قال محللون في حديث لديارنا إنه في ظل احتدام الحرب في سوريا، يشترك النظام وحلفاؤه، بما في ذلك الحرس الثوري الإسلامي الإيراني وحزب الله اللبناني، في وضع استراتيجية محددة لتمهيد الطريق لمستقبل البلاد.
وأشاروا إلى أن هذه الاستراتيجية تركّز على إثارة تغيير ديموغرافي في المناطق المحيطة بمعاقل النظام من أجل إنشاء منطقة عازلة للسكان المؤيدين للنظام وإخراج عناصر المعارضة.
وتصف مصادر النظام والجهات المتحالفة معه هذه المناطقة بـ "سوريا المفيدة".
وذكر المحللون أن هذه السياسة تُطبق في أنحاء مختلفة من سوريا وبطرق متعددة، وتشمل تقديم إغراءات مالية للسكان السنة ليتخلوا عن أملاكهم ومصادرة منازل وأراضي النازحين.
ولفتوا إلى أن سكان المناطق الاستراتيجية حول المراكز المدنية مثل دمشق وحمص يُجبرون على المغادرة جراء حصارات أو اعتداءات تستهدفهم.
ʼسوريا المفيدةʻ
في هذا السياق، قال المحلل الاستراتيجي اللواء المتقاعد في الجيش المصري يحيى محمد علي، إنه "من خلال مراقبة سير المعارك الجارية في سوريا يُلاحظ بوضوح تنفيذ مخطط واضح لإفراغ بعض المناطق من ساكنيها".
وأوضح لديارنا أن ذلك يجري بهدف تأمين "حزام أمني يحمي المناطق التي يسيطر عليها النظام بشكل كامل".
وقال علي إنه في مدينة حمص على سبيل المثال، سيطر النظام وحلفاؤه على حي باب عمرو وباب تدمر وباب السباع وجب الجندلي والرفاعي والنازحين وكرم الزيتون والعدوية والمريجة.
وأشار إلى أنه تمت مهاجمة هذه المناطق "بقصف عنيف وعشوائي تلاه اقتحام المنازل".
وأضاف أن عدداً من المدن والقرى في المنطقة الساحلية، منها قرى جبل الأكراد كقريتي الجنكيل وبابنا، شهدت أعمالاً مماثلة كتلك التي نُفذت في بعض الأحياء السنية بمدينة اللاذقية التي تعد معقلاً أساسياً للنظام.
وذكر علي أن السيناريو نفسه تكرر في مناطق محيطة بالعاصمة السورية، بما في ذلك القلمون والغوطة وبيبلا ويلدا وأحياء برزة والقدم في دمشق.
وتابع "أما الأهم فهو ما حصل في مدينة داريا حيث تم تقليص عدد السكان إلى الحد الأدنى من خلال الحصار الخانق الذي استمر لأربع سنوات".
وأضاف أنه تم السماح للسكان الباقين والذي لم يتجاوز عددهم العشرة آلاف مواطن، "بالمغادرة نهائياً".
الاستيلاء على الممتلكات
من جهته، قال المحامي السوري بشير البسام المقيم في القاهرة، إن مجموعة من المحامين التابعين للنظام قاموا "بتزوير توكيلات لمعتقلين موجودين في السجون السورية وباعوا الأملاك إلى طرف ثانٍ في عمليات بيع متتالية تصعّب العودة إلى عملية البيع [الأساسية]".
وأوضح لديارنا أن ذلك يصعّب عودة الضحايا إلى القضاء للطعن بهذه التوكيلات.
وقال إن هذه الظاهرة اتخذت في البداية شكل قضايا فردية اعتُبرت في البداية عمليات نصب منفردة، مضيفاً "إلا أنه تم رصد أكثر من 150 حالة مشابهة في ما بعد".
وذكر أن أكثر من 50 من هذه الحالات شملت ممتلكات في ضاحية قدسيا في دمشق، وقد بيعت هذه الممتلكات لشركة قابضة تابعة للنظام.
ولفت إلى أن "عمليات البيع هذه لا تطال إلا منازل وأملاك أبناء الطائفة السنية لإفراغهم من المنطقة نهائياً".
وأشارت تقارير صدرت عن وسائل إعلام سورية وعالمية إلى تورط إيران المباشر في عملية إعادة التوزيع الديموغرافي، وذلك من خلال شركات إيرانية ورجال أعمال ايرانيين يعملون مع شركات سورية مقربة من النظام.
وأشار البسام إلى أن أبناء عمه كانوا من سكان حي برزة بدمشق، وتعرضوا لمضايقات مستمرة إلى أن تركوا المنطقة متجهين إلى تركيا.
وقال إنه بعد وصولهم إلى تركيا، بدأوا يتلقون عروضاً للبيع وأُجبروا على الموافقة على ذلك بسبب الضغوط المادية التي يرزحون تحتها.
وذكر أنه علم لاحقاً أن الكثير من السوريين الآخرين الهاربين من مناطقهم واجهوا الوضع نفسه.
ولفت إلى أن "هذه العمليات لا تنكشف إلا بعد أن يتم الإعلان عن اعتبار المنطقة تابعة لإحدى الشركات العقارية التي ستقوم بالهدم [هدم البنى الموجودة أصلاً] وإعادة بناء مجمعات سكنية كبيرة مكانها".
تنسيق بين النظام والحرس الثوري الإيرني
وأكد البسام أنه تحدث إلى شهود عيان قالوا له إن مشاريع الإعمار التي تنفذ في الغوطة والقلمون ليست مشاريع عسكرية، بل هي مشاريع مدنية تجارية وسكنية.
ولفت إلى أن بعض المباني التي تم تشييدها حديثاً، استُخدم لإسكان سوريين شيعة وعلويين وأعضاء لبنانيين من حزب الله.
وأضاف أن "مشروع تهجير المناطق السورية من أبناء الطائفة السنية يتم بتنسيق تام بين قوات النظام وقوات الحرس الثوري الإيراني".
وأكد أن هذه القوات "تمهد الطريق أمام مجموعة من رجال الأعمال من إيران وسوريا، والهدف الأساسي يكمن في إقامة شريط سكاني محيط بالمناطق ذات الأغلبية العلوية والتي يسيطر عليها النظام الحاكم في دمشق".
وشرح أن هذه المناطق تشكل معاً ما يُشار إليه بتسمية "سوريا المفيدة" لحماية وضمان بقاء النظام.
بدوره، قال الصحافي السوري محمد العبدالله لديارنا، إن عملية إعادة التوزيع الديموغرافي السرية تجري في مناطق أخرى لضمان أمنها.
وأوضح أنه تم تفريغ مناطق معينة من المواطنين السنة لأسباب عديدة لا علاقة لها بالمعارك، بما في ذلك سحب الأهالي والمقاتلين من المناطق المحاصرة وتقديم إغراءات لبيع الأراضي والأملاك.
تفكيك النسيج الاجتماعي
وفي أيلول/سبتمبر 2012، أصدر الرئيس السوري بشار الأسد مرسوماً وافق فيه على إنشاء منطقتي تخطيط عمراني حضاري ضمن محافظة دمشق، وذلك وفق تقرير نشرته "نامة شام"، وهي مجموعة ناشطين تركز على الكشف عن دور النظام الإيراني في سوريا.
وأشار التقرير إلى أنه تم طرح ذلك في إطار "خطة عامة لمدينة دمشق لتطوير مناطق الإسكان غير المصرح به"، وقد ركّزت هذه الخطة على المناطق الواقعة جنوبي شرقي المزة وجنوب الطريق العام الجنوبي.
وجاء في التقرير أن "المرسوم منع الإتجار بأي ملكية ضمن هذه المناطق أو المصادقة على أي مشاريع إعمار جديدة. وطالب مجلس المدينة بوضع لائحة تضم كل أصحاب الأملاك في تلك المناطق في غضون شهر، وطلب من جميع أصحاب الأملاك في المنطقة بالإعلان عن كونهم يملكون تلك الأملاك، كما أعطاهم خيار بيع أسهمهم في الملكية. واعتُبرت قرارات ʼلجنة الخبراءʻ التي شُكلت بموجب المرسوم ʼنهائية وغير قابلة للطعنʻ".
وأضاف العبدالله أن المرسوم أعطى طابعاً شرعياً لهذه الخطط لإعادة توزيع السكان بطريقة تفيد النظام، لافتاً إلى أن نوايا النظام الحقيقية بدأت تظهر إلى العلن.
وأشار إلى أن التعويضات التي دُفعت لسكان هذه المناطق لم تتجاوز الـ 300 ألف ليرة سورية (ألف دولار)، موضحاً أنه تم إسكان مجموعات وعائلات سورية وإيرانية ولبنانية في هذه المناطق.
وأعلن أن المبادرة هي في الحقيقة كناية عن جهود تُبذل "لتغيير النسيج والتركيبة السكانية للمواطنين عبر تغيير النسب الدينية والطائفية والعرقية الموجودة أصلاً بشكل مباشر".
وذكر أن مثل هذه الخطط لها نتائج خطيرة طويلة الأمد قد تؤدي إلى صراعات متجددة تهدف إلى إخراج الوافدين الجدد الذين حلوا محل من تم تطهيرهم من هذه الأراضي.