خففت الميليشيات التي تسيطر عليها إيران في محافظة دير الزور شرقي سوريا من مظاهر وجودها وتوارت عن الأنظار منذ أن أعادت جامعة الدول العربية سوريا إلى عضويتها الشهر الماضي، فأزالت اللافتات والأعلام من مقارها ومواقعها.
ولكن ذكر ناشطون محليون للمشارق أن وجود هذه الميليشيات ما يزال راسخا، واصفين إزالة المظاهر المرئية بأنها مجرد حيلة لتمهيد الطريق أمام عودة بشار الأسد للحضن العربي وليست دليلا على انسحابها.
وكانت بعض الدول العربية قد طالبت بخروج الميليشيات المدعومة من إيران من سوريا كشرط مسبق لإعادة العلاقات مع دمشق، وقد حاول النظام السوري الإيهام بأن الميليشيات الموالية لإيران غادرت دير الزور.
ولكن قال ناشطون محليون إن الميليشيات الإيرانية تقوم في الواقع بتعزيز وجودها.
وبدأت الميليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني في مدن دير الزور والبوكمال والميادين، فعلا بإزالة الأعلام الإيرانية والرايات الخاصة بها منذ فترة، حسبما ذكر الناشط الإعلامي عمار صالح.
وأكد للمشارق أن الأمر تسارع قبيل انعقاد القمة العربية في جدة بالسعودية في 19 أيار/مايو.
ولفت إلى أن إزالة الأعلام بدأت كمحاولة لتمويه المقرات والمرافق العسكرية التابعة لإيران لتفادي الضربات الجوية التي تستهدف مخازن الصواريخ والطائرات المسيرة ومصانعها.
وأضاف صالح أن النظام السوري حاول أيضا إخفاء وجود الميليشيات المدعومة من إيران في الميادين عبر رفع الأعلام السورية على المواقع الإيرانية لإعطاء الانطباع بأن الميليشيات هذه سورية وليست إيرانية.
وفي هذه الأثناء، عززت الميليشيات نقاط التفتيش والتجمعات الخاصة بها في مدينة دير الزور، حيث رفعت مؤخرا سواتر ترابية في محيط المشروع السكني العائد لجمعية الرصافة.
وذكر أن المشروع السكني تحول إلى ثكنة عسكرية للميليشيات ولوحظت تحصينات جديدة داخل وحول قلعة الرحبة في أطراف الميادين.
وأضاف صالح أن الميليشيات الايرانية وإمعانا منها بالكذب، أقامت حواجز أمنية على مداخل المقرات التي تتشاركها مع جنود النظام السوري، ويرتدي عناصرها ملابس عسكرية ويرفعون الأعلام السورية.
وتابع أن "الميليشيات الإيرانية تقوم أيضا بتشديد الرقابة ومنع التصوير".
وكشف أنها "تمنع العناصر من استعمال الهواتف الذكية وذلك في محاولة لمنع تسريب أي معلومات وصور تؤكد استمرار الوجود الإيراني وأنشطته في المنطقة".
صواريخ وذخائر
أما الناشط الإعلامي جميل العبد وأصله من دير الزور، فقال للمشارق إن الميليشيات الموالية للحرس الثوري لم توقف نشاطها في المنطقة.
وأكد أن ما يحدث هو العكس تماما، إذ عززت المناطق التي تستولي عليها بالصواريخ والذخائر، خصوصا في القاعدة العسكرية في قرية حبوبة بين الخفسة ومسكنة شرقي حلب.
لكنه أضاف أن "رايات الميليشيات تناقصت بشكل ملحوظ باستثناء ميليشيا فاطميون التي لا تزال ترفع راياتها على عدد من المراكز".
وأضاف العبد أن إزالة الأعلام الإيرانية ليست إلا "محاولة من النظام للإيحاء بأنه بدأ فعلا باخراج هذه الميليشيات من الأراضي السورية وهو مطلب أجمعت عليه الدول العربية كشرط أساسي لإعادة العلاقات والبدء بعملية التطبيع".
ولكن الواقع على الأرض مختلف.
وأردف أن المحاولة الإيرانية-السورية لإخفاء الوجود الإيراني في المنطقة هي مجرد خدعة فاشلة، لأنه من الممكن مراقبة مراكز الميليشيات عبر الأقمار الاصطناعية كما بإمكان أي شخص تصوير العناصر والمراكز وإرسالها كإثبات على استمرار وجودهم.
خداع النظام السوري
ومن جانبه، اعتبر المتخصص في الشؤون الإيرانية شيار تركو أن الوجود الإيراني في سوريا "أصبح أشبه بالاحتلال".
وقال إن إنزال الأعلام الإيرانية ورايات الميليشيات التابعة للحرس الثوري مجرد واجهة تضليل من تصميم النظام السوري.
وأشار تركو إلى أن "إيران لن تنسحب من سوريا لمجرد عودة الأخيرة إلى جامعة الدول العربية وبدء عمليات التطبيع".
وأضاف أن "إيران توغلت عسكريا وأمنيا واقتصاديا وماليا وتعتبر سوريا نقطة هامة لربط العراق بلبنان لتأمين الطريق بين طهران ولبنان".
وأشار إلى أن النظام السوري عرف منذ توليه السلطة بأنه مخادع، مضيفا أن الكذب السوري بشأن وجود إيران في المنطقة ليس مفاجئا.
ولفت تركو إلى أن إخراج الميليشيات الإيرانية مثل لواء فاطميون والفوج 47 لن يكون سهلا.
وأوضح أن عناصر الميليشيات استقروا في محيط دير الزور وتدمر وحلب وغالبا مع أفراد عائلاتهم الذين انتقلوا إلى سوريا، ما يجعل إخراجهم من الأراضي السورية عملية صعبة للغاية.
وقال إن ذلك يدل على أن الخطة الإيرانية كانت منذ البداية قائمة على الاحتلال، ما يعني أن هذه الميليشيات لن تذهب إلى أي مكان.
وكتب المجلس الأطلسي في 16 أيار/مايو "بغض النظر عن مدى الدعم العربي الذي يحظى به، لا يمكن للأسد الطلب من إيران مغادرة بلاده طوعا".
وتابع أن "مسؤولين إيرانيين رفيعي المستوى وصفوا سوريا بأنها ’المحافظة الإيرانية الـ 35‘ للتشديد على أنهم يعتبرون النشاط المناهض لإيران في سوريا موازيا للاضطرابات الداخلية".