بعد دخول وقف إطلاق النار الهش حيّز التنفيذ، يتأمل بعض اللاجئين السوريين في لبنان العودة إلى منازهلهم وحياتهم في حلب، بينما يرى البعض الآخر أن الأمر قد يحتاج إلى سنين قبل أن يتمكنوا من العودة.
خلود ياسين وهي لاجئة سورية في أحد مخيمات كفرزبد في منطقة البقاع، قالت إنها عائلتها المؤلفة من خمسة أشخاص تفكر جديا بالعودة إلى حلب.
وأوضحت للمشارق إنهم يتنظرون بدء اعمال الترميم في الأحياء المدمرة وتأمين البنى التحتية فيها، لاسيما المياه والكهرباء.
وقالت: "نعيش بالخيمة منذ أربعة أعوام. ونترقب من حينه عودتنا لبيتنا بحلب، الواقع بالأحياء الشرقية"، حيث كان زوجها يعمل بقطاع الزراعة.
ومنذ أن سمعت العائلة إعلان الهدنة بسوريا ، وشاهدت عبر محطات التلفزة عودة الحياة إلى حلب تدريجيا، وهي تفكر بالعودة.
وأضافت، "نبحث هذا الأمر يومياً. ونتواصل مع أقارب وجيران لنا لمعرفة الأوضاع الراهنة بمنطقتنا القريبة من مساكن هنانو، ولمعرفة وضع بيتنا، وما إذا كان بالإمكان السكن فيه مجدداً".
ولفتت إلى أن جيرانها الذين انتقلوا للعيش بمنطقة أخرى بسبب حال الأبينة المعرضة للإنهيار بسبب القصف الذي تعرضت له المنطقة، أبلغوا العائلة أن عليهم تأمين مسكن مؤقت باحياء حلب إذا قرروا العودة.
وتابعت ياسين "نفكر الطلب من أقارب لنا توفير بيت مؤقت لنعود بأقرب فرصة ممكنة، لاسيما وأن ورشة إعادة البناء إنطلقت بحلب".
وقالت "نرى أن الأمن قد إستتب"، مشيرة إلى أن عائلتها نزحت إلى لبنان لسنوات مرت عليهم كأنها دهر. وقالت "هناك هدنة، ونحن نريد العيش بسلام".
وختمت: "صحيح أن بعض مقومات الحياة غير متوفرة راهناً بحلب لكن يكفي أننا سنعود إلى بلدنا، والمدينة التي عشنا فيها طوال حياتنا".
الحياة تعود إلى شرق حلب
وفي الأيام الأخيرة التي تلت إعلان الهدنة، يشق المئات من السوريين طريقهم عائدين إلى شرق حلب التي بدأت تشهد ببطء أعمال إعادة الاعمار.
وشوهد بعض الرجال يرمون الردم في باحة نزل تاريخي حيث تجمع بعض التجار للاشراف على إعادة بناء متاجرهم التي أرهقتها الحرب في سوق المدينة، وفق ما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية.
وقد عاد أصحاب المتاجر للمرة الأولى لإزالة الردم الذي خلفته سنين من القتال.
وقال أنطون بقال، 66 عاما، وهو أحد التجار في خير بيك خان "شعرت بفرح كبير حين وجدت متجري لا يزال قائما وسط النفايات وقد تعرض لأضرار طفيفة".
وقد استقل يوم الخميسن 26 كانون الثاني/يناير، مئات الرجال والنساء والأطفال القطار عبر المدينة بعد استئناف الخدمات للمرة الأولى منذ أربع سنوات.
وكانت تلك الرحلة الأولى منذ أن سيطر مقاتلو المعارضة على شرق حلب في صيف العام 2012، حيث جرى تقسيم المدينة إلى ناحية شمالية يتواجد فيها النظام وناحية غربية تسيتطر عليها المعارضة.
ونقل سائق يرتدي سترة من جلد بسيارته الحقائب من محطة جبرين شرق حلب إلى محطة قطار بغداد الأساسية في المدينة.
ولا تزال الخدمات معلقة بين حلب ومدن رئيسة أخرى نتيجة النزاع في البلاد.
وأعلن المدير العام للمؤسسة العامة للخطوط الحديدية، نجيب فارس، أنه سيتم يومياً تسيير أربع رحلات بين محطة بغداد ومحطة جبرين تنقل كل رحلة حتى 600 راكب.
’ترقب العودة‘
ويفكر النازح من بيته قرب باب النصر بحلب القديمة إلى البقاع الغربي في لبنان، جمال الجاسر بإعادة عائلته المؤلفة من زوجته وأولاده الثلاث، حين تتوضح الصورة أكثر بحلب.
وأوضح أنه سيبقى بعمله بلبنان، لتأمين المال لهم.
وقال للمشارق: "تعبنا من النزوح، والتنقل من بيت إلى آخر بسبب رفع الإيجارات علينا، عدا عن الصعوبات المعيشية التي نواجهها".
وتابع: "أدرس بجدية فكرة عودة عائلتي كمرحلة أولى لحلب على أن اؤمن لها بيتاً بأحد أحياء حلب، لأن بيتنا متضرر جداً كما أبلغت، وغير مؤهل للسكن".
وأضاف "يمكن لزوجتي تدبر أمر العائلة، فهي إبنة حلب، وتعرفها جيداً، ولدينا أقارب لا يزالون هناك، يشكلون سنداً لها بظل بقائي بلبنان حيث أعمل بالتجارة كمورد رزق لنا".
وأشار إلى ان بعض معارفه يطلبون منه التريث بقراره هذا "لكن وقت العودة بات قريبا على ما أعتقد، خصوصاً وأن ورشة إعادة الإعمار ستنطلق".
’الحرب لم تنته‘
وعلى الرغم من ذلك، لا يشعر جميع اللاجئين السوريين في لبنان بالتفاؤل نفسه.
واعتبرت النازحة رؤيا بايازيد من حلب إلى منطقة ديك المحدي بجبل لبنان أن "مجرد التفكير بالعودة مستحيل في المدى المنظور".
وقالت للمشارق:" تحدثت وزوجي بالموضوع، وكان القرار حاسما وهو لا عودة بالمدى المنظور. نزحنا منذ أربعة أعوام إلى ديك المحدي، حيث يعمل زوجي بمعمل للمياه".
وشرحت أنه حين كانوا في سوريا كان زوجها يملك محل حلاقة خاصاً به.
وقالت بايازيد، "المبنى الذي كنا نسكنه معرض للإنهيار"، وهو ما يحول دون عودتهم.
وأشارت إلى أنه وعلى الرغم من الهدنة فإن الوضع في حلب غير أكيد.
وختمت بالقول: "نسأل اليوم ماذا بعد الهدنة؟ وهل الحياة ستكون مضمونة؟ وهل ستتأمن مستلزمات يومياتنا؟" مؤكدة "الحرب لم تنته بسوريا ولا بحلب".