كشف تقرير جديد أن النظام السوري وحلفائه، بما في ذلك داعمه الرئيس روسيا، انتهجوا بين عامي 2014 و2022 "نمطا مقلقا من الاستهداف المتعمد" لمخيمات النزوح في سوريا.
ويأتي هذا الكشف في تقرير نشره المركز السوري للعدالة والمساءلة في 10 تموز/يوليو، وهو منظمة سورية لحقوق الإنسان تقوم بجمع وتحليل توثيق الانتهاكات من جميع المصادر المتاحة.
وجمع التقرير أدلة على أن سلسلة الهجمات على أربع مجموعات من مخيمات النزوح "لم تقع من باب الخطأ، أو أنها كانت مقتصرة على وجود أهداف عسكرية قريبة، بل كان ذلك أحد أساليب أو تكتيكات القتال التي توظّفها الحكومة وحلفاؤها في إستراتيجياتها الحربية".
ويُظهر التقرير أن النظام السوري وحلفائه "كانوا على علم مسبق أن تلك الأهداف تؤوي مدنيين من دون أن يردعهم ذلك عن اتخاذ القرار باستهدافها" في ممارسات "من المحتمل أن ترقى إلىجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية".
’نمط من إلحاق الأذى بالمدنيين‘
وحدد محققو المركز السوري للعدالة والمساءلة وتحققوا من 17 هجوما على مخيمات تأوي النازحين داخليا في أربع مناطق.
وذكر التقرير أنه "يمكن التعرف بوضوح إلى كل واحد من تلك المخيمات من الجو، نظرا لطابعها المميز وخصائصها والخيام بأغطيتها الزرقاء فيها".
وتابع "تم تحديد الجاني المزعوم على أنها الحكومة السورية أو أحد حلفائها في جميع الوقائع ما عدا واحدةً منها. كما أورد عدد من الشهود في بعض الحالات أن قصف الهدف كان يسبقه تحليق الطائرة المُغيرة فوق المنطقة أكثر من مرة لاستكشاف الهدف المقصود".
وفي كل الهجمات، على النقير (عابدين) والقاح وكفر جالس في محافظة إدلب وأوبين (عائشة) في اللاذقية، تمكّن المركز السوري للعدالة والمساءلة من إثبات أن النظام السوري وحلفاءه كانوا على علم مسبق بطبيعة المخيمات المدنية.
لكنهم وعلى الرغم من ذلك، قرروا ضربها.
وجاء في التقرير أن "ما تلك الوقائع الأربع إلا غيض من فيض لنمط سائد أوسع نطاقا تعتمده الحكومة السورية وحلفاؤها وتداوم بموجبه على الاعتداء بوحشية على أكثر شرائح السكان ضعفا وهشاشة، على الرغم من أن واجبها يقتضي منها توفير الحماية لهم".
وقال المركز السوري للعدالة والمساءلة إنه على الرغم من التغطية الإعلامية والإنسانية المكثفة في أعقاب أول هجوم اعتبرت المخيمات مدنية، فقد وقعت هجمات لاحقة.
وفي بعض الحالات، "وصفت وثيقة صادرة عن أجهزة الاستخبارات السورية قبل وقوع الهجوم المخيم المستهدَف بعينه، وتشير إليه بوضوح على أنه ذو طابع مدني"، و/أو وصفت "الدعاية الروسية التي استبقت تفاصيل الهجوم قبل أن يقع" كوسيلة لإبعاد اللوم.
وبينما حاول النظام السوري ربط المخيمات بقوات المعارضة، "تُقر الوثائق الصادرة عن الحكومة بأن مخيم قاح للنازحين داخلياً يؤوي أقارب بعض عناصر المعارضة المسلحة، وليس المقاتلين أنفسهم".
وأشار المركز السوري للعدالة والمساءلة إلى "يظل أفراد عائلات المقاتلين ممن لم يحملوا السلاح مصنّفين كمدنيين".
وأضاف أنه "وكمخيمات أُقيمت لأغراض إنسانية، لم تكن حكرا على أقارب مقاتلي المعارضة أو أسرهم النازحة، بل إنها تؤوي أيضا مدنيين لا تجمعهم صلة قرابة بالمشاركين في النزاع".
هجمات متكررة على المخيمات
من خلال مهاجمته المتكررة للمخيمات، أجبر النظام السوري المدنيين على هجر منازلهم المؤقتة، واضطر سكان مخيم النقير إلى الانتقال كيلومترات قليلة بعيدا عن الطريق لتجنب استهدافهم.
وأكد التقرير أن "ذلك لم يحل دون تعرّض المخيم للهجوم مرة ثالثة".
وأضاف أن "بعض شهود العيان قالوا للمركز السوري للعدالة والمساءلة إن الهجمات دفعت بعض قاطني المخيم للاعتقاد بأنه لا مفر من التعرض للقتل سوى عبر مغادرة الأراضي السورية".
وفي عامي 2014 و2015، هاجمت القوات السورية مخيم النقير ثلاث مرات "وذلك على الرغم من أنها تستخدم طائرات الاستطلاع في المنطقة لمراقبة المخيم قبيل وقوع الهجوم، والالتماسات المقدَّمة إلى الأمم المتحدة تُثبت أن المخيم لا يؤوي مقاتلين بين قاطنيه".
وذُكر في التقرير "علاوة على ذلك، حظي الهجومان الأول والثاني على المخيم بتغطية إعلامية واسعة".
"ومع ذلك لم تتوقف القوات المسلحة السورية عن استهداف مخيم النقير، وأوقعت عددا من القتلى، وأجبرت عددا آخر يصعب حصره على النزوح مجددا".
وفي عامي 2015 و2016، تعرض مخيم أوبين (عائشة) إلى قصف متكرر بعد أن لجأ سكانه إليه إثر تدمير القنابل العنقودية الروسية منازلهم وقراهم.
ومساء 20 تشرين الثاني/نوفمبر 2019، تعرض النازحون السوريون الذين فروا خلال هجوم إدلب إلى القاح هربا من القصف العنيف لقصف بصاروخ، ما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 13 مدنيا وإصابة العشرات.
وتم تدمير عشرين خيمة، وتضررت 40 أخرى بشظايا.
وطالت أضرار الهجوم مستشفى القاح للولادة.
تكتيكات مضللة
في 6 تشرين الثاني/نوفمبر، أصيبت المخيمات المنشأة حديثا في كفر جالس وبلدتي مورين وكفر روحين المجاورتين بقنابل عنقودية.
وشوهدت تسع طائرات روسية في المجال الجوي بالقرب من مكان وقوع الحوادث، مع خمس طائرات تحلق على الأرجح لأغراض المراقبة أو الاستطلاع أو تحديد الهدف والتي "لا بد أنها قادرة على التحقق يقينا من وجود المدنيين وانتشارهم على رقعة واسعة من المنطقة".
وتداولت وسائل إعلام موالية للنظام مقاطع فيديو تظهر هجوما مزعوما على "مواقع تدريب وكهوف" مزعومة لهيئة تحرير الشام، مع مقاطع لغارات استهدفت لاحقا هذا الموقع وحدد مكانه على بعد كيلومترين إلى ثلاثة كيلومترات من المخيمات المستهدفة.
لكن على الرغم من التحقق من حدوث الهجوم، زعم النظام في مقاطع فيديو وجود مسلحين، علما أنه لا يمكن التحقق من صحتها أو تحديد الموقع الجغرافي الذي صورت فيه. وعلى أي حال، "كان المخيم يقع على بُعد كيلومترات قليلة من موقع القصف، وقد تعرّض هو بدوره للقصف أيضا".
وقبل الهجوم بيوم واحد، زعمت القوات الروسية علنا أنها "تلقت معلومات" بأن جبهة النصرة كانت تستعد لشن هجمات في إدلب "لاتهام القوات السورية والروسية بالاعتداء على المدنيين والمنشآت الإنسانية".
ومع ذلك، فإن الأدلة تظهر تورطا روسيا واضحا في الهجوم.
"وفي ضوء تصريح السلطات الروسية علنا عن قرب وقوع هجوم وشيك على مخيمات المدنيين، ونظرا لأن كلا من سوريا وروسيا وإيران هي الأطراف الوحيدة في النزاع التي يعرف عنها أنها تستخدم الأسلحة، فمن غير المرجَّح أبدا أن يُنفَّذ القصف من دون مساعدة مباشرة من القوات المسلحة السورية أو حلفائه، هذا إذا لم يكن الجيش السوري هو من نفّذ عملية القصف بشكل مباشر".
وأشار المركز السوري للعدالة والمساءلة إلى أن "مجرد تحليق طائرات الاستطلاع والإعلان يجعلان من الواضح أن القصف كان هجوما نُفّذ عن تعمُّد بحق أهداف مدنية معروفة".