بعد سنوات تحت وطأة حصار النظام السوري، تستطيع أم سامر أخيرا تحضير الإفطار مجددا يوميا لعائلتها. ولكن الحرب أعطت الشهر المبارك طابعا مريرا.
جالسة بالقرب من موقد صغير في الكوخ الذي بات منزلها في شمالي غربي سوريا، عملت المرأة التي تبلغ من العمر 51 عاما وأصلها من الغوطة الشرقية، على تقطيع الباذنجان لتقديمه في وجبه الإفطار المسائية.
وفي إشارة إلى بلدتها زملكا الواقعة في الغوطة الشرقية، قالت أم سامر "صحيح الطعام متوفر هنا، لكن الغربة صعبة علينا".
فهربت أم سامر مع زوجها وأولادها الخمسة، واثنين منهما من ذوي الاحتياجات الخاصة، من الغوطة الشرقية قبل شهرين عند سقوط المنطقة بيد النظام واستقروا بالقرب من مدينة معرة مصرين في محافظة إدلب.
ويشكل الحصار جزءا كبيرا من ذكرياتهم المرتبطة بحياتهم في الغوطة. فخلال خمس سنوات من حصار محكم فرضته قوات النظام، عانى السكان من نقص في الأدوية، مع ارتفاع معدل سوء التغذية بين الأطفال في ظل نقص المواد الغذائية ذات الأسعار المعقولة.
وكل يوم، بذلت أم سامر جهدها لتغذية أولادها بالفجل والبقدونس والسبانخ.
وعند الإمكان، كانوا يتناولون كميات صغيرة من البرغل أو خبز الشعير، مما كان يتسبب عادة بألم في معدتهم.
ومع حلول شهر رمضان المبارك، كانت العائلة تلتزم بفترة الصوم كملايين المسلمين الآخرين حول العالم.
ولكن عوضا عن إنهاء فترة الصوم عند غروب الشمس بإفطار متعدد الوجبات والحلويات، كانت تجتمع عائلة أم سامر حول مائدة الطعام الفقيرة نفسها.
وتذكرت قائلة "كنا نأكل كل شيء بالملعقة لعدم توفر الخبز. ولم نكن قادرين حتى على شراء الكعك للأولاد".
وتابعت "في بعض الأحيان، كنا ننتظر لفترة يومين قبل الإفطار بسبب عدم توفر الطعام".
وجبات طعام تم التبرع بها
وفي مختلف أنحاء العالم العربي، يشكل رمضان شهر صلاة ومساعدة للمحتاجين، ولكنه أيضا فترة لقاءات بين الأحبة.
وقالت أم سامر إن ذلك كان مستحيلا في الغوطة الشرقية بسبب الغارات الكثيفة.
وأوضحت "لم نكن نجرؤ على الاجتماع للإفطار".
وأضافت "لكن الأمر مختلف هذه السنة في إدلب. فهناك أرز وخضار وفاكهة وحلويات"، مفترشة الأرض على حصيرة بسيطة لتناول الإفطار.
فتبدأ العائلة بشرب الماء البارد قبل تناول أطباق من الأرز المنكه بالكركم والسلطة والخضار.
وتعتبر وجبة الطعام هذه وافرة مقارنة بما كانت تتناوله العائلة قبل سنة، ولكن عبرت أم سامر عن صعوبة بدء حياة جديدة بالنسبة لأسرة مؤلفة من سبعة أفراد.
وقالت "هناك، يكون المرء مرتاحا لأنه في بلدته ومنزله وأرضه".
وأبدت قلقها ذاكرة "لا أحد منا يعمل هنا. تساعدنا الجماعات الإغاثية، ولكن مساعدتها محدودة".
وكما يحصل في المجتمعات المسلمة حول العالم، توزع المجموعات الإغاثية في إدلب وجبات الإفطار على العائلات المحتاجة.
وتقوم إحدى هذه المجموعات، وهي جمعية "البنيان المرصوص"، بتحضير عشرات الوجبات المكونة من الأرز واللحم كل يوم. وينتظر رجال ونساء في طوابير طويلة خارج مركز الجمعية للحصول على حصصهم الغذائية.
افتقاد الأحباء
ومثل هذه الوجبات تثير فرقا كبيرا، لا سيما لأم محمد البالغة من العمر 53 عاما والتي نزحت من الغوطة الشرقية مع زوجها وابنتيها وابنيها قبل شهر.
وأقاموا أيضا في مخيم الغرف الطينية في معرة مصرين، من دون أن تفارقهم ذكريات الحصار.
وقالت أم محمد "أذكر أنه مرّ علينا 11 يوما من دون أن أضع طبخة على النار".
وكان طبخ الفجل أمرا غير مسموع به قبل اندلاع الحرب في سوريا، ولكنه أصبح من العادات المعتمدة في الغوطة الشرقية. وذكرت أم محمد "كنا تحت حصار وكنا نطبخ ما توفر".
وافترشت الأرض على سجادة صوفية مع زوجها لشرب العصير قبل إنهاء فترة الصوم اليومية وتناول طعام الإفطار الذي حصلت عليه من المنظمات الإغاثية والمؤلف من الأرز والدجاج واللحم بالعجين.
يُذكر أن أكثر من 350 ألف شخص قتلوا ونزح الملايين منذ اندلاع الحرب في سوريا في 2011.
وقد قتل اثنان من أبناء أم محمد العام الماضي أثناء القتال في الغوطة.
وقالت "ثمة فرق كبير بين شهر رمضان هذه السنة ورمضان العام الماضي".
"أكثر ما أفتقده أولادي".