لطالما حلم النظام الإيراني بإنشاء خط سكك حديد يربط ميناء الإمام الخميني الإيراني بميناء اللاذقية السوري عبر العراق، ويزيد من نفوذه السياسي والعسكري والاقتصادي في المنطقة.
ولكن لم يتحقق حتى الآن هذا المخطط الكبير الذي يبدو لإيران قابلا للتنفيذ على الورق غير أنه سيكون صعب التنفيذ.
فمنذ طرح الفكرة لأول مرة في عام 2016 من قبل يحيى رحيم صفوي كبير المستشارين العسكريين للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي ومساعده، قوبلت باعتراضات عديدة خصوصا من العراق.
ولكن استؤنف النقاش حول فكرة بناء خط سكك الحديد في الأسابيع الأخيرة، عندما أثير الموضوع مجددا لدى زيارة وفد إيراني برئاسة وزير الطرق والتنمية الحضرية الإيرانية مهرداد بزرباش دمشق في أواخر نيسان/أبريل الماضي.
ووصف وزير النقل السوري زهير خزيم مشروع ربط وتكامل السكك الحديدية المقترح بأنه "أهم" الوسائل لتعزيز التعاون بين إيران وسوريا، بحسب وكالة مهر للأنباء.
وأشار إلى أن ربط شبكة السكك الحديدية السورية بخطوط السكك الحديدية الإيرانية والعراقية سيوسع التعاون الثنائي في مجال التجارة والنقل، مضيفا أن سوريا مستعدة لتأسيس شركة نقل مشتركة مع إيران.
وناقش الوزيران أيضا زيادة الرحلات الجوية بين سوريا وإيران، حسبما أوردت صحيفة عرب نيوز.
وذكرت وسائل إعلام رسمية سورية أن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي والرئيس السوري بشار الأسد وقعا في 3 أيار/مايو مذكرات تفاهم بشأن "التعاون الاستراتيجي طويل الأمد الذي يشمل النفط والطيران والسكك الحديدية والزراعة".
ومن جهة أخرى، اتفقت شركة سكك حديد الجمهورية العراقية وشركة سكك الحديد الإيرانية في 7 أيار/مايو، على إنشاء خط سكك حديد بين مدينة الشلامجة بمحافظة خوزستان الإيرانية وميناء البصرة العراقي، حسبما أفاد موقع كاسبيان نيوز.
ومن المتوقع أن تبدأ قريبا أعمال البناء على هذا المسار البالغ طوله 32 كيلومترا والذي سيربط إيران بشبكة السكك الحديدية في العراق ليصل في النهاية من هناك إلى سوريا والأردن.
ولكن قبل إطلاق هذا المشروع لا بد من إزالة الألغام على طول المسار، إضافة إلى استكمال دراسات البنية التحتية للسكك الحديدية بما في ذلك جسر متحرك فوق شط العرب.
معارضة خطة سكك الحديد
وفي هذا السياق، قال مسؤولون ومحللون عراقيون تحدثوا إلى المشارق إنهم لا يؤيدون مشروع بناء سكك الحديد، لأنه يتعارض مع المصالح الاستراتيجية للعراق ولن يفيد سوى إيران.
أما في سوريا، فقد اعتبر ناشط معارض واحد على الأقل زيارة الرئيس الإيراني إلى دمشق بمثابة تصرف آخر يؤكد الاستعمار الإيراني للبلاد، حسبما ذكرت قناة الجزيرة في 3 أيار/مايو.
وقال الناشط السوري عبد الكافي الحمدو للوسيلة الإعلامية إن إيران "تستعمر [سوريا] منذ سنوات، حتى قبل الثورة".
وأضاف أنها "أكدت استعمارها للبلاد خلال الثورة، وكانت ترسل المقاتلين والمال والعتاد لمساعدة الأسد في الحفاظ على مركزه".
وقال محللون إن مساعي الحكومة الإيرانية لبناء ممرات النقل والسكك الحديدية تترسخ في طموحات إيران العسكرية والاستراتيجية والاقتصادية، وتهدف كلها إلى توسيع رقعة نفوذها الإقليمي.
وفي الإطار نفسه، قال المحلل السياسي عبد القادر النايل في حديثه للمشارق إن مشروع سكك الحديد يحمل تداعيات سلبية خطيرة على المنطقة.
وأوضح أن إيران تسعى لاستخدام سكة الحديد هذه لزيادة نفوذها وحضورها العسكري في المنطقة، مع انتهاك أمن بلدانها وسيادتها.
وأكد أن "لدى الإيرانيين خطة لتشغيل السكة الجديدة بدون محطات توقف لنقل البضائع التجارية دون رقابة أو تفتيش".
وأضاف أن الطريق سيستخدم "لشحن الأسلحة سرا إلى أعضاء ميليشياتهم في سوريا ولبنان وإلى دول أخرى عبر البحر المتوسط"، مشيرا إلى أن إيران تسعى أيضا إلى نقل مقاتلين تابعين لها إلى جميع أنحاء المنطقة.
ورجح النايل أن يكون الحرس الثوري الإيراني يعتزم استخدام سكة الحديد لنقل المخدرات التي تشكل بالنسبة له مصدرا رئيسا للدخل.
وشدد على أن إيران قد تحاول نشر أذرعها المسلحة في المناطق التي يمر بها خط سكك الحديد من البصرة على الخليج العربي، وصولا إلى مدينة القائم الحدودية مع سوريا.
خدمة مصالح إيران والصين
وأشار النايل الى أن إيران تسوّق لخط سكك الحديد على أنه مجرد مشروع تجاري يعزز التعاون الاقتصادي الإقليمي، لكنه في الحقيقة يحمل في طياته أبعادا سلبية مختلفة كليا بالنسبة للعراق والمنطقة.
وذكر أن من شأن سكة الحديد إلحاق ضرر كبير بمشروع ميناء الفاو الكبير في البصرة والذي يطمح العراق لأن يكون مركزا عالميا لنقل البضائع عبر أراضيه باتجاه تركيا وأوروبا.
وأوضح النايل أن هذا المشروع قد يدفع الأعمال والعائدات بعيدا عن مشروع الفاو الذي من المتوقع أن يدر عائدات للعراق من خلال الرسوم الجمركية والضرائب.
ولفت إلى أن مشروع سكة الحديد الإيراني المقترح يتعارض أيضا مع "مشروع المشرق الجديد" وهو طريق بري واعد يربط العراق بالأردن ومصر.
ويؤمل بأن يعزز هذا الطريق حركة التبادل التجاري والسفر بين البلدان الثلاثة ويدعم اقتصاداتها وخطط التنمية فيها.
وفي المقابل، ذكر النايل أن مشروع سكك الحديد الإيراني لا يخدم سوى مصالح وأجندات إيران والصين، إذ أن الصين تعوّل عليه ليكون جزءا أساسيا من "مبادرة الحزام والطريق" التابعة لها والمعروفة أيضا باسم حزام واحد طريق واحد.