بيروت -- مع انصراف الانتباه الدولي بعيدا عن سوريا وسط الحرب الروسية في أوكرانيا، كثف حزب الله والحرس الثوري الإيراني سرا عمليات شراء العقارات في المناطق التي لها قيمة استراتيجية بالنسبة إليهما.
وذكر ناشطون ومالكو عقارات أن حزب الله التابع لإيران يخفي دوره عبر استخدام سماسرة سوريين متواطئين مع مخططه، ويقوم بشراء أو مصادره الممتلكات في مسعى منه لإحداث تغير ديمغرافي.
ويقوم الحزب بشراء الأراضي التي تعود إلى سوريين هم بحاجة إلى بيعها للضرورة المادية وإلى نازحين ومن الذين أخلوا ممتلكاتهم وهربوا من البلاد خلال الهجوم السوري والروسي.
واختار بعض السوريين الذين لديهم ممتلكات في مناطق مرغوب بها من الحزب بيع فللهم وأراضيهم على مضض للحصول على بعض المال منها عوضا عن مصادرتها مباشرة من قبل النظام أو الميليشيات الإيرانية.
مجبرون على بيع منازلهم
ومن بين من يواجهون هذا الوضع، عائلة أصلها من مدينة معضمية الشام التي تقع عند الأطراف الجنوبية-الغربية لدمشق وقد استقر أفرادها منذ سنوات في لبنان.
وقال أحد أفراد العائلة متحدثا شريطة عدم ذكر هويته إن العائلة كانت تملك مبنى مؤلفا من 4 طوابق في معضمية الشام.
وأوضح "لم نفكر يوما أننا سنضطر للبيع"، مضيفا أن العائلة أجبرت على اتخاذ هذه الخطوة كونها لم تعد قادرة على الوصول إلى حساباتها في أحد المصارف اللبنانية.
وذكر أن العائلة درست فكرة البيع مطولا، "وتوصلنا لقناعة البيع لأن الوكيل أبلغنا أن السمسار سيدفع أضعاف الثمن الحقيقي للعقار وبالدولار".
وقال إن عملية البيع "أوجعت قلوبنا، لأن المبنى يحتضن ذكرياتنا ويختصر تعب الآباء".
وأضاف "لكننا لو لم نفعل ذلك، لكان حزب الله وسماسرته استولى عليه ولما كنا حصلنا على حقنا المادي".
هذا، وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان في كانون الثاني/يناير أن حزب الله استولى على هنغارات كانت مخصصة للخضار بمنطقة السيدة زينب في دمشق، واتخذها مقرا رئيسا له.
كذلك، انتقلت مجموعات من عناصر حزب الله إلى منطقة الصبورة بدمشق وصادرت فللا فيها بعد مغادرتها مقرا لها في فيلا بمنطقة المزة قرب فيلا يملكها ابن خال بشار الأسد الملياردير رامي مخلوف.
ولفت المرصد إلى أن إيران تعمل مع ميليشياتها على إعادة إحياء مشروعها التوسعي قرب دمشق ومد نفوذها إلى الأطراف الجنوبية المجاورة لمنطقة السيدة زينب التي تعتبر معقلا رئيسيا للميليشيات.
ويقدم سماسرة محليون يعملون لمصلحة الإيرانيين عروضا مغرية للسكان السوريين لشراء العقارات منهم مستغلين عوزهم، وذلك لتُستخدم من قبل عائلات عناصر الميليشيات الإيرانية.
استيلاء على أراضي دمشق
وفي هذا السياق، قال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن إن "هناك هجمة كبيرة من حزب الله والحرس الثوري على شراء فلل وعقارات بدمشق ومحيطها، وأبطالها تجار وسماسرة سوريون هم غالبهم من دير الزور".
وأوضح للمشارق أن هؤلاء يشترون تلك الفلل والعقارات من أصحابها ويبيعونها تحديدا لحزب الله.
وأضاف أنهم يبيعونها "بمبالغ تفوق قيمة العقارات الحقيقية، وتتم عملية الشراء بالوكالة لأن أصحابها خارج سوريا".
وقال إن المالكين "يفضلون بيعها تفاديا للاستيلاء عليها بالقوة".
وأشار إلى أن تركيز حزب الله والحرس الثوري على شراء العقارات بمناطق سورية عدة، بما في ذلك محيط دمشق، يأتي ضمن جهد أوسع "لإحداث تغيير ديمغرافي في سوريا".
ولفت إلى أنهما خلقا بمحيط العاصمة دمشق حزاما عقاريا لهما كمحطة على الطريق المؤدي إلى طهران والذي يمر بمنطقة البوكمال والميادين في دير الزور.
وقال عبد الرحمن إن الميليشيات الإيرانية بقيادة حزب الله اشترت منذ مطلع العام 2023 ما لا يقل عن 29 عقارا بمدينة الميادين.
استغلال الظروف الصعبة
وفي هذا السياق، أوضح الناشط الإعلامي السوري أحمد عبيد للمشارق أن حزب الله والحرس الثوري الإيراني يستغلان الظروف الاقتصادية الصعبة لشراء عقارات السوريين.
وأوضح أنهما يقومان بتسليفهم المال مقابل رهن العقارات، ثم يستملكانها في حال عدم تسديد الرهن بالوقت المحدد ويتم ذلك "عبر سماسرة سوريين متعاونين معهما".
وتابع أن حزب الله والحرس الثوري ينفذان خطة منظمة لشراء العقارات بهدف إحداث تغيير ديموغرافي لصالحهما.
وقال إن عمليات شراء العقارات ناشطة راهنا بمعضمية الشام بإشراف شيخ عشيرة المراسمة بدير الزور فرحان المرسومي.
وأوضح أنه تم تعيين المرسومي شيخا للعشيرة "بحضور ضباط روس وضباط استخبارات النظام في أيلول/سبتمبر الفائت".
وقال إنه يعتبر "الذراع الأبرز للحرس الثوري بعمليات الاستملاك وشراء العقارات بدمشق وريفها وبدير الزور التي اشترى فيها مئات العقارات".
وأشار إلى أن جهود شراء الملكيات التي يبذلها المرسومي تحولت إلى الغوطة الشرقية ومعضمية الشام مؤخرا.
وتابع أن حزب الله والحرس الثوري ركزا لفترة محددة على شراء فلل وعقارات بمنطقتي يعفور والصبورة حيث الأسعار أعلى بمحيط دمشق.
يُذكر أن هذه المناطق قريبة من الحدود السورية-اللبنانية ومن مطار الديماس ومن مركز الفرقة الرابعة التابعة للنظام السوري ومن مواقعهما العسكرية.
ولفت عبيد إلى تسجيل عمليات شراء عقارات نيابة عن شخصيات بحزب الله في مدينة دمشق القديمة وحي المالكي وهو أحد الأحياء الراقية في وسط المدينة، وقد تجاوز سعر بعضها المليون دولار.
وتحدث عبيد عن "توسع بعملية شراء المنازل السكنية لصالح شخصيات إيرانية وعراقية عند نهاية العام 2022".
وذكر أن من بين هذه الشخصيات قياديين بميليشيا حركة النجباء التابعة لإيران، وقد تمت عمليات الشراء عبر سمسار هو من أبناء دير الزور ويقيم في المدينة ويعمل لصالح المرسومي".