أكد عسكريون إماراتيون أن الوثائق الاستخبارية المسربة التي تشير إلى أن الصين استأنفت عمليات البناء في ميناء بدولة الإمارات حيث تفيد المعلومات أنها تبني منشأة عسكرية سرية، هي وثائق دقيقة.
وكانت الأخبار التي تتحدث عن بناء الصين منشأة عسكرية سرية في ميناء خليفة قد ظهرت للمرة الأولى في تشرين الثاني/نوفمبر 2021، إذ أوردت صحيفة وول ستريت جورنال أن الولايات المتحدة كانت على دراية بهذا النشاط قبل نحو عام.
وقد بدا أن الإنشاءات قد توقفت في وقت نشر صحيفة وول ستريت جورنال لتقريرها، لكن وفق التسريب الاستخباري الجديد والمعلومات التي تم الحصول عليها من ضباط عسكريين إماراتيين على دراية بالوضع، فقد استأنف عمليات البناء هذه منذ ذلك الحين.
وكانت صحيفة واشنطن بوست قد نقلت في 26 أبريل/نيسان عن وثائق استخبارية مسربة أن أجهزة التجسس الأميركية كشفت في كانون الأول/ديسمبر الماضي عن أعمال بناء في منشأة عسكرية صينية مشتبه بها في الإمارات العربية المتحدة.
وأكد عسكريون إماراتيون تحدثوا للمشارق، استئناف أنشطة الإنشاءات والوجود العسكري الصيني في الإمارات.
وأشاروا أيضا إلى فرض قيود غير عادية على دخول غير الصينيين إلى محطة الحاويات التي كانت الصين تطورها في الطويلة بالمنطقة المجاورة لميناء خليفة.
وفي كانون الأول/ديسمبر 2018، أبرمت شركة موانئ أبو ظبي اتفاق امتياز مدة 35 عام مع شركة كوسكو لتشغيل وتطوير محطة حاويات تجارية في ميناء خليفة.
وتشير تقارير الاستخبارات إلى أن الصين تستخدم أنشطة تجارية مشروعة لإخفاء أنشطتها العسكرية في الميناء وموانئ أخري في مناطق رئيسة.
وتشير كذلك إلى أن عملية تطوير الميناء الإماراتي تأتي في إطار خطة أوسع لتمديد الهيمنة الصينية في المناطق ذات الموقع الاستراتيجي وتسهيل الوصول إلى المنطقة، وذلك عبر موانئ تمتد من بحر الصين الجنوبي إلى قناة السويس.
مخاوف من التجسس
وكان عضو كونغرس أميركي قد دق مؤخرا جرس الإنذار بشأن أنشطة المراقبة الصينية المحتملة في الإمارات العربية المتحدة، وذلك وفقا لصحيفة رول كول التابعة للكونغرس.
وقال عضو مجلس النواب الأميركي رجا كريشنامورثي إن بيجين عرضت تحديث البنية التحتية للاتصالات في الإمارات بمعدات الجيل الخامس التي يصنعها عملاق الاتصالات الصيني، هواوي.
وصرح للصحيفة أن "أجراس الإنذار تدق لأننا نعرف أن البنية التحتية لهواوي تعطي الحزب الشيوعي الصيني بابا خلفيا للوصول إلى البيانات المهمة حول المستخدمين على الشبكة".
وقالت مصادر عسكرية إماراتية للمشارق إن محطة الحاويات الصينية تشكل تهديدا طويل الأمد لأنها توفر منصة محتملة لأنشطة التجسس.
وفي هذا الإطار، قال ضابط بارز في الجيش الإماراتي "في الظاهر، تبدو المنطقة التجارية الصينية في ميناء خليفة محطة للحاويات ومحطة ترانزيت للبضائع الصينية، لكن الحقيقة غير ذلك إطلاقا".
وأضاف شريطة عدم الكشف عن هويته أن أعمال البناء توقفت لفترة قصيرة فقط وتم استكمالها من جديد مع ملاحظة النشاط بالعين المجردة.
ولفت إلى أنه حتى الشركات المدنية غير المملوكة من الجيش الصيني، تخضع لسيطرة الجيش الصيني بشكل مباشر وهي ملزمة بتقديم كل المعلومات التي تحصل عليها بالإضافة إلى تنفيذ أي أوامر من القيادات العسكرية.
بدوره، قال الضابط المتقاعد في الجيش الإماراتي عبد الله العامري في حديث للمشارق، إنه لا يتوقع أن تنشئ الصين "قاعدة عسكرية بالمفهوم التقليدي في الإمارات، بل ستقوم بإنشاء مركز مراقبة أمني يراقب منطقة الخليج".
وأضاف أن ميناء خليفة يتمتع بموقع استراتيجي للقيام بأنشطة مراقبة عسكرية ومدنية، مع أن القيام بعمليات تجسس محفوف بالمخاطر.
وأوضح أن مراقبة التحركات العسكرية للولايات المتحدة الأميركية وحلفائها من مناطق قريبة من عملياتهم "من الممكن أن يؤدي إلى نتائج وخيمة".
ولفت العامري إلى أن التقارب الصيني مع إيران "يضع بشكل دائم الإمارات وباقي دول الخليج تحت الخطر".
وتابع أن هذا الأمر سيكون مثيرا للقلق على نحو خاص إذا سمح لإيران باستعمال منشآت الميناء الصينية في الإمارات، مشيرا إلى أن الزوارق الإيرانية الموجودة في مياه الخليج دأبت على التحرش بصورة روتينية بالسفن الحربية والتجارية.
وذكر أن إيران الآن "سيكون لها ظهير مساند من الداخل، أي عبر محطات المراقبة الصينية، وهو ما سيعيق عمل أي قطع عسكرية هدفها الدفاع عن السواحل والمياه الإماراتية".
وأشار أيضا إلى أنه عند اكتمال أعمال بناء هذه المنشأة الصينية، سيكون للصين "مساحة لا بأس بها لممارسة أعمالها خارج الحدود، كأعمال الاعتقال والإخفاء بالإضافة إلى أعمال التجسس".
محاولات الصين للتمدد
من ناحيته، قال الضابط السابق في الإدارة العامة لمكافحة المخدرات في دبي العقيد راشد محمد المري، إن المنطقة التي استحوذت عليها شركة كوسكو الصينية في ميناء خليفة هي منطقة شبه محظورة على غير الصينيين.
وأضاف في حديث للمشارق أنه "حتى عناصر الأمن والجمارك الإماراتيين لا يملكون الصلاحيات التي تتيح لهم التجول وإجراء عمليات التفتيش الروتينية"، على غرار باقي المناطق التجارية في ميناء خليفة الإماراتي.
وذكر أنه قد تنامى إلى علمه أن العقد مع الشركة ينص على الاستعانة بالعمالة الصينية بشكل رئيس، وكذلك الأمر بالنسبة لأعمال المراقبة والحراسة، وهو أمر "يعتبر شاذا وغريبا مع دولة مثل الصين".
وأوضح أنه يوجد في الإمارات أكثر من 4500 شركة ووكالة صينية، "وبالتالي فان هذه الأرقام تتيح للصين وجود عدد كبير من الصينيين في الموقع".
واستدرك المري أن "شركة كوسكو والتي بات معروفا بأنها واجهة للتمدد الصيني لها محطات أخرى في المنطقة، مثل مصر وغيرها من البلدان، ويتيح لها ذلك لعب دور استراتيجي بالنسبة لسياسة التوغل الصيني".
إلى هذا، كانت أنشطة الشركة الصينية في الموانئ العالمية الأخرى محط اهتمام الأخبار هذا الأسبوع، حيث وافقت الحكومة الألمانية يوم الأربعاء، 10 أيار/مايو، على السماح لشركة كوسكو بشراء حصة في أحد موانئ هامبورغ.
فقد أعطت الحكومة الألمانية على نحو مثير للجدل موافقتها في تشرين الأول/أكتوبر لعملاق الشحن المملوك للحكومة الصينية لشراء ما يصل إلى 24.9 في المائة في محطة توليرورت في هامبورغ، حسبما أوردت وكالة الصحافة الفرنسية.
وجاء ذلك رغم المخاوف الأمنية بشأن بيع البنية التحتية لمستثمرين صينيين.
وكانت الشركة الصينية قد سعت في البداية لشراء حصة 35 في المائة بالميناء قبل الإعلان عن التوصل لاتفاق حل وسط.
وكانت ألمانيا تعيد تقييم علاقتها الاقتصادية مع الصين وسط مخاوف بشأن سجلها في حقوق الإنسان وعلاقاتها مع روسيا، وأيضا بشأن تصعيدالتوترات بشأن تايوان.
وفي تشرين الثاني/نوفمبر، منعت ألمانيا بيع شركتين متخصصتين في تصنيع الرقائق لمستثمرين بسبب مخاوف أمنية حول التكنولوجيا الرئيسة.