بيجين -- في قرية ناغو الصغيرة بمقاطعة يوننان الواقعة في جبال جنوب غربي الصين، يحتج المسلمون المحليون على خطة الحكومة لهدم أجزاء من مسجدهم.
ومسجد ناجياينغ هو فخر لأقلية هوي العرقية المسلمة التي تعيش في المدينة.
وتم بناء المسجد في الأصل عام 1370، وقد تم توسيعه عدة مرات. وفي عام 2001، شيد العمال مبنى مسجد جديدا. يتكون المبنى الأبيض الشاهق من خمسة طوابق وقاعة تشغل مساحة 10 آلاف متر مربع، وأربعة مآذن يزيد ارتفاعها عن 72 مترا، وقبة خضراء.
واليوم دخل المسجد كهدف في حملة "الصيننة" التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ.
"قام [الحزب الشيوعي الصيني) بإغلاق أو هدم أو إعادة تصميم المساجد بشكل منهجي في جيوب هوي في جميع أنحاء البلاد، وأدان السمات المعمارية العربية مثل القبب والمآذن، كدليل على التأثير الأجنبي غير المرغوب فيه على الإسلام في الصين"، حسبما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز في 8 حزيران/يونيو.
ويعد مسجد ناجياينغ والمسجد الكبير في شاديان، الذي يقع أيضا في يونان، من بين آخر المساجد الكبرى التي تتميز بفن العمارة هذا وما زالت قائمة في الصين.
وسعت الصين إلى إحكام السيطرة على الدين منذ وصول شي إلى السلطة قبل عقد من الزمن، وفي حملتها على المسلمين، تزعم بيجين أنها تعمل على مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف.
فقد تم احتجاز ما يقدر بمليون من أبناء الأويغور وهوي والأقليات المسلمة الأخرى في منطقة شينجيانغ الغربية منذ عام 2017، وذلك في إطار حملة حكومية وصفها المجتمع الدولي بأنها إبادة جماعية.
وأفادت التقارير والتحقيقات والبلاغات بالتفصيل عن تفشي التعذيب والاحتجاز التعسفي وانتهاكات الحقوق الدينية والإنجابية للمسلمين.
وتشمل الاتهامات السخرة والتعقيم الإجباريو الاغتصاب الممنهج وتدمير المواقع الثقافية والإسلامية للأويغور.
المقاومة
وفي حين أن التأثير على المجتمعات خارج شينجيانغ كان أقل، فقد شهد الكثيرون هدم مساجدهم أو "تجديدها قسرا" لتتناسب مع المفاهيم الرسمية للجمال الصيني، كما قال ديفيد ستروب، الباحث في شؤون هوي بجامعة مانشستر في إنجلترا.
وذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن حملة "الصيننة" التي أطلقها الحزب الشيوعي الصيني وصلت إلى ناجو في عام 2021.
وأضافت أن "المسؤولين الحكوميين بدأوا في زيارة المنازل يوميا في بعض الأحيان، لإقناع السكان بدعم تغيير هندسة المسجد". "وتظهر لوحة إعلانات في المدينة عرضا لخطة الحكومة: القبة اختفت، والمآذن مزينة بطبقات تشبه الهيكل متعدد الأدوار (الباغودا)".
وبُذلت أيضا جهود مماثلة في شاديان. وقد طرق المسؤولون المنازل من باب لآخر لحشد الدعم لخطتهم، ورفعت لافتة حمراء كبيرة أمام المسجد الكبير الذي بني على غرار المسجد النبوي في المدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية، كُتب عليها "تمسك بصيننة الإسلام".
وفي حديثه لصحيفة نيويورك تايمز، قال الباحث في الصين والإسلام بجامعة هارفارد، رسلان يوسوبوف، "بسبب الأهمية المطلقة التي تحتلها هذه الأماكن في خيال" المسلمين المحليين، "اضطروا إلى ترك هذين المسجدين حتى النهاية".
لكن السكان يقاومون.
ففي صباح يوم 27 أيار/مايو، دخل عمال مع رافعات بناء وسقالات وجرافات إلى منطقة مسجد ناجياينغ في ناجو، يرافقهم نحو 400 عنصر من شرطة مكافحة الشغب، بحسب شهود محليين وفيديو نُشر على الإنترنت.
ويشير إرسال هذا العدد الكبير من رجال الشرطة إلى توقع اندلاع احتجاجات.
وبالفعل، أفادت مجلة الحرية الدينية بيتر وينتر نقلا عن تقارير على وسائل التواصل الاجتماعي أن الآلاف من السكان المحليين قاوموا في اشتباكات عنيفة مع عناصر الشرطة، ما أجبر هؤلاء على التراجع والعودة في اليوم التالي مع المزيد من رجال الأمن المسلحين.
وبحسب بعض المصادر، تم نشر ما يصل إلى 5000 شرطي وجندي في البلدة.
وقال الشاهد إن العشرات من الضباط الذين كانوا يحملون الهراوات ويرتدون دروع مكافحة الشغب تصدوا للحشد الذي كان يقذفهم بأشياء خارج المسجد.
وفي حديثها لوكالة الصحافة الفرنسية يوم 27 أيار/مايو، قالت امرأة من السكان المحليين طلبت عدم الكشف عن هويتها "إنهم يريدون المضي قدما في عمليات الهدم القسري، لذلك ذهب الأهالي لمنعهم".
وأضافت أن "المسجد هو موطن المسلمين مثلنا. إذا حاولوا هدمه، لن نسمح لهم بذلك بكل تأكيد".
وتابعت "المباني هي مجرد مباني، ولا تلحق الضرر بالناس أو المجتمع. لماذا يريدون تدميرها؟".
الخطوط الحمر
وورد في إشعار أصدرته حكومة تونغهاي التي تدير ناغو في 28 أيار/مايو، أنها فتحت تحقيقا في "قضية عطلت بشدة الإدارة والنظام الاجتماعيين".
وأمر الإشعار المتورطين بـ "التوقف فورا عن جميع الأعمال غير القانونية والإجرامية"، متعهدين بـ "معاقبة صارمة" لكل من يرفض تسليم نفسه.
وأكد الإشعار أن الذين يستسلمون طواعية قبل 6 حزيران/يونيو سيعاملون برفق.
وقال شاهدان إن الشرطة قامت بعدد غير محدد من الاعتقالات على خلفية الحادث، وبقي عدة مئات من الجنود في البلدة حتى 30 أيار/مايو.
وأضافا أن سكان المناطق المحيطة بالمسجد عانوا منذ اندلاع الاشتباكات بشكل متقطع من توقف الإنترنت وغيرها من المشاكل في الاتصالات.
وفي اتصال مع وكالة الصحافة الفرنسية في 31 أيار/مايو، نفى مسؤول في قسم الدعاية في تونغهاي انقطاع الإنترنت لكنه رفض الإدلاء بمزيد من التعليقات.
وبعد أسبوع، عندما زارت نيويورك تايمز ناغو، كانت رافعات البناء ما تزال في فناء المسجد. وبقيت الإجراءات الأمنية المشددة، وكانت طائرة مسيرة تحلق فوق المسجد. اقترب ضباط شرطة يرتدون ملابس مدنية من المراسلة وطردوها من المدينة.
وقال السيد نا، أحد سكان هوي في الثلاثينيات من عمره، طالبا عدم ذكر سوى اسمه الأخير خوفا من انتقام الحكومة، إن الهدم أمر لا مفر منه على الأرجح.
لكنه أعرب عن أمله بأن يُسمح للسكان بالاحتفاظ بالحريات الأخرى التي ليسوا مستعدين للتنازل عنها، بينها الحق في نقل دينهم إلى أطفالهم.
وأوضح "إذا كنت لا تستطيع حماية خطوطك الحمر، فسيراك الآخرون كشخص لا خطوط حمر لديه، وسيدوسون عليها مرارا وتكرارا".