وصلت المحادثات بين لبنان الذي يعيش أسوأ أزمة اقتصادية وصندوق النقد الدولي إلى طريق مسدود، حيث لا يزال القادة يترددون في تطبيق الإصلاحات. وبالتالي ففي ظل عدم وجود خطة إنقاذ حيوية بمليارات الدولارات، فإن الوضع يبدو قاتماً.
فمنذ شهور، يواجه لبنان أسوأ أزماته الاقتصادية منذ الحرب الأهلية، حيث فقد عشرات الآلاف وظائفهم أو جزءًا من رواتبهم فيما تسبب نقص الدولار الذي زاد من حدة الوضع في حدوث تضخم متسارع.
بعد أن تخلفت الدولة للمرة الأولى عن سداد ديونها السيادية في شهر آذار/مارس، تعهدت الحكومة بإصلاحات وبدأت في شهر أيار/مايو محادثات مع صندوق النقد الدولي من أجل الحصول على تمويل بعدة مليارات من الدولارات على شكل مساعدات.
ولكن بعد محادثات استمرت 16 جلسة توقفت المفاوضات.
وقال عضو في فريق التفاوض اللبناني، اشترط عدم الكشف عن اسمه، إن "صندوق النقد الدولي غادر طاولة المفاوضات وتوقفت المفاوضات".
ويوضح مصدر آخر مطلع على سير التفاوض "لم يلمس ممثلو الصندوق جدية من الوفد اللبناني"، لجهة الإصلاح.
وقالوا "تصارع كل جهة (لبنانية) من أجل مصلحتها الخاصة بينما تترك البلد يحترق"، وفق ما تابع.
من جهتها قالت ميشيل باشلي، مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، الجمعة أن الأزمة الاقتصادية في لبنان "تخرج بسرعة عن السيطرة".
ودعت إلى إجراء إصلاحات داخلية عاجلة مقرونة بدعم دولي لتفادي المزيد من الفوضى.
’ساعدونا لنساعدكم‘
منذ شهر تشرين الأول/أكتوبر، أثارت الاضطرابات المتزايدة احتجاجات حاشدة تطالب بإزالة الطبقة السياسية بالجملة التي تعتبر غير كفؤة وفاسدة.
وقد أدت الأزمة إلى ارتفاع نسبة الفقر إلى ما يقرب من 50 بالمائة والبطالة إلى 35 بالمائة.
في الأيام الأخيرة، بلغت قيمة الدولاؤ الأمريكي أكثر من 9000 ليرة لبنانية في السوق السوداء.
وكانت الحكومة قد تعهدت في شهر آذار/مارس بإصلاحات طالب بها المانحون الدوليون منذ فترة طويلة، بما في ذلك تخفيضات في الميزانية وزيادة الضرائب وإصلاح قطاع الكهرباء، ولكن لم يتحقق من ذلك سوى القليل.
في هذا الإطار صرح مصدر غربي أن الاجتماع الأخير "كان سيئا للغاية" وانتهى بدعوة مفاوضي صندوق النقد الدولي لممثلي لبنان "التوقف عن أخذهم في جولة".
كما اتهم عضوان رئيسيان في فريق التفاوض اللبناني الذي استقال الشهر الماضي الحكومة بعدم إبداء أي التزام واضح بالإصلاح.
وقال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان يوم الأربعاء إنه "قلق للغاية".
وحث اللبنانيين قائلا "ساعدونا على مساعدتكم".
من جهته يرى المحلل ناصر ياسين أن الطبقة السائدة تفتقر إلى الإرادة السياسية.
وقال يفضل الزعماء أن "يبقى وضع البلد مترنحاً من دون أن ينهار لضمان عدم خسارتهم كل شيء".
ويعني تحقيق الاصلاحات، وفق ياسين، "تجريدهم من الكثير من أدوات عملهم وسلطتهم واستحواذهم على الدولة والاقتصاد والمجتمع عبر شبكات تابعة لهم وعبر تغذية المحسوبيات والزبائنية".
’المسؤولون في حالة إنكار‘
ومن بين مطالب صندوق النقد الدولي أن يقوم لبنان بتدقيق مصرفه المركزي وإصدار ضوابط رسمية على رأس المال لتحل محل السحب غير الرسمي والحد الأقصى للتحويلات التي تفرضها البنوك منذ الخريف.
كما طلب من الدولة تعويم عملتها حتى يتمكن اللبنانيون من اتباع سعر صرف واحد.
ومما زاد من تعقيد الأمور، جاءت محادثات صندوق النقد الدولي وسط تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة و حزب الله، الذي يعتبر فاعلا سياسيا رئيسيا في لبنان.
وقال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو هذا الأسبوع "حزب الله منظمة إرهابية ونحن داعمون للبنان طالما أنهم يقومون بالإصلاحات الصحيحة وأنهم ليسوا دولة وكيلة لإيران".
كما صرح المصدر الغربي مؤكدا "لا أرى أي بديل للمساعدة من صندوق النقد الدولي. البلاد تنهار وكذلك الليرة اللبنانية في حين يظل المسؤولون في حالة إنكار".
أما الحكومة اللبنانية فقد أعلنت أنها بحاجة إلى 20 مليار دولار من التمويل الخارجي، وهو تقدير يتضمن حزمة مساعدات بقيمة 11 مليار دولار تعهدت بها الجهات المانحة في مؤتمر باريس في 2018.
لكن المصدر الغربي قال إنه بدون تذخل من صندوق النقد الدولي لإنقاذ الاقتصاد، فمن غير المرجح أن يضخ المانحون الأموال إلى لبنان، مشيرا إلى أن "اتفاقية صندوق النقد الدولي ستساعد في تصحيح سمعة لبنان".
ووافق المصدر اللبناني على أن مساعدة صندوق النقد الدولي سيساعد لبنان على تجنب الأسوأ.
وأضاف "مع ارتفاع سعر الصرف الذي قد يصل إلى 25 ألف وربما 50 ألف ليرة لبنانية للدولار وتزايد التضخم يوما بعد يوم، سيجعل هذا الوضع لبنان يغرق في الجحيم بدون مساعدة صندوق النقد الدولي".
محمد العرابيد
الرد1 تعليق