على أثر التظاهرات الشعبية التي جرت في إيران عقب وفاة الشابة مهسا أميني البالغة من العمر 22 سنة قيد الاحتجاز على يد "شرطة الآداب"، أوقف النظام الإيراني مؤقتا مهام القوة المتطرفة المنتشرة في الشوارع.
وقال العديد من الإيرانيين إن شوارع البلاد، ولا سيما في المدن الكبرى، باتت مختلفة تماما ذلك أن عددا كبيرا من النساء وبغالبيتهن شابات يغادرن منازلهن بدون حجاب كل يوم.
ولكن النظام أعلن في منتصف شهر تموز/يوليو عودة قوة الشرطة التي يهابها الناس لفرض اللباس والحجاب الإلزاميين.
ويتعامل النظام بحذر مع هذا الموضوع مع إعادة عناصر القوة تدريجيا إلى الشوارع، متخوفا كما هو واضح من تظاهرات إضافية.
وخلال حملة قمع التظاهرات التي ركزت على حقوق وحريات المرأة وكانت بقيادة نساء بشكل أساسي، قتلت القوات الأمنية التابعة للنظام أكثر من 500 متظاهر واعتقلت نحو 20 ألف مواطن.
كذلك، عطلت الحكومة خدمات الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات التراسل وواصلت تطبيق القيود حتى بعد توقف التظاهرات في مطلع العام الجاري.
وفي مناسبات عدة، ناقض مسؤولون بالنظام بعضهم البعض منذ أن تم الإعلان عن قرار إعادة شرطة الآداب إلى الشوارع.
ومع ظهور عناصر هذه القوة مجددا في بعض شوارع إيران في أواخر تموز/يوليو، قال عضو بالمجلس (البرلمان الإيراني) لم يكشف عن اسمه إن تواجد القوة "يهدف فقط إلى إقناع الشعب بالالتزام باللباس المفروض من الدولة".
ويعني ذلك ضمنيا أن شرطة الآداب لن تستخدم أساليب قاسية لقمع من تعتبرهم "منتهكين" للقوانين.
وفي هذه الأثناء، أشارت معلومات إلى أن رئيس السلطة القضائية المتشدد غلام حسين محسني إجئي اقترح تعيين قضاء خاصين لإجراء المحاكمات في القضايا المتعلقة بالأفراد الذين انتهكوا اللباس الإلزامي.
تحويل اللوم
ووسط انتقادات واسعة لهذا القرار، حوّلت قطاعات وشخصيات عدة ضمن النظام اللوم ونفت أي دور لها في اتخاذه.
وقالت وسائل الإعلام التابعة للحرس الثوري الإيراني ومنها وكالة تسنيم إن القرار جاء من الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي، غير أن إدارة رئيسي نفت ذلك.
ونقلت وسائل الإعلام الإيراني على لسان نائبة الرئيس لشؤون النساء والعائلة أنسیه خزعلي قولها إن القرار صدر عن قوات إنفاذ القانون، وليس عن الحكومة.
وتابعت خزعلي أنها "لم تسمع عن أي أمر شبيه صادر عن الرئيس".
ولكن في 20 تموز/يوليو، نقلت الصحيفة اليومية الإيرانية اعتماد عن "مسؤول كبير في قوات إنفاذ القانون قوله إنه يستحيل أن تتخذ هذه القوات أي قرار من تلقاء نفسها.
وذكر المسؤول أن "مبادرة إعادة قوات شرطة الآداب إلى الشوارع جاءت بأمر مباشر من الرئيس [رئيسي] بصفته نائب القائد العام ومدير مجلس الأمن القومي الأعلى".
كذلك، نقلت صحيفة اعتماد عن مسؤول لم يذكر اسمه أنه "من الواضح أن السادة [المسؤولين في الحكومة] يلقون الكرة في ملعب قوات إنفاذ القانون لحماية أنفسهم من أي ضرر محتمل".
وأشار العديد من المحللين إلى أن رئيسي وإدارته نأوا بأنفسهم عن قرار فرض الحجاب الإلزامي في ظل اقتراب موسم الانتخابات.
مسميات مرتبطة بالصحة النفسية
وواصلت كثيرات من الشخصيات النسائية الشهيرة مغادرة منازلهن والمشاركة في الفعاليات وإلقاء خطابات بدون حجاب.
وفي منتصف تموز/يوليو، أعلنت الممثلة المعروفة أفسانه بايغان اعتزالها التمثيل كونها ترفض الالتزام بقرار فرض الحجاب.
ورفضت أيضا الممثلتان الشهيرتان أزاده صمدي وليلى بلوكات إتباع هذا الأمر.
وترتدي النساء الثلاثة القبعات عوضا عن الحجاب، كما يحصل في الأفلام والمسلسلات التلفزيونية بدون رقابة من النظام.
ولكن القضاء أصدر أحكاما استثنائية بحق النساء الثلاثة.
وتم منعهن من التمثيل ومغادرة البلاد والتفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي. وصدر بحق بيغان حكم بالسجن لعامين مع وقف التنفيذ.
وأمرت المحكمة كل من بيغان وصمدي بالمشاركة بجلسات إرشاد دورية في مركز رسمي للصحة النفسية، قائلة إنهما تعانيان من "اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع".
وقال مراقبون إن هذا الحكم غير المسبوق يعكس جهود النظام اليائسة للتحكم بالسردية في هذا الملف.
وفي أعقاب جلسات الإرشاد التي أمرت بها المحكمة، أصدرت 4 جمعيات مختصة بالصحة النفسية بيانا مشتركة انتقدت فيه هذا الأمر.
وضمن النقاط العديدة التي تضمنها البيان، لفتت إلى أن تعريف المحكمة بما وصفته على أنها حالة نفسية غير مقنع وغير منطقي وغير علمي.
وأضافت الجمعيات أن مثل هذه التشخيصات يجب أن تتم على يد أطباء علم نفس وليس على يد قضاة.
وانتقد البيان أيضا استخدام "مسميات" مرتبطة بالصحة النفسية.
وفي هذا السياق، أعلن عدة مشاهير من الذكور عن تضامنهم مع زميلاتهم وسط رفض الحجاب الإلزامي.
ومن بين هؤلاء بجمان بازغي وهو ممثل معروف ومخرج في جمعية الممثلين الإيرانيين وعبّر علنا عن دعمه للممثلات.
وإلى جانب المشاهير، استنكرت شخصيات معروفة أخرى الحجاب المفروض من النظام.
ومنذ بداية التظاهرات الأخيرة، ينتقد عبد الحميد اسماعيل زاهي، وهو رجل دين سني يؤدي صلاة الجمعة في مدينة زاهدان ذات الغالبية السنية، أساليب النظام القمعية خلال خطبه الأسبوعية.
وقامت الحكومة بشكل دوري بتعطيل اتصال الإنترنت بشكل تام في زاهدان كل يوم جمعة.
وإحدى النقاط التي يكررها اسماعيل زاهي ويعرف أيضا باسم مولوي عبد الحميد في خطبه، هي عدم جدوى فرض الحجاب واستخدام الأساليب المتشددة لتنفيذ ذلك.