كان سوريون أجبروا على مغادرة وطنهم بسبب الخوف واليأس من بين العديد من الضحايا والناجين المصابين بصدمات نفسية، إثر انقلاب قارب مهاجرين مكتظ الأسبوع الماضي قبالة ساحل اليونان.
وقال مصدر قانوني يوناني يوم الثلاثاء، 20 حزيران/يونيو، إن 9 مصريين اتهموا بالإتجار بالبشر على خلفية قضية غرق القارب وأعيدوا إلى الحبس الاحتياطي بعد أن نجوا من الكارثة واعتقلوا الأسبوع الماضي في ميناء كالاماتا.
وغرق ما لا يقل عن 82 شخصا وفقد المئات في غرق القارب يوم 14 حزيران/يونيو، في واحدة من أسوأ المآسي التي شهدها شرق البحر المتوسط في السنوات الأخيرة.
ويتحدر الناجون الـ 104 بشكل رئيسي من سوريا ومصر وباكستان. ولم يتضح للسلطات بعد عدد الذين كانوا على متن القارب عندما غرق، وتتراوح التقديرات بين 400 وأكثر من 700 شخص.
وقال أقارب وناشطون إن 141 سوريا على الأقل كانوا على متن القارب الذي انقلب في البحر الأيوني بعد مغادرته ليبيا باتجاه إيطاليا.
وكشف ناشطون في مكتب توثيق شهداء درعا يوم السبت أن 106 راكبا على متن القارب كانوا من جنوبي سوريا ولا سيما من محافظة درعا.
وأكد الناشطون أنه حتى الآن، علم أن 34 منهم فقط نجوا.
وقال إياد وهو من بلدة جاسم بمحافظة درعا لوكالة الصحافة الفرنسية في مكالمة هاتفية يوم السبت إن ابنه علي البالغ من العمر 19 عاما ما يزال في عداد المفقودين.
وذكر أن الشاب كان يبحث عن حياة أفضل في ليبيا وسافر إلى هناك بالطائرة من دمشق.
وأضاف إياد "أخبرنا أنه يريد العمل في مطعم" وكان يخطط لإرسال المال لمساعدة أسرته.
وتابع أن عم علي في ألمانيا سافر إلى اليونان للبحث عن الشاب، لكن "الأمر أشبه بالبحث عن إبرة في كومة قش".
وأردف "بالنسبة لنا إنه مفقود. لم نحزن ولن نحزن حتى نتأكد مما حدث له".
وفي هذا السياق، قال عم ضحيتين أخرتين رفض الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، إن صبيا كفيفا يبلغ من العمر 15 عاما وشقيقته البالغة من العمر 28 عاما من درعا كانا أيضا على متن القارب.
وأضاف "لا أثر لهما وابن أخي أعمى ولا يعرف السباحة"، مضيفا أنهما توجها من دمشق إلى ليبيا في رحلة جوية مباشرة.
وتابع الرجل باكيا "لقد عاش حياة قاسية، سامعا على مدى سنوات أصوات المعارك. عاش في الخوف وعلى الأرجح أنه مات في الخوف أيضا".
ظروف مأساوية في درعا
وكانت محافظة درعا مهد ثورة العام 2011 ضد الرئيس السوري بشار الأسد، لكنها عادت إلى سيطرة النظام عام 2018.
وقال ناشط لوكالة الصحافة الفرنسية طلب عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية، "ليس من المستغرب أن نجد على متن هذا القارب عددا كبيرا من شباب درعا".
وأضاف "لقد فر الشباب والعائلات من درعا بشكل جماعي على مر السنين لأن الوضع المعيشي والأمني هناك لا يطاق أبدا".
وبدوره، أكد الناشط جمعة المسالمة وهو من درعا للمشارق أن "الحزن يسود معظم مدن وبلدات المحافظة إذ يدرك الأهالي أن أفراد عائلاتهم مفقودون أو أنهم لقوا حتفهم".
ولفت إلى أن الكثير من سكان درعا اليائسين فروا من واقع المنطقة المزري حيث فرص العمل قليلة جدا، على الرغم من وعود النظام السوري المتكررة بإحيائها.
وأشار إلى أن العديد من شباب المنطقة أجبروا على الانضمام إلى الميليشيات المدعومة من إيران أو تلك التي تدعمها روسيا بدافع الحاجة المالية، أو أجبروا على التورط في تهريب المخدرات.
وقال المسالمة إن الشباب الذين يختارون الانضمام إلى الميليشيات يخاطرون يوميا بحياتهم، وحتى أولئك الذين يختارون البقاء بعيدا عن هذه الجماعات أو عن شبكات تهريب المخدرات ليسوا آمنين.
ومن جانبه، قال المحامي السوري المقيم في القاهرة طاهر المصري للمشارق إن الجريمة تتزايد في درعا مع تفشي السرقات وانتشار المخدرات.
وأضاف أن الخدمات العامة غير متوفرة ودرعا ليست آمنة، علما أن "الخدمات الأمنية" تركت للميليشيات المحلية التي تتصرف كالعصابات.
التزام بالمساءلة
ويوم الخميس، تعهد الجهات المانحة الدولية بتقديم 5.6 مليار يورو (6.1 مليار دولار) للاجئين السوريين، ولكن شدد الاتحاد الأوروبي على أن ذلك لن يخفف من حدة موقفه من حكومة الأسد.
وتعهد الاتحاد الأوروبي بدفع 3.8 مليار يورو (4.1 مليار دولار) من المبلغ الإجمالي فيما تعهدت الولايات المتحدة بدفع 920 مليون دولار والمملكة المتحدة 150 مليون جنيه استرليني (164 مليون دولار).
وإن المنح التي تم التعهد بها لهذا العام وما بعده مرصودة لمساعدة الدول المجاورة لسوريا بما في ذلك تركيا والعراق والأردن ولبنان والتي تستضيف 5.4 مليون لاجئ سوري، بالإضافة إلى إغاثة ملايين السوريين النازحين في بلادهم.
كذلك، التزمت الجهات المانحة بتقديم مبلغ 4 مليار يورو إضافي (4.3 مليار دولار) على شكل قروض. وتبلغ القيمة الإجمالية للمنح والقروض 9.6 مليار يورو (10.4 مليار دولار).
وفي حين أن كل المساعدات مخصصة لإغاثة السوريين، شدد منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل على أنها لن تذهب إلى حكومة دمشق التي يقودها الأسد.
وأكد أن "سياسة الاتحاد الأوروبي بشأن سوريا لم تتغير".
وتابع "لن نعيد علاقات دبلوماسية كاملة مع نظام الأسد أو نبدأ العمل على إعادة الإعمار حتى توضع عملية الانتقال السياسي الحقيقي والشامل على السكة، وهذه ليست الحال اليوم".
وتابع "علينا أن نبقى ملتزمين بالعدالة والمساءلة عن الجرائم التي ارتكبت خلال أكثر من عقد من الصراع".
يذكر أن الأسد الذي بقي في السلطة بفضل دعم حليفه إيران وروسيا، عاد الشهر الماضي إلى حضن جامعة الدول العربية.
ولكن يعتبر كثيرون أنه بعد أكثر من عقد على إخراج سوريا من جامعة الدول العربية، لا يزال أمامها طريق طويل لقطعه قبل أن تتمكن من ترميم علاقاتها مع دول المنطقة.
دفع أكبر الأثمان
وفي السياق نفسه، قال الناشط نزار بو علي وهو من السويداء للمشارق إن أهالي المحافظات الجنوبية كانوا من أوائل من انتفضوا ضد نظام الأسد ورفضوا مواصلة العيش تحت ظلمه.
وأضاف أن أهالي محافظتي درعا والسويداء يغادرون اليوم وطنهم "دون تردد"، على الرغم من إدراكهم المخاطر الكبيرة التي ستواجههم.
وأوضح أن "هذه المنطقة محرومة كليا من أي مشاريع جديدة لتوفير فرص عمل للشباب، ومحرومة أيضا من أي بنية تحتية جديدة أو حتى من خطط لإصلاح البنى التحتية القديمة".
ولفت إلى أنه في مواجهة قمع النظام السوري المتواصل و"ارتفاع جنوني في الأسعار وتدهور القوة الشرائية"، يعتبر الكثيرون أن الهجرة غير الشرعية هي أفضل خيار لهم.
ولكن عبر سعيهم للفرار من سوريا، دفع الكثيرون أكبر الأثمان.