عمّان - تشكل إعادة سوريا إلى عضوية جامعة الدول العربية في 19 أيار/مايو بعد أكثر من عقد من العزلة خطوة مهمة، ولكن الطريق لا يزال طويلا لتحقيق التطبيع الكامل بسبب رزمة من القضايا المحورية تتصدرها العودة الآمنة للاجئين.
فنزح نصف سكان سوريا بحسب أرقام ما قبل الحرب، إلى مناطق داخلية أخرى أو إلى الخارج كنتيجة مباشرة للحرب.
واحتلت قضية اللاجئين الصدارة في اجتماع وزراء خارجية سوريا ومصر والعراق والسعودية والأردن في عمّان يوم 1 أيار/مايو لمناقشة عودة سوريا إلى الحظيرة العربية، وذلك قبيل انعقاد قمة جامعة الدول العربية.
وقالت وزارة الخارجية الأردنية إن القضايا الأخرى المثيرة للقلق ترتبط بالمعتقلين لدى النظام السوري وتورطه في تهريب المخدرات وأنشطة الميليشيات المدعومة من إيران في سوريا.
وفي السنوات الـ 12 التي تلت اندلاع الانتفاضة السورية، فر نحو 5.5 مليون سوري من وطنهم واستقر معظمهم في مخيمات بمختلف أنحاء المنطقة.
وأجبرت التحديات التي يواجهها اللاجئون السوريون في البلدان المضيفة بعضهم على التفكير في العودة إلى وطنهم.
وتشمل هذه التحديات انتهاج سياسات عقابية ووضع قانوني غير سوي وتراجع المساعدات الإنسانية، إضافة إلى إرهاق المجتمع المضيف ووباء فيروس كورونا الذي زاد من زعزعة استقرار اقتصادات البلدان المضيفة.
وقال 9 من أصل كل 10 لاجئين سوريين مما مجموعه 2800 لاجئ سوري شملهم استطلاع رأي أجرته مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين، إنهم عاجزون عن تلبية احتياجاتهم اليومية الأساسية في البلد المضيف.
ومع ذلك، فإن غالبية اللاجئين السوريين لا يميلون إلى العودة إلى وطنهم على المدى القصير، وفقا للمسح الإقليمي السابع للمفوضية حول تصور اللاجئين السوريين ونواياهم بشأن العودة إلى سوريا.
وأعرب كثيرون عن مخاوفهم بشأن الوضع الأمني في سوريا ونقص الخدمات الأساسية والقدرة على إعادة بناء حياتهم وإعالة أسرهم.
ولفت المركز السوري للإعلام وحرية التعبير إلى أن "استمرار التدهور الاقتصادي تضاف إليه تداعيات انتشار وباء كوفيد-19 في جميع أنحاء البلاد وزلزال شباط/فبراير، هي عوامل فرضت مجموعة جديدة من التحديات على الحياة اليومية للسكان المدنيين [في سوريا]".
هل سوريا آمنة للعودة؟
وجاء في بيان المركز أنه "على الرغم من عدم وجود نزاع نشط في بعض المناطق منذ عام 2018، إلا أنه لا تزال هناك مخاطر كبيرة تهدد العائدين، بينها الاعتقال التعسفي والاختفاء والتجنيد القسري والابتزاز والمضايقة".
ومن بين التحديات الأخرى غياب قدرة الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم والمياه النظيفة.
ولا تزال الألغام الأرضية غير المنفجرة وغيرها من مخلفات الحرب تشكل أيضا مصدرا للقلق.
وأوضح المركز السوري للإعلام وحرية التعبير أن "العائدين يحتاجون إلى المساعدة في استصدار الوثائق الرسمية وتسجيل المواليد الجدد، فضلا عن إعادة الموظفين المفصولين وتسهيل عودة الطلاب إلى الجامعات وتعزيز التمكين الاقتصادي وآفاق العمل".
وفي هذا السياق، قال المحلل والخبير العسكري السوري إسماعيل أيوب للمشارق إن تحقيق عودة آمنة للسوريين خطوة صعبة.
وأوضح أنه "إذا أُجبر السوريون على العودة في ظل الظروف الراهنة، فإن مصيرهم سيكون غامضا".
وشدد على ضرورة وضع "خطة شاملة تعالج المخاوف الأمنية للشعب السوري وتهيئ له بيئة مستقرة ليعود بأمان".
وفي الأشهر التسعة الأولى من عام 2022، اختار نحو 38 ألف و400 شخص العودة إلى سوريا، مع توقع استمرار انخفاض نسبة عودة اللاجئين من الدول المجاورة.
وكشف استطلاع الرأي الذي أجرته المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، أن 90 في المائة من اللاجئين السوريين لا يستطيعون تلبية احتياجاتهم الأساسية في الدولة المضيفة. وبينما أعرب 58 في المائة منهم عن رغبتهم في العودة إلى سوريا، فإن 1.7 في المائة فقط خططوا فعليا للعودة خلال الأشهر الـ 12 المقبلة.
وأشار أيوب إلى أن معظم السوريين الراغبين في العودة هم من كبار السن، ومن غير المألوف العثور على شباب يعربون عن استعدادهم للعودة، حتى بين المحتاجين منهم.
وأوضح أن "هذا التردد يعود إلى المخاطر المحتملة التي قد يواجهونها، مثل التحقيق والقمع".
لا ضمانة لتأمين السلامة
وفي حديثها للمشارق، قالت امرأة تبلغ من العمر 55 عاما وتعيش في مخيم الزعتري للاجئين في الأردن منذ عقد من الزمن مع نحو 80 ألف سوري آخر، إنها تتذكر بوضوح كيف غادرت مسقط رأسها في ريف دمشق.
وتابعت معرّفة عن نفسها باسم أمينة، أن الهرب كان على ما يبدو الخيار الوحيد، مضيفة أن همها الوحيد عندما غادرت كان أن تبعد نفسها قدر الإمكان عن إراقة الدماء.
وأكدت "لم يكن لدي أي نية للعودة على الإطلاق. فقد كان الموت في كل مكان".
وعلى الرغم من محاولتها العثور على أماكن أكثر أمانا داخل سوريا، إلا أن التهديد المستمر أجبرها على اتخاذ قرار مغادرة وطنها نهائيا.
وتابعت "استقبلنا الأردن بأذرع مفتوحة ونحن ممتنون للإنسانية والرحمة التي أظهرهت لنا".
ولكن تبقى مسألة العودة إلى سوريا قرارا صعبا لأمينة وللعديد من السوريين الآخرين.
وقالت "عندما أفكر في المخاطر والتحديات، أصبح مترددة".
ويشاركها المخاوف نفسها محمد اللاجئ السوري المقيم في عمّان والذي يعمل في مجال الحلاقة.
وقال محمد "لا نعرف ما الذي ينتظرنا هناك، فالوضع ما يزال غير مستقر داخل سوريا"، طالبا عدم ذكر اسمه الكامل.
وأعرب عن رغبته بالعودة وإعادة بناء منزل والديه، لكن الشكوك بشأن العودة الآمنة ما تزال تسيطر عليه.
وأوضح "من سيضمن لنا عودة آمنة؟"، مؤكدا شعوره بالقلق من أن يتم القبض عليه لفراره من الخدمة العسكرية.
لا عودة حتى تصبح سوريا آمنة
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، أعرب وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن من جديد عن امتنانه للأردن لاستضافته اللاجئين السوريين.
وجدد موقف الولايات المتحدة "بأن على سوريا أن تهيئ الظروف المؤاتية، بما في ذلك تحسين وضع احترام حقوق الإنسان بشكل كبير يحفز اللاجئين على العودة بطريقة آمنة وطوعية وكريمة".
وحذرت عدة تقارير لهيومن رايتس ووتش من المخاطر والمخاوف المتعلقة بالسلامة للاجئين العائدين من لبنان والأردن.
وبحسب أيوب، لن تتحقق العودة الآمنة للسوريين ما لم يتم تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 الصادر في كانون الأول/ديسمبر 2015.
ويدعو القرار إلى وقف إطلاق النار وإجراء تسوية سياسية في سوريا ويصف خارطة الطريق لتحقيق الانتقال السياسي فيها ويسلط الضوء أيضا على ضرورة توفير العودة الآمنة للاجئين وإعادة تأهيل المناطق التي سيعودون إليها.
ولكن اعتبارا من العام 2023، لم يتم إحراز أي تقدم حقيقي باتجاه تنفيذ القرار الأممي.
ووفقا للمركزالسوري للإعلام وحرية التعبير، لن يحدث ذلك إلا عندما تشرف المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة بنفسها على العملية برمتها، ومن الممكن أن تقوم بذلك تحت مظلة مهمة تحقق.
وجاء في البيان أن "التعاون الكامل من الدولة السورية وجميع الأطراف المعنية أمر بالغ الأهمية، ويطال ذلك منح الموظفين الدوليين حق الوصول غير المقيد وحرية الحركة والوضع القانوني اللازم للقيام بواجباتهم بشكل فعال كمحققين ومستشارين ومتابعين ومراقبين".
وأكدت أمينة أن اللاجئين في مخيم الزعتري ما يزالون يروون قصصا لأطفالهم عن سوريا.
وأردفت "ولد أطفالنا في المخيم وهم لا يعرفون شيئا عن سوريا".
يُذكر أن مخيم الزعتري الذي سجل فيه أكثر من 25 ألف ولادة منذ العام 2012، تحول إلى مدينة عشوائية في وسط الصحراء قد تكون وجدت لتبقى.
وعلى الرغم من أن أمينة لا تنوي العودة إلى سوريا راهنا، إلا أنها تشعر بالحاجة لأن تشرح لأطفالها أن البقاء في المخيم ليس خيارها.
وختمت قائلة "سنعود عندما تهدأ الأمور. قد يستغرق الأمر سنوات، من يدري. سنعود، لكن ليس قبل أن تصبح سوريا آمنة".
لا يعيش معظم اللاجئين السوريين في مخيمات. في لبنان، منعت الحكومة مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين من تسجيل المزيد من اللاجئين في عام 2015. ولا تزال سوريا تحت سيطرة نظام وحشي ولا تزال موبوءة بالمافيا وترتكب فيها القوات الإيرانية والروسية جرائم بدون عقاب.
الرد1 تعليق