في حين تعرضت غالبية الاقتصادات لضربات كبرى جراء جائحة كورونا، من المنتظر أن تتحول الصين إلى أكبر اقتصاد في العالم مع حلول العام 2028 وقبل 5 أعوام مما كان متوقعًا من قبل، حسبما ذكر مركز أبحاث الاقتصاد والأعمال ومقره المملكة المتحدة.
وقد ازدادت حصة الصين من الاقتصاد العالمي من 3.6 في المائة في العام 2000 إلى 17.8 في المائة خلال العام الجاري، وسيصبح البلد "اقتصادا عالي الدخل" بحلول العام 2023، حسبما جاء في التقرير.
وفي ظل ما يعانيه العالم من التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا، ازدادت حصة الصين من السوق العالمية من خلال صناعة التكنولوجيا وبيعها معدات الحماية الشخصية.
وحتى قبل انتشار جائحة كورونا، كانت الصين أكبر مصدّر لمعدات الحماية الشخصية، حيث أنها توفر تقريبا نصف إمدادات العالم من الكمامات وملابس الوقائية والنظارات الواقية، وفق ما ذكره معهد بيترسون للاقتصاد الدولي ومقره في الولايات المتحدة.
وفي أواخر تشرين الأول/أكتوبر، قال بول وانغ المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة "لينك ميد"، وهي من أكبر الشركات الموزعة لمعدات الحماية الشخصية في العالم ومقرها في بكين، لمحطة بوبليك برودكاستنغ سيرفيس الأميركية إن حجم مبيعات شركته هو 10 أضعاف ما كان عليه قبل سنة.
وأوضح أنه "بعد هدوء نسبي خلال موسم الصيف، وبعد أن تم الحد من انتشار الفيروس في أماكن عدة، عادت الطلبات اليوم بقوة".
وتستفيد الصين من مبيعات معدات الحماية الشخصية التي تعزز اقتصادها بسرعة غير مسبوقة. وقد ازدادت صادراتها في تشرين الثاني/نوفمبر بأسرع وتيرة شهدتها البلاد في 3 سنوات تقريبا، مما أكسبها فائضا تجاريا قياسيا.
وفي إشارة إلى بيانات الجمارك الصينية، أوردت وكالة رويترز في 6 كانون الأول/ديسمبر أن إجمالي صادرات الصين ارتفع بنسبة 21.1 في المائة مقارنة بالعام الماضي، وهو ما شكّل أسرع نمو منذ شباط/فبراير 2018. وأضاف التقرير أنها تجاوزت توقعات المحللين بزيادة بنسبة 12 في المائة وانتعشت بعد زيادة بنسبة 11.4 في المائة في تشرين الأول/أكتوبر.
انتهاكات لحقوق الإنسان مقابل أرباح
من المنتظر أن يكون للصين أضخم اقتصاد في العام بحلول العام 2028، ولكن بأي ثمن؟
للاستفادة من الجائحة، بذلت الصين جهودا ضخمة لصنع معدات الحماية الشخصية لسد النقص. وقد تم تسجيل 73 ألف شركة لصنع الكمامات في النصف الأول من العام، بما في ذلك أكثر من 36 ألف شركة جديدة في شهر نيسان/أبريل وحده، مع ارتفاع الأسعار ونسبة الطلب.
وفي إطار هذه الجهود، أجبرت السلطات الصينية الأقليات المسلمة في منطقة شينجيانغ على العمل في معامل صنع معدات الحماية الشخصية، وذلك بحسب تقرير مصور لصحيفة نيويورك تايمز أشير فيه إلى أدلة وجدت في مئات مقاطع الفيديو والصور والوثائق الحكومية.
وأضاف التقرير أنه حتى 30 حزيران/يونيو، عمل في شينجيانغ ذات الغالبية المسلمة 51 معملا لصنع معدات الحماية الشخصية، مقارنة بـ 4 معامل كانت تعمل قبل ظهور الجائحة، علما أن 17 على الأقل من أصل هذه المعامل الـ 51 استخدمت عمالا محليين.
وفي أحد مقاطع الفيديو، أظهرت صحيفة تايمز صورا التقطت بالأقمار الاصطناعية لأماكن سكنية مفصولة للأويغور في أحد المعامل. وذكر التقرير أنه يتوجب على العمال الأويغور حضور برامج تلقين أسبوعية، إضافة إلى دورات لغة الماندرين في المنشآت.
وقال أحد المراسلين إن العمال في هذه المعامل "لا يحضرون طوعا"، وتخصص بكين حصصا قسرية لإجبارهم على الحضور، وهو ما يعتبر عملًا بالسخرة بموجب القانون الدولي.
وبعد أن تم الكشف عن طريقة معاملة المسلمين المسيئة في معامل صنع معدات الحماية الشخصية في الصين في تموز/يوليو الماضي، اتهمت الحكومة البريطانية النظام الصيني بارتكاب "انتهاكات جسيمة وفادحة لحقوق الإنسان" في طريقة معاملته "المقلقة للغاية" للأقليات الإثنية والدينية، ومنها الإثنية الكازاخية والقيرغيزية في شينجيانغ.
وأعلنت وزارة التجارة الأميركية في 20 تموز/يوليو عن إدراج 11 شركة صينية على القائمة السوداء لتورطها في انتهاكات لحقوق الإنسان بحق أقلية الأويغور، مانعة وصول هذه الشركات إلى السلع الأميركية.
وادعت السلطات الصينية بأن عمالة صنع معدات الحماية الشخصية في شينجيانغ هي جزء من "برنامج لتحويل العمال" من شأنه "مساعدة الأهالي المحليين على التخلص من الفقر من خلال فرص العمل وعيش حياة مرضية".
ولكن في الواقع، يأتي البرنامج ضمن مبادرة أطلقتها بكين لإرسال أكثر من مليون مسلم صيني، بينهم أفراد من الإثنية الكازاخية والقيرغيزية، إلى مخيمات التلقين خلال السنوات الماضية.
ويعد "برنامج تحويل العمال" شبيها بمخطط آخر من تصميم بكين.
محاولات لإخفاء مصدر الفيروس
ومنذ ظهور الفيروس، تحاول بكين نشر الشكوك بشأن أصوله.
وعلى سبيل المثال، قالت صحيفة الشعب اليومية الرسمية في منشور على موقع فيسبوك في مطلع تشرين الثاني/نوفمبر، إن "كل الأدلة المتاحة تشير إلى أن فيروس كورونا لم يظهر أولا في مدينة ووهان وسط الصين".
وفي تشرين الثاني/نوفمبر أيضا، سارعت بكين إلى تحريف دراسة نشرت في مجلة طبية إيطالية، للدلالة على افتراض أن فيروس كوفيد-19 قد انتشر في إيطاليا منذ أيلول/سبتمبر 2019، حاذفة بذلك تفاصيل مهمة في استنتاجات الدراسة ومستخدمة مفاهيم علمية ناقصة لتعزيز الشكوك بشأن أصول الجائحة.
والحقيقة هي أن كل الأدلة تشير إلى أن ووهان الصينية كانت مركز الأزمة العالمية.
وفي مطلع العام 2020 ورغم علمها بانتشار وباء قاتل، امتنعت السلطات الصينية عن التطرق للموضوع طوال أسبوع تقريبا، فسمحت للفيروس بالانتشار في ووهان وفي مختلف أنحاء العالم، مع تعمد قمع أو إتلاف الأدلة المرتبطة بالجائحة.
ومنذ بداية الأزمة، حاولت بكين جاهدة تشتيت الانتقادات التي وجهت إليها حول دورها في جائحة فيروس كورونا عبر نشر نظريات المؤامرة، وقد اكتشف دورها في نشر المعلومات المضللة حول الفيروس في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.
وفي إطار هذه الجهود، سعى النظام الصيني بشدة للترويج لـ"أعماله البطولية" في مكافحة جائحة كوفيد-19، رغم دوره في نشر الفيروس وإخفاء دوره في الأزمة.
كذلك، افتتح المتحف الوطني الصيني في آب/أغسطس الماضي معرضا بعنوان "وحدة القوة"، عرضت فيه لوحات ومنحوتات ومخطوطات تعكس ما يصفه النظام بنجاحاته في الاستجابة للأزمة.
ومن جهتها، أسرفت وسائل الإعلام الصينية الرسمية في إظهار أن البلاد تخطت جائحة فيروس كورونا للعالم، في حين نظرت الدول الأخرى إلى هذه الحملة الإعلامية بسخط لا سيما أنها لا تزال تعاني من إجراءات الإغلاق الصارمة لكبح كوفيد-19 الذي نشأ في الصين وانتشر منها.
كذلك، حاولت الصين تعزيز قوتها الناعمة خلال الجائحة، متعهدة بمشاركة لقاحاتها مع الدول النامية ومعتمدة "دبلوماسية اللقاح".