عقدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر مؤتمراً صحافياً في 14 حزيران/ يوليو وأطلقت خلاله تقريرا جديدا يتناول الآثار الاجتماعية والنفسية للنزاعات المسلحة داخل المدن بالعراق وسوريا واليمن.
وركز التقرير الذي حمل عنوان "رأيت مدينتي تحتضر" على شهادات مواطنين عاشوا في خضم النزاعات المسلحة. وكشف التقرير أن أكثر من نصف إجمالي الخسائر البشرية التي وقعت بصفوف المدنيين بسبب الحروب في السنوات الأخيرة، هي في سوريا والعراق واليمن.
وقد تحدث المنسق الإعلامي لبعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر بسوريا بافيل كرزيسييك للمشارق عن التقرير.
المشارق: ما الهدف من وضع التقرير؟
بافيل كرزيسييك: إن تقرير" رأيت مدينتي تحتضر"، بحث أجرته اللجنة الدولية للصليب الأحمر في السنوات الثلاث الأخيرة بسوريا والعراق واليمن، لدراسة الآثار الاجتماعية والنفسية للمواطنين الذين يعيشون في خضم النزاعات المسلحة داخل المدن.
وارتكز التقرير على شهادات سكان حلب بسوريا، والموصل بالعراق، وتعز باليمن.
تحدث كبار وصغار ونساء ورجال ومسنون عن معاناتهم اليومية، وحالات الرعب خلال المعارك التي تدور داخل بيوتهم وحولها، وفي الشوارع والمدارس والمستشفيات، وحصارهم بين المقاتلين، واختبارهم الحياة تحت أصوات الأسلحة المتفجرة.
ويقدم التقرير شهادات حية للمآسي التي يعيشها هؤلاء جراء تعرضهم اليومي للقصف، وفقدانهم أعزاء بالحرب المستمرة.
المشارق: لما كان التركيز على المدن فقط؟
كرزيسييك: لأن تأثير النزاعات والحروب بالمدن أشد وطأة من تلك الدائرة بالمناطق والأرياف. هناك فرق كبير بين الحروب بالمدن والريف.
فالمعارك والاشتباكات داخل المدن والقصف المدفعي والصاروخي تحصل بين الأبنية ومنها، وفي الشوارع. إن الأهداف العسكرية بالمدن قريبة جداً من المواطنين، وفي أوقات كثيرة بينهم.
المشارق: ما أبرز ما خلص إليه التقرير من حيث الآثار الاجتماعية والنفسية؟
كرزيسييك: إن الآثار النفسية والإجتماعية هي واحدة بكل مناطق النزاعات. فإضافة إلى حالات الخوف والرعب البادية بتصرفاتهم، تحدثوا عن حاجتهم للمياه والطعام، والطبابة والرعاية الصحية.
وأعربت الأمهات عن خوفهن الكبير على أطفالهن لمجرد تواجدهن بمناطق الخطر والموت، فيما الأطفال لم يعرفوا سوى الحروب. يعيش هؤلاء حالات من الخوف والهلع والرعب الشديد.
وتختلف تلك الحالات من شخص لآخر، إذ هناك من تحدث عما يشعر به، فيما الأطفال مقلون بالكلام من الخوف، ويبكون بإستمرار.
إن الآثار التنفسية والإجتماعية هي نفسها ومتشابهة بين مواطني المدن والأرياف.
المشارق: ماذا بشأن مدينة حلب التي تناولها التقرير؟
كرزيسييك: مدينة حلب كبيرة، ويقطنها حوالي مليوني نسمة. ما من منطقة وحي فيها إلا وتضرر لكونها شهدت حرب شوارع، وحرب نوافذ وفوق رؤوس المواطنين.
ترك كل ذلك أثاراً نفسية وجراحاً بالغة. تحدث أهالي حلب عن يومياتهم بالنزاعات، وكيف كانوا يتصرفون.
تحدثوا عن احتياجاتهم، وإحتياجات حلب كبيرة، لأن بناها التحتية مدمرة كما غالب أبنيتها.
المشارق: هل شمل التقرير مناطق سورية أخرى؟
كرزيسييك: تطرق البحث ايضاً لحركة النزوح والمشاكل الاقتصادية المستجدة التي يواجهها النازحون وآثارها النفسية عليهم.
وشمل التقرير مناطق كانت محاصرة حتى الأمس القريب كمضايا والزبداني وداريا. وبيّن أن الإحتياجات الإجتماعية مختلفة عن المدن، لاختلاف نوع النزاعات وطريقة الصراع.
المشارق: هل كشف التقرير حجم الخسائر البشرية؟
كرزيسييك: كشف التقرير أن نصف إجمالي الخسائر البشرية وقعت بصفوف المدنيين بسوريا والعراق واليمن.
بيّن بحثنا أن النزاعات في المدن تسببت بـ 70 بالمائة من إجمالي عدد الوفيات بصفوف المدنيين. وهذه، نسبة مخيفة لما بلغته الآثار المهلكة للمعارك الدائرة. [...]
وتطرق التقرير بجانب منه لحركة النزوح الكثيفة من مناطق النزاع بسوريا والعراق واليمن، حيث سجل بين نزوح داخلي وخارجي فرار أكثر من 17 مليون سوري وعراقي ويمني.
أما بالنسبة للخسائر بالبنى التحتية والمباني، فحجم الدمار هائل لطبيعة الحروب بالمدن التي لا يميز فيها المقاتلون بين الأهداف العسكرية والبنى التحتية، واستهدافها مباشرة.
المشارق: ما الخلاصة التي توصل إليها التقرير؟
كرزيسييك: توصل إلى أن الحالات النفسية لن تنتهي بانتهاء الحرب، بل تستمر لسنوات طويلة، ما يستدعي من السلطات المحلية والمنظمات الإنسانية وضع برامج لمعالجة آثارها النفسية.
كما توقف عند أهمية إعادة بناء البنى التحتية، وتقديم الخدمات العامة.
وطالب التقرير من الأطراف المتنازعة والدول الداعمة لها احترام القانون الدولي الإنساني الذي يشدد على ضرورة تحييد المدنيين عن النزاعات وأهدافهم.
التقرير الذي أعددنا هو بمثابة عدة ونقل للصورة القائمة بهذه المدن، ووجوب أن تحمل الحلول رداً قوياً لكل الاحتياجات.