بيروت - قال ناشطون سوريون إن النظام السوري يواصل عرقلة عودة اللاجئين بهدف تحقيق تغيير ديموغرافي وجيوسياسي يحشد الدعم في مناطق رئيسية لضمان استمرار حكمه.
واتهموا جامعة الدول العربية بالتسرع في تطبيع العلاقات مع سوريا، داعين إلى معالجة قضية اللاجئين قبل إعادة العلاقات بشكل كامل.
وشهدت قمة جامعة الدول العربية التي عقدت في أيار/مايو عودة سوريا إلى حاضنتها بعد غياب دام 11 عاما بسبب قمع بشار الأسد الوحشي للاحتجاجات المناهضة للحكومة ما أشعل فتيل حرب أودت بحياة نحو نصف مليون شخص.
وأثارت الوفود المشاركة في القمة التي عقدت بمدينة جدة قضية اللاجئين واتفقت على "تهيئة الظروف المناسبة لعودة اللاجئين السوريين".
وفي اجتماع سابق عقد في عمّان، اتفق وزراء خارجية الأردن والسعودية والعراق ومصر وسوريا على آليات البدء في تنظيم العودة الآمنة والطوعية للاجئين السوريين، وذلك بالتنسيق مع الأمم المتحدة.
وطالب الوزراء الحكومة السورية بتحديد ما هو مطلوب لتحسين الخدمات العامة للعائدين، إضافة إلى "تحديد الإجراءات التي ستتخذها لتسهيل عودتهم، بما في ذلك إدراجهم ضمن قرارات العفو".
ولكن قال ناشطون إن تحرك النظام السوري في هذه المسألة بطيء، وقد منح النظام الميليشيات المتحالفة مع إيران مثل حزب الله مزيدا من النفوذ للسيطرة على العقارات المملوكة من اللاجئين وتعزيز وجودها بالقرب من الحدود اللبنانية-السورية.
وأكد المجلس الوزاري لدول مجلس التعاون الخليجي في آذار/مارس دعمه للجهود الدولية لرعاية اللاجئين والنازحين السوريين وضمان عودتهم بأمان.
ولكن أبدى المجلس اعتراضه خلال اجتماعه في الرياض على محاولات إحداث تغيير ديموغرافي في سوريا.
’ترسانة من العراقيل‘
وفي هذا السياق، قال مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني للمشارق إن النظام السوري "لديه ترسانة من العراقيل أمام عودة اللاجئين، لأن عودتهم ليست في مصلحته".
وأشار إلى أن النظام أصدر قوانين تخدم مصالحه، مثل المرسوم رقم 10 الذي "استخدمه لسرقة الممتلكات ويبيعها لحزب الله، خاصة في القصير بريف دمشق الغربي وتلكلخ (حمص)".
وفي بعض الحالات، اختار السوريون الذين يملكون عقارات في مناطق يطمع بها حزب الله بيع فيلاتهم وأراضيهم على مضض والحصول على بعض المال مقابلها، بدلا من أن يستولي عليها النظام أو الميليشيات الإيرانية مباشرة.
وسهّل تهجير السوريين من حمص والقصير والقلمون وريف دمشق الشرقي بالإضافة إلى الزبداني ومضايا ويبرود، انتشار حزب الله العسكري في تلك المناطق، بحسب التقارير.
ومهد الطريق أيضا لتوسيع منطقة نفوذ حزب الله في محافظة بعلبك-الهرمل وعبر الحدود في الداخل السوري.
فأقام حزب الله مخيمات ومستودعات وأنفاق ونقاط تفتيش في هذه المنطقة ويستخدمها بالتنسيق مع النظام السوري والجهة التي ترعاه أي إيران لتهريب الأسلحة والمخدرات.
وأشار عبد الغني إلى أن النظام السوري وحزب الله يسعيان إلى "إحداث تغيير ديموغرافي" في هذه المناطق، مشيرا إلى أن "النظام وضع عراقيل في وجه العودة الفعلية" للاجئين.
وذكر أن هذه العراقيل تشمل ما يسمى بمحكمة مكافحة الإرهاب التابعة للنظام والتي وصفتها جماعات حقوقية بأنها "أداة لجرائم الحرب" والتهديد بالاعتقال التعسفي والتعذيب والاختفاء القسري.
ووصف عبد الغني تصريحات النظام بشأن مساعيه لتسهيل عودة اللاجئين بأنها مجرد "دعاية".
ومن جانبه، قال الناشط السوري محمد الحسن مدير مركز الوصول لحقوق الإنسان إن "هناك تغيير ديموغرافي واضح يحدث في سوريا".
وأوضح أنه يُسمح للمواطنين الإيرانيين بالتملك بموجب المرسوم رقم 10 الصادر في 2 نيسان/أبريل 2018، مشيرا إلى "سيطرة حزب الله على مناطق الحدود السورية".
وتابع للمشارق أن كل ذلك يعرقل عودة اللاجئين لأن شريحة كبيرة منهم تتحدر من مناطق يسيطر عليها حزب الله وقد حولها هذا الأخير إلى مناطق عسكرية.
استراتيجية طائفية
وبدوره، قال الخبير في السياسات العامة واللاجئين زياد الصايغ إن "تعثر تحقيق الحل السياسي في سوريا" هو أحد العوامل التي تعرقل عودة اللاجئين السوريين.
وأضاف للمشارق أن من العوامل الأخرى أيضا إحكام قبضة حلفاء النظام السوري، "لا سيما روسيا وإيران وكافة فروعهما العاملة خارج الدولة".
وتحدث عن عامل آخر يعيق عودة اللاجئين وهو "إعادة الهندسة الديموغرافية والجيوسياسية لسوريا والتي تنذر بتغيير في هوية البلاد التاريخية، وهذا بعيد كل البعد عن الخلاف حول طبيعة النظام السياسي".
وأشار إلى وجود "مناطق آمنة" في سوريا وعبر الحدود في الأراضي اللبنانية بمنطقة تقع بين عرسال وبعلبك والهرمل.
وأكد أنه من الواضح أن هذه المناطق لها الآن "أغراض عسكرية وأمنية وجغرافية وأهلها عاجزون عن العودة".
وشدد الصايغ على ضرورة "التنبه للسمة الطائفية التي تحرك هذه الاستراتيجية، ناهيك عن مصادرة الممتلكات ومقايضتها بخدمات قدمت خلال الحرب".
ولفت إلى أن فشل النظام في اتخاذ أي خطوات عملية لتسهيل عودة اللاجئين يعود إلى "ارتباطه بأجندة المحور الروسي-الإيراني"، مضيفا أن النظام عاجز عن الابتعاد عن هذا الارتباط.
وتابع أنه في الوقت الذي سارعت فيه الجامعة العربية إلى التطبيع، فإن "المجتمع الدولي فشل بدوره في تحمل مسؤولياته تجاه حل الأزمة السورية".
وفي هذا الإطار، حث عبد الغني الدول العربية على تأجيل إعادة العلاقات مع النظام السوري إلى حين استيفاء الشروط التي وضعتها جامعة الدول العربية.
وقال "عندها فقط يمكن أن يصبح التطبيع ممكنا". وتابع أن "النظام متورط في جرائم ضد الإنسانية، وإعادة العلاقات معه تعني تمكينه من الاستمرار في جرائمه".