عمّان -- سأل أحد القرّاء المتطوعين الأردنيين "مَن متحمس لسماع قصة؟"، أثناء فتحه كتابا في مدرسة بعاصمة المملكة ضمن فعاليات مبادرة تساعد الأطفال حول العالم على اكتشاف متعة القراءة.
وتأسست مبادرة "نحن نحب القراءة" التي باتت نشطة في 65 بلدا، عام 2006 على يد رنا الدجاني، وهي مدرّسة مساعدة في علم الأحياء والتكنولوجيا الحيوية بالجامعة الهاشمية في الأردن.
وساعدت المبادرة حتى اليوم نحو نصف ميلون طفل في الأردن، بينهم عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين الذين هربوا إليه بعد أن اتخذت الانتفاضة السلمية عام 2011 منحى عنيفا مع قمع النظام السوري الوحشي للمظاهرات.
وأمضت الدجاني 5 سنوات في الولايات المتحدة حيث استمتعت بتلاوة القصص لأطفالها. ولكن عند عودتها إلى البلاد، لاحظت أن التلاميذ المحليين نادرا ما يستمتعون بالقراءة.
فقررت تغيير هذا الواقع، ومن هنا نشأت فكرة "نحن نحب القراءة" عام 2006.
وقالت الدجاني "لاحظت في البداية أن الأطفال يقرأون فقط لإكمال فروضهم الدراسية، فقمت بأبحاث ووجدت أن الطريقة الأفضل هي بقيام شخص راشد بقراءة القصص لهم على صوت عال".
وبدأت بجلسات أسبوعية قصيرة في مسجد قريب من منزلها في منطقة طبربور بعمّان، وتوسع نطاق المبادرة تدريجيا.
وأصبحت مبادرة "نحن نحب القراءة" نشطة اليوم في مختلف أنحاء الأردن، وباتت تضم 4000 متطوع مدرب.
وذكرت الدجاني "يقوم برنامجنا بتعليم الرواد، وهو فعال ويستند إلى أبحاث علمية".
واستقطب الندوة التي نظمتها المبادرة في 11 آذار/مارس بعنوان "رحلة صناع التغيير"، علماء من جامعة ييل وجامعة هانغ سنغ والجامعة الهاشمية.
وإلى جانب التأثير الإيجابي للقراءة على الأطفال، قال العلماء الذين شاركوا في الندوة إن الأبحاث أثبتت أن للبرنامج أيضا تأثيرا اجتماعيا إيجابيا على المتطوعين الذين أظهروا مهارات قيادة وتمكين معززة.
ولفتوا إلى أن التدخل من خلال القراءة عزز الرضا والرفاه في حياة القارئات بالبرنامج، مشيرين إلى أن التطوع أدى إلى تنويع الشبكات الشخصية للنساء خارج منازلهن.
ʼكتب ورقية حقيقيةʻ
ويقرأ كل سفير للبرنامج القصص على الأطفال في أي مكان يختاره، أكان في مسجد أو كنيسة أو مدرسة أو روضة.
وقالت الدجاني إنه كان من المهم عدم قراءة القصص على الأجهزة الإلكترونية "التي نريد الابتعاد عنها لأنها ستشكل معركة خاسرة. نريد كتبا ورقية حقيقية".
وتعكس الكتب التي تقرأ على الأطفال خلفيتهم الثقافية، بحسب معهد التعلم مدى الحياة التابع لمنظمة اليونسكو.
وقال المعهد إن "ذلك يعني أن القصص سهلة الفهم وتظهر للأطفال كيفية بناء سلوكيات إيجابية وتطبيق الممارسات الأفضل في حياتهم اليومية".
يُذكر أن معدلات الأمية في الأردن تراجعت من 88 في المائة عام 1952 إلى 5.1 في المائة عام 2020 بحسب الأرقام الرسمية، ويسعى البرنامج إلى إطلاق شغف للقراءة في صفوف الأطفال.
وذكرت الدجاني "تتغير أنماط التفكير من خلال القراءة ويتطور ذهن الطفل وصحته النفسية".
وحتى اليوم، نتج عن مبادرة "نحن نحب القراءة" 33 قصة للأطفال حول مواضيع تشمل البيئة واللاجئين والتنمر والجنس الاجتماعي والتواصل الاجتماعي والعلوم.
وتوسعت المبادرة أيضا لتشمل بلدان أخرى، مع توفر 8000 متطوع مدرب حول العالم. ولاقت ترحيبا في مختلف أنحاء العالم، وحصلت على جائزة من اليونسكو عام 2017.
وفي هذا السياق، عملت هدى أبو الخير كمتطوعة قراءة في الأردن منذ 4 سنوات.
وقالت "أحب فكرة البرنامج كونه يطور لغة الأطفال وأفكارهم ومفاهيمهم".
وأضافت "لهذا السبب أقرأ للأطفال في الروضة وخلال الرحلات المدرسية وفي المنتزهات العامة وفي التجمعات العائلية، أينما سنحت الفرصة لذلك".
وفي المدرسة في عمّان، جمعت حولها ما يقارب الـ 20 طفلا تتراوح أعمارهم بين 4 و5 سنوات وبدأت القراءة.
"أنا دينا وهذا شقيقي هاني. نحن توأم، وجئت إلى الحياة قبله ببضع دقائق. لكننا متشابهين. يحب كلانا العصافير والسنونو والطيور الطنانة".
ويترافق سردها للقصة مع نقيق يصدر عن جهاز تسجيل، وهو المؤشر الوحيد إلى التكنولوجيا الحديثة.