوب، نشر العديد من المتكلمين الروس تعليقات استهزائية.
وعلّق أبو بوبلك قائلا "أي نوع من الإنتاج المسرحي هذا؟ في الدقيقة 1.1، طرح الجندي سؤالا وأخبر السجين بالاسم الواجب إعطاءه".
أما فوفا كوبيكين، فكتب "التصوير متواصل في أوستانكينو... [استديو تصوير التلفزيون الروسي الرسمي]".
وأضاف أحمد حسن "هذا مخصص فقط للجمهور [المتكلم باللغة] الروسية، والذي لا يفهم ما يجري وراء الكاميرا، وكيف أن [شخصا ما] يقول [للسجين] ما يجب قوله باللغة العربية".
وفي السياق نفسه، قال راميل غايفولين "نصف الترجمة غير صحيح. لن أتفاجأ إذا علمت أن هذا [الفيديو] منظم ومخطط له".
وذكرت بريستسيلا تبكي "لا يبدو هذا الفيديو صحيحا على الإطلاق. كيف يا ترى يعلم من زوده بالطعام والسلاح؟ هل يحضرون الطعام إلى المعسكر على متن شاحنات أميركية؟... هذه دعاية فاضحة".
وكانت ردة فعل المشاهدين العرب مشابهة.
فقال محمد سو على فيسبوك "تمثيل فاشل، شبيحة جحيش [في إشارة إلى الموالين للحكومة السورية]. الروس الخنازير تعلموا الكذب من النظام وكتروا".
أما خالد ألسا، فقال إن "ما قال بشو عم يغسلولو دماغو. نسي محقق يقلو برسيل أو آريال"، مشيرا إلى أدوات التنظيف المنزلية.
ومن جهته، علّق أبو الوليد ألبوكمالي على المنشور نفسه على فيسبوك قائلا "العمى كذبة ثلاثية الأبعاد. داعشي تم تدريبه في مخيم الركبان ويعرف شو عم يخططو [الجيش السوري] الحر والجبهة في إدلب. يا لطيف".
تاريخ من الدعايات والبروبغندا
يمكن اعتبار محاولة روسيا الأخيرة لتشويه سمعة الولايات المتحدة، وسيلة لتحويل الانتباه عن استخدام النظام السوري للأسلحة الكيميائية وجرائم الحرب الأخرى المرتكبة ضد المدنيين.
وفي 11 أيلول/سبتمبر، ادعى الكرملين أن عناصر المعارضة السورية في إدلب المحاصرة، بدأوا يعملون على إنتاج فيلم سيظهر للعالم آثار هجوم كيميائي مزعوم نفذه النظام السوري، حسبما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية.
واستخدمت روسيا خبرا مماثلا في أعقاب الهجوم الكيميائي الذي نفذه النظام السوري بدوما في نيسان/أبريل، والذي أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 40 مدنيا ونقل أكثر من 500 آخرين إلى المستشفى.
وبحسب المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية إيغور كوناشنكوف، فقد ضغطت بريطانيا على "الخوذ البيضاء" للتظاهر بوقوع الهجوم الكيميائي.
ووصفت السفيرة البريطانية إلى الأمم المتحدة كارن بيرس تعليقات كوناشنكوف بأنها "كذبة فاضحة" و"بشعة"، قائلة إن هذه المزاعم هي منتج من "الآلية الدعائية الروسية".
وهددت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا في 21 آب/أغسطس بالرد في حال استخدم الرئيس السوري بشار الأسد الأسلحة الكيميائية في هجوم النظام لاستعادة محافظة إدلب.
وقالت "نشدد مخاوفنا من احتمال استخدام الأسلحة الكيميائية مجددا وبصورة غير شرعية".
وفي هذا الإطار، قال جون بولتون مستشار الأمن القومي في الولايات المتحدة، "لتكون الأمور واضحة، في حال استخدم النظام السوري الأسلحة الكيميائية، فسيكون ردنا قويا ولا بد أن يفكر في ذلك مطولا قبل اتخاذ أي قرار".