يقوم النظام السوري بحملة تضليل إعلامية تسعى لإلقاء اللائمة على جهات أخرى في أزمة الاقتصاد والطاقة، حتى في ظل استفادة حلفائه من استغلال الموارد الطبيعية المحلية.
وقال مراقبون سوريون للمشارق إنه في ظل معاناة المواطنين من نقص الوقود، يبقى النظام السوري وحلفاؤه، بما في ذلك الميليشيات المدعومة من روسيا والتابعة لإيران، المستفيدين الأساسيين من الثروة النفطية المتبقية في البلاد.
وفي مسعى للاستثمار في قطاع النفط والغاز، أبرم النظام عددا من العقود مع شركات إيرانية وروسية، بينها بعض الشركات المرتبطة بمجموعة مرتزقة روسية.
ولكن مع تسبب نقص النفط في شل البلاد، سعت وسائل الإعلام التابعة لدمشق كما كان متوقعا إلى توجيه اللوم لخصوم النظام.
فاتهمت الولايات المتحدة بنشر قوات حول الحقول النفطية السورية، ما يحرم السوريين من هذه المادة الطبيعية، وادعت أن العقوبات الأميركية دفعت البلاد إلى الفقر.
وقال سوريون مطلعون على الوضع للمشارق إن هذا الأمر غير صحيح.
وذكر فرهاد خوجة، وهو أحد ضباط قوات سوريا الديموقراطية (قسد)، أن كمية النفط المستخرجة التي تديرها الإدارة الكردية المتحالفة مع الولايات المتحدة ليست حتى كافية لتلبية احتياجات قوات قسد أو المدنيين في المنطقة.
وأشار إلى أن نقص الوقود مثير للغضب بشكل خاص للشعب السوري، ذلك أن البلاد تضم موارد طبيعية وفيرة.
وتابع أن من الواضح أيضا أن نظام بشار الأسد مسؤول عن الانهيار الاقتصادي في البلاد وتراجع قيمة العملة والنقص الحاد في المستلزمات الأساسية.
إنتاج غير كاف
وبدوره، قال أيمن الصفدي، وهو مهندس صيانة للمنشآت البترولية كان يعمل سابقا في دير الزور، إن إنتاج سوريا من النفط قبل الحرب كان يبلغ حوالي 400 ألف برميل يوميا، ولكنه تراجع بصورة كبيرة خلال السنوات الماضية.
وأوضح للمشارق أن غالبية الآبار النفطية الأساسية في البلاد موجودة في شرقي سوريا حيث كانت تعمل الشركات العالمية.
وقال إنه مع بعد مرور 12 سنة على اندلاع الحرب، لحقت أضرار كبيرة بالعديد من الآبار النفطية ولم يتم إصلاحها، وبالتالي تدنى عدد الآبار الشغالة بصورة ملحوظة.
وأضاف أنه في هذه الأثناء، سيطرت الجماعات المسلحة على عمليات استخراج النفط واستفادت منها.
وذكر أن النفط الذي يتم استخراجه حاليا غير كاف لتلبية احتياجات المواطنين، بما في ذلك تأمين الكهرباء والمحروقات للآليات والجرارات الزراعية.
ولفت إلى أن النقص ملحوظ بشكل حاد في شمالي وشرقي سوريا.
ومن جانبه، قال الخبير الاقتصادي السوري والأستاذ المحاضر في جامعة دمشق محمود مصطفى إن البيانات الحكومية السورية تفيد بأنه كان يتم عام 2022 إنتاج حوالي 80 ألف برميل من النفط يوميا، ولكن لم يكن يصل إلى مصافي البلاد إلا نحو 14.5 ألف برميل.
ولفت إلى أن الأرقام التي نشرتها الحكومة السورية هي تقديرية، ذلك أن هذه الأخيرة لا تمتلك أية قدرة على مراقبة كميات النفط المستخرجة في مناطق شمال وشرق سوريا.
وذكر أن النظام السوري قد حاول صرف اللوم عنه في مسألة أزمة الاقتصاد والطاقة بالبلاد، وذلك عبر إطلاق اتهامات لا أساس لها ضد الولايات المتحدة وحلفائها عن قيامها بمصادرة كمية النفط المتبقية.
ووصف خوجة الضابط في قوات قسد اتهامات النظام بأنها "مثيرة جدا للسخرية".
استخراج النفط
وقال مصطفى إن الحكومة السورية لم تشمل في الأرقام التي نشرتها آبار النفط العديدة التي تعمل وتخضع لسيطرة روسيا وإيران مثل آبار الورد والتيم والحمار والحسيان.
ولفت إلى أنه يتم إنتاج 2500 برميل يوميا في حقل التيم وحده الذي تديره روسيا.
وأكد أن أرقام الحكومة السورية غير صحيحة على الإطلاق وتعتبر التقديرات المتدنية جزءا من حملات التضليل الإعلامية التي يشنها النظام ضد التحالف الدولي وشركائه على الأرض.
وأضاف مصطفى أن روسيا أبرمت مع النظام في الآونة الأخيرة العديد من عقود تنقيب واستخراج النفط في مناطق عدة من سوريا، ولا سيما بالقرب من دمشق وفي منطقة الصحراء الشرقية (البادية) قرب تدمر بالإضافة إلى مناطق الساحل.
ولكنه أشار إلى أنه لا يتم الإفصاح عن كمية النفط المستخرجة نتيجة تلك العقود، كما أنه لم يتم شملها في الأرقام الحكومية التي نشرت مؤخرا.
وكانت صحيفة الشرق الأوسط قد ذكرت في تشرين الثاني/نوفمبر 2022 أنه بعد التدخل الروسي العسكري في سوريا أواخر عام 2015، وقع النظام السوري عقودا مع شركات روسية للاستثمار في قطاعي النفط والغاز في سوريا والمياه الإقليمية التابعة لها.
وتعاقدت دمشق أيضا مع شركة إفرو بوليس المرتبطة برجل الأعمال الروسي ورئيس مجموعة فاغنر يفغيني بريغوزين، وذلك من أجل حماية منشآت النفط والغاز الطبيعي مقابل 25 في المائة من العائدات.
ولا يستبعد مصطفى أن تستمر حملة التضليل الإعلامية للنظام السوري بهدف تسهيل دخول وتحرك الشركات الروسية في المنطقة.
ولفت إلى أن الصين تأخذ هذا المنحى أيضا، في حين تبتعد الشركات العالمية الكبرى عن الاستثمار في قطاع النفط السوري.