عمّان -- تقوم سارة نائل في كنسية أردنية بخياطة قميص لصالح مشروع زوّد عشرات النساء اللواتي هربن من أعمال عنف تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في دولة العراق المجاورة، بالمهارات اللازمة لكسب لقمة العيش.
وفر العديد من النساء من أعمال العنف الوحشية التي مارسها عناصر داعش عندما أعلن التنظيم عن "خلافته" المزعومة في أراض شاسعة بالعراق وسوريا.
وانتهى بهن الأمر في الأردن، حيث وجدن أنفسهن بدون فرص عمل.
وقالت نائل، وهي مواطنة مسيحية تبلغ من العمر 25 عاما وأصلها من بلدة قرقوش شمالي العراق والتحقت بمشروع رافدين للخياطة منذ سنتين، "الحياة هنا بالغة الصعوبة، وإذا لم نعمل لا نستطيع أن نعيش".
وأطلق المشروع عام 2016 على يد الكاهن الإيطالي ماريو كورنيولي إلى جانب مصممين وخياطين إيطاليين، ويقع مقره في كنيسة القديس يوسف الكاثوليكية بعمّان.
وينتج المشروع فساتين وسترات وأحزمة وربطات عنق تباع في عمّان وإيطاليا.
ويوفر للاجئين الذين لا يملكون بمعظمهم تراخيص عمل، طريقة لكسب لقمة العيش إلى جانب المساعدات التي يحصلون عليها من الأمم المتحدة.
وأكدت نائل "إنه مكان آمن"، علما أنه تم تعليمها كيفية خياطة الملابس من القماش والجلد في حين يساعدها شقيقها في مطبخ الكنيسة.
مساعدة الناس بكرامة
وبحسب تقرير صدر عام 2018 عن أندفر جوردان، تقف تحديات كبرى في وجه تعزيز مشاركة النساء في قطاع الأعمال بالأردن.
وتستمر التحديات المرتبطة تحديدا برائدات الأعمال في الحد من دورهن في اقتصاد ريادة الأعمال، مع أن عدد النساء في الأردن بلغ 4.7 مليون نسمة عام 2017 أي ما يساوي 47.1 في المائة من السكان.
وأشار التقرير إلى أن "ربع رواد الأعمال فقط هم من الإناث".
وتحول عدد من اللاجئات إلى مشاريع إعداد الطعام في المنازل من أجل تأمين لقمة العيش، رغم أن المنافسة في المجال العمل هذا تعد شرسة.
واستفادت أكثر من 120 امرأة من مشروع رافدين حتى اليوم.
وقال كورنيولي الذي يدير مؤسسة حبيبي فالتيبيرينا، وهي جمعية خيرية في الأردن، "نحاول مساعدتهن بكرامة. وإن كثيرات منهن يعتبرن الوحيدات اللواتي يعملن في أسرهن".
وفي مبنى الكنيسة، تصطف على الطاولات لفائف قماش ملونة بانتظار قصها.
وعبّر كورنيولي عن أمله في أن تصبح علامة رافدين للتصاميم معروفة على نطاق واسع، علما أن هذا الاسم التاريخي يشير إلى العراق بين دجلة والفرات.
ويكمن الهدف في جعل المشروع يتميز "باستدامة ذاتية" لتأمين المزيد من التدريب للنساء المحتاجات.
يُذكر أن تنظيم داعش طرد من الأراضي التي كان يسيطر عليها في العراق في أواخر العام 2017 على يد قوات التحالف الدولي.
ولكن لا يزال العديد من اللاجئين في الأردن متخوفين من العودة. وينتظر كثيرون معالجة طلبات اللجوء التي قدموها لبلدان أخرى.
وأوضح كورنيولي أن "هذا المشروع سمح لهن بالعمل والاستمرار في هذه المرحلة. وهن ببساطة بانتظار وقت المغادرة".
ʼفرصة للتعلمʻ
وكانت نائل قد عادت مع عائلتها إلى ديارها في العراق بعد أن ألحقت الهزيمة بداعش في 2017، ولكنهم غادروا مجددا بعد تعرضهم لتهديدات مجهولة ووجدوا الأمان في نهاية المطاف في عمّان.
وتم رفض طلباتهم باللجوء إلى أستراليا.
وأوضحت نائل "والدي كبير في السن وأمي مريضة بالسرطان"، مضيفة أن فكرة العودة إلى العراق غير واردة. "لم يعد لدينا شيء هناك".
وفي السياق نفسه، عملت ديانا نبيل، 29 عاما، كمحاسبة في العراق قبل الهروب إلى الأردن عام 2017 مع أهلها وعمتها أملا بالالتحاق بشقيقتها في أستراليا.
وخلال فترة انتظارها، درست كيفية خياطة القماش والجلد.
وذكرت "يساعدنا بعض أقاربنا ماليا وأحيانا تساعدنا الأمم المتحدة قليلا. مع عملي هنا نتدبر أمورنا".
وقال كورنيولي إن المشروع يقدم "فرصة تعلم شيء ما"، مشيرا إلى "قصص نجاح" بعض النساء اللواتي غادرن الأردن ووجدن عملا في أستراليا وكندا والولايات المتحدة.
ومن جانبه، قدّر وائل سليمان مدير منظمة كاريتاس الكاثوليكية في الأردن أن البلاد تستضيف ما يصل إلى 13 ألف لاجئ مسيحي عراقي.
وأوضح "يأملون باللجوء إلى بلد ثالث، لكن في ضوء الوضع وما يجري في العالم، تبدو الأبواب موصدة أمامهم".
وتابع "هم يخافون المستقبل ولا أحد يمكنه أن يلومهم على ذلك".