بيروت -- خضع خليل طيلة الأشهر الستة الماضية للعلاج من إدمان المخدرات بمركز قرية الإنسان بمنطقة المعيصرة، نهر إبراهيم، لمساعدته في العودة لحياته الطبيعية التي يتوق إليها.
ويتحدر خليل، 40 عاما، الذي لم يصرح إلا باسمه الأول في المقابلة، من بلدة يحشوش. وهو حائز على شهادة بإدارة الأعمال والاستشارات المالية، لكن إدمانه للمخدرات على مدى 25 عاما تسبب في طرده من وظائفه في لبنان ودبي.
وهو واحد من آلاف الشباب اللبنانيين المدمنين علىالمخدرات.
وأمست ظاهرة انتشار المخدرات في لبنان آفة اجتماعية، وبخاصة بين طلاب الجامعات والمدارس، مع توفر أنواع مختلفة منها.
وتكثف الأجهزة الأمنية جهودها لملاحقة مصنعي المخدرات ومروجيها.
ووفق الأمم المتحدة، تضاعفت نسبة مستخدمي المخدرات خلال عامي 2021 و2022.
ومعظم المدمنين هم من الشباب، إذ تشير الإحصاءات غير الرسمية إلى أن ما يقرب من 60 في المائة من المستخدمين هم من الفئة العمرية بين 16 و35 عاما.
أما أبرز أنواع المخدرات المنتشرة في لبنان فهي الكريستال ميث يليها الكبتاغون، حسبما قالت الأخصائية المعالجة النفسية نيكول رزق للمشارق.
وعادة ما تهرب مادة الكريستال ميث من إيران، في حين أن الكبتاغون يصنع في لبنان وسوريا.
ومن المخدرات الأخرى الشائعة الترامادول الأحمر والكتامين الذي يستعمل كبنج طبي أو بنج للحيوانات، والسيلفيا التي تسبب الهلوسة والكوكايين والهيروين وحبوب الإكستازي.
ويعزو الكثير من اللبنانيين تنامي آفة الإدمان لانتشار مصانع تصنيع المخدرات في مناطق لبنانية خاضعة لسيطرة حزب الله على الحدود اللبنانية السورية.
واتهم الحزب المدعوم من إيران بتوفير الحماية لمصنعي المخدرات ومروجيها بهدف جني المال على حساب سمعة لبنان وعلاقاته مع محيطه.
الطريق إلى الإدمان
وفي حديثه للمشارق، قال خليل "بدأت رحلتي مع المخدرات بسن الرابعة عشرة لأسباب عديدة، منها فقداني الأمان العائلي لتحول بيتنا لملجأ هاربين من حروب بيروت في ثمانينات القرن الماضي".
وأضاف أنه كانت هناك ضغوط أخرى، مثل تعرضه للتحرش الجنسي والضغوط الأسرية عليه للنجاح في المدرسة وانتقال الوصاية عليه إلى جدته بعد سفر والده إلى قبرص.
وذكر "تعاطيت مجمل أنواع المخدرات كالحشيشة والهيروين والماريجوانا والكوكايين والكريستال ميث والسيلفيا، لكن الهيروين كان خياري الأول".
وتابع "كنت أحصل عليه من تجار من البقاعمعروفي الانتماء. واضطررت لبيع ما أملك من ذهب وسرقة ذهب والدتي وأشقائي لشراء المخدرات لوقف عوارض الألم الجسدي".
وأوضح أنه في عام 2016، "قررت التعافي من الإدمان أثر وفاة صديقتي بجرعة زائدة".
وأكد "حملت نفسي مسؤولية وفاتها، فاتصلت بالأب مجدي علاوي، وخضعت لعلاج تأهيل بمركز سعادة السماء، لكني عدت إلى تعاطي الهيروين ومخدرات أخرى عام 2017 حتى نهاية 2022".
وتابع "في عام 2022، اتصلت مجددا بالأب علاوي الذي بادرني بـ " أهلا أبني'، التي لم اسمعها من والدي. أكملت علاجي بالمركز وتخلصت نهائيا من الإدمان".
إلحاق الضرر بالمجتمع اللبناني
من جانبه، أوضح مؤسس جمعية سعادة السماء ومركز قرية الإنسان لتأهيل مدمني المخدرات، الأب علاوي، أن "المخدرات تهدد المجتمع اللبناني وتصنيعها والاتجار بها وترويجها لا يقتصر على فئة معينة".
وصرح للمشارق أنه يحمّل مسؤولية انتشار المخدرات في لبنان إلى "المنظومة السياسية بكاملها لأنها دفعت بشبابنا إما للهجرة أو تعاطي المخدرات"، وكلاهما "يفتك بمجتمعنا".
هذا وتعمل الأجهزة الأمنية اللبنانية بصورة يومية على مكافحة شبكات ترويج المخدرات ومصانع إنتاجها، مثلما أوضح مصدر أمني للمشارق شريطة عدم الكشف عن هويته.
وقال "نرفع أيضا الوعي في صفوف الشباب من خلال حملات لتفادي تنامي الجريمة"، مشيرا إلى أن "إدمان المخدرات أخطر آفة يواجهها الشباب والمجتمع".
وأضاف "نرصد حركة تجار المخدرات وعمليات التهريب وننسق مع الدول الخليجية والعربية لضبط تهريب المخدرات إليها من لبنان".
"ونوقف يوميا تجارا ومروجين ومتعاطين"، حسبما أكد.
منصة لتصدير المخدرات
ورأى الكاتب السياسي طوني بولس أن حزب الله قد حوّل لبنان إلى منصة لتصدير كل أنواع الموبقات والمخدرات وأنه يتستر وراء دولة يتحكم بها.
وأكد أن الحكومة اللبنانية التي يسيطر عليها حزب الله تشرعن أعماله، مشيرا إلى أن الحزب المدعوم من إيران يسيطر أيضا على المعابر الحدودية وله تواجد في المطار.
وأضاف أن المناطق التي يسيطر عليها الحزب في البقاع وضاحية بيروت الجنوبية، أمست ملاذا أمنا لعصابات المخدرات.
وتابع أن "حزب الله يؤمن منطقة آمنة وحماية وتحرك لتلك العصابات على الأراضي اللبنانية لتصدير المخدرات والترويج لها، على نحو لا يؤذي الاقتصاد اللبناني فقط، بل أيضا الشباب اللبناني والمجتمعات العربية والخليجية".
وختم بولس كلامه بتحميل حزب الله مسؤولية انتشار المخدرات في صفوف الشباب وتصديرها للخارج، "لأنه لا يأبه إلا بجني المال على حساب صحة المجتمع وعلاقات لبنان الخارجية".