يعدّ شهر رمضان فترة صوم في النهار ومآدب إفطار غنية بتنوعها، إلا أن المصريين هذا العام اضطروا إلى الحد من مشترياتهم خلال الشهر الفضيل نتيجة إجراءات التقشف التي أسفرت عن مستويات تضخم هي الأعلى منذ عشر سنوات.
في سوق القاهرة، تقوم رنا، وهي مصممة غرافيكية وأم لطفلين بشراء كمية أقل من الطعام بحسب ما قالت عشية بدء شهر رمضان، نهاية الأسبوع، تبعا لرؤية هلال القمر، وهي فترة تتميز عادة بارتفاع الطلب بشكل كبير على السلع الغذائية.
ويشاركها غيرها من المتسوقين الذين تجمعوا لشراء الفاكهة والخضار الامتعاض ذاته. ففي شهر نيسان/ابريل، وصل التضخم الأساسي إلى نحو 33 بالمائة، ووصل إلى 44 بالمائة على المواد الغذائية.
وقالت رنا وهي تقلّب كومة البطاطا، "نشتري أقل بكثير لأن الأسعار عالية جدا".
وقد أتى ارتفاع الأسعار بعد قرار الحكومة بتحرير سعر الجنيه في تشرين الثاني/نوفمبر، حيث كان ذلك أحد شروط القرض من الصندوق الدولي للنق والبالغ 12 مليار دولار، وقد أدى إلى تدهور حاد للعملة المصرية.
ووصل سعر الجنيه مقابل الدولار إلى 18 بعد أن كان 8.9 في تشرين الثاني/نوفمبر، وقد شهدت أسعار الواردات والسلع المحلية التي تدخل فيها مكونات مستوردة مستويات حادة.
كما عمدت الحكومة إلى اعتماد القيمة المضافة وقلصت الدعم للوقود.
وهذه الاجراءات ما كانت الحكومات المصرية السابقة تجرؤ لإقرارها خوفا من أن يؤدي ذلك إلى اضطرابات.
إلا أن الرئيس عبدالفتاح السيسي، وهو رئيس الاركان السابق للجيش المصري والذي أطاح بالرئيس الإسلامي السابق محمد مرسي عام 2013، قال إن لا خيار أمامه سوى ذلك.
وأتت الاجراءات شرطاء للحصول على تمويل صندوق النقد الدولي الذي قدم لمصر حبل نجاة بعد التراجع الحاد بالعملة الأجنبية وابتعاد المستثمرين كما السواح عن البلاد التي شهدت سلسلة اضطرابات.
’صوت ثقة‘
حتى الآن، يبدو المصريون قادرين على استيعاب الصدمة، فيما أثنى المستثمرون على الاصلاحات.
وقال رامي عرابي، الخبير الاقتصادي بشركة الخدمات المالية "فاروس"، "لن تكون الامور سهلة بعد ذلك، لكن على الأقل ستكون الصدمة قد امتُصّت. ردّ فعل المستثمرين الأجانب إيجابي".
واعتبر صندوق النقد الدولي أن الاصلاحات ناجحة حتى الآن وأن هذا الشهر سيقوم بصرف الجزء الثاني من القرض "كتصويت ثقة".
وتتوقع وكالة التصنيف المالي "ستاندرد آند بورز" معدل نمو "تعزيز مالي مستمر في مصر خلال الأعوام 2017 حتى 2020، بدعم من برنامج الصندوق الذي يستمر ثلاثة أعوام"، ليدعم ذلك تصنيق ب/ب للسيادة الأجنبية والمحلية للعملات.
إلا أن الصندوق عبّر عن قلقه إزاء التضخم، حيث أشار مسؤول في المنظمة إلى رفع نسبة الفائدة للتخفيف من وطأة التخضم.
وقد تراجع التضخم من 4.3 في المائة في كانون الثاني/يناير، إلى 1.8 في المائة في نيسان/ابريل.
وأضاف العرابي "من شهر الى آخر، تتراجع الزيادة. موجة ارتفاع الأسعار التي سببها تحرير سعر الصرف وزيادة اسعار الوقود وصلت الى قمتها، والان ينبغي ان تعود نسبة الزيادة في الاسعار الى معدلها الطبيعي".
وكان لجنة السياسة المالية قد رفعت في 21 أيار/مايو مستوى الإيداع اليومي إلى 16.75بالمائة والاقراض اليومي إلى 17.75 بالمائة، كل واحدة بنقطتين.
وسمح تحرير سعر الجنيه بخفض عجز الميزان التجاري، حيث أعطيت الأولوية لمستوردي السلع الأساسية في بلد يستورد تقريبا كل شيء حتى القمح.
وفي شهر شباط/فبراير الفائت، انخفض هذا العجز بنحو 56 بالمائة مقارنة مع الشهر نفسه في العام السابق.
وتسعى الحكومة إلى جذب الاستثمار الأجنبي المباشر بتقديم إعفاءات وحوافز مالية. ويبقى أن تتضح النتائج مع نهاية العام 2017.
وتسجل هذه الأرقام زيادة تقترب نحو 13.2 مليار دولار التي تحققت قبل العام 2011.
وقد وصلت الاستثمارات الأجنبية المباشرة بين تموز/يوليو وكانون الأول/ديسمبر 2016 إلى 7.4 مليار دولار وفقا للبنك المركزي، مقارنة مع 6.9 مليار في العام المالي الفائت.
وتتوقع وكالة التصنيف المالي "ستاندرد آند بورز" معدل نمو يقترب من 4 بالمائة بتأثير الاستثمارات والصادرات.