أمن

ʼعلامات واضحةʻ على تورط فاغنر في الهجوم على مصنع جعة فرنسي في جمهورية أفريقيا الوسطى

فريق عمل المشارق ووكالة الصحافة الفرنسية

مرتزقة فاغنر يدربون قوات الأمن في جمهورية إفريقيا الوسطى في تشرين الثاني/نوفمبر. [مجموعة فاغنر]

مرتزقة فاغنر يدربون قوات الأمن في جمهورية إفريقيا الوسطى في تشرين الثاني/نوفمبر. [مجموعة فاغنر]

بانغي، جمهورية إفريقيا الوسطى - في ليلة من مطلع شهر آذار/مارس، هاجم مخربون مصنعا للجعة تملكه شركة المشروبات الفرنسية العملاقة كاستل في بانغي، عاصمة جمهورية إفريقيا الوسطى.

وعمد المخربون إلى إطلاق القنابل الحارقة وأضرموا النيران في صناديق الجعة المكدسة داخل ساحة التخزين المحصنة التابعة لمصنع الجعة موكاف.

ولكن لم يكن ذلك هجوما عشوائيا نفذه مشعلو الحرائق.

فأكدت مصادر مطلعة أن لقطات من كاميرات مراقبة تظهر أن العملية مخطط لها من قبل 4 رجال يرتدون زيا شبيها بزي عناصر مجموعة المرتزقة الروسية فاغنر.

صورة التقطت يوم 10 آذار/مارس تظهر بقايا صناديق الجعة في مصنع الجعة موكاف في بانغي بجمهورية إفريقيا الوسطى، وذلك في أعقاب حريق متعمد اتهم مرتزقة فاغنر بالوقوف وراءه. [باربرا ديبو/وكالة الصحافة الفرنسية]

صورة التقطت يوم 10 آذار/مارس تظهر بقايا صناديق الجعة في مصنع الجعة موكاف في بانغي بجمهورية إفريقيا الوسطى، وذلك في أعقاب حريق متعمد اتهم مرتزقة فاغنر بالوقوف وراءه. [باربرا ديبو/وكالة الصحافة الفرنسية]

وأضافت المصادر أن الهجوم يحمل بصمات حملة شرسة لتثبيت النفوذ الروسي في جمهورية إفريقيا الوسطى، وهي دولة فقيرة لكنها غنية بالغابات القيمة والذهب والمعادن التجارية.

ولطالما كانت فرنسا وروسيا تتصارعان من أجل بسط نفوذهما في جمهورية إفريقيا الوسطى التي تعاني منذ نحو عقد من حرب أهلية دامية.

ولكن قبل استهداف هذا الهجوم المباشر المصالح الفرنسية، اقتصرت المواجهة إلى حد كبير على ترويج أخبار كاذبة مناهضة للفرنسيين ومساع لتسميم العلاقات بين جمهورية إفريقيا الوسطى والقوة الاستعمارية السابقة فيها.

وفي كانون الأول/ديسمبر 2020، قام فيسبوك بحذف "معامل" لتلفيق الأخبار ومصادر أخرى للأخبار الخادعة قالت معلومات إنها تخضع لسيطرة كيانات مرتبطة برئيس مجموعة فاغنر يفغيني بريغوزين، بالإضافة إلى حسابات يزعم أنها تابعة للجيش الفرنسي.

مخاوف روسية إزاء التقارب

وفي كانون الأول/ديسمبر الماضي، سحبت فرنسا آخر قواتها من جمهورية إفريقيا الوسطى.

وأنهت بذلك عملية انتشار استمرت منذ استقلال البلاد عام 1960 وساعدت على تأمين استقرارها بعد اندلاع حرب أهلية طائفية في عام 2013.

وجاء انسحاب فرنسا هذا في أعقاب انسحابها من دولة مالي في الساحل بعد أن عقدت الطغمة الحاكمة فيها تحالفا وثيقا مع الكرملين وأحضرت إلى البلاد قوات شبه عسكرية قالت فرنسا إنها من رجال فاغنر.

وتلقي روسيا بثقلها في الصراع بين النظام المالي والحركات الأزوادية، علما أن هذا تحالف بين مجموعات الطوارق المستقلة والمجموعات القومية العربية.

ولفت مراقبون إلى أن الكرملين يسعى عبر استخدام فاغنر إلى تعزيز مصالحه في وسط وغرب إفريقيا، كما يسعى إلى خلق منطقة نفوذ وتأثير جديدة خارج دائرته التقليدية في الشرق الأوسط وليبيا.

ولكن في مؤشر واضح على تحسن العلاقات، التقى رئيس جمهورية إفريقيا الوسطى فاوستين أرشانج تواديرا خلال الشهر الجاري بإيمانويل ماكرون في الغابون في آخر زيارة قام بها الرئيس الفرنسي إلى إفريقيا.

وعقد هذا الاجتماع قبل أيام فقط من الهجوم الذي استهدف مصنع الجعة التابع لشركة كاستل ليل 5 آذار/مارس.

وقال الباحث المتخصص في اقتصاديات وصراعات إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بجامعة العلوم السياسية في باريس رولان مارشال، إن "الروس قلقون إزاء تقارب محتمل بين تواديرا والغرب وسيفعلون كل ما في وسعهم لمنع حصول ذلك".

الهدف مصنع الجعة

وفي وقت سابق من هذا العام، تعرضت كاستل وموكاف وهو موظّف محلي أساسي لحملات تشهير على وسائل التواصل الاجتماعي وفي الشوارع.

وشكّلت كاستل هدفا مؤاتيا.

وفتح المدعون الفرنسيون المعنيون بمكافحة الإرهاب تحقيقا أوليا في "التواطؤ في جرائم حرب" على خلفية صفقة مالية مشبوهة مع متمردي جمهورية إفريقيا الوسطى لتأمين مواقع إنتاج معمل تكرير السكر التابع للشركة.

وفي منتصف كانون الثاني/يناير، رفع عشرات المتظاهرين لافتات أمام مصنع الجعة كتب عليها "كاستل=الإرهاب" و"إذا اشتريت كاستل، فأنت تدفع مقابل عملية قتلك".

وكشف مسؤول تنفيذي كبير في كاستل في فرنسا طلب عدم ذكر اسمه لتناول المخاطر الأمنية، أنه حدثت محاولة اقتحام أخرى قبل الهجوم الذي وقع في 5 آذار/مارس.

وأوضح أنه "في 30 كانون الثاني/يناير وخلال فترة حظر تجول، نزل 3 رجال بيض من سيارة لا تحمل لوحة واقتربوا من [مصنع الجعة] حاملين سلما قبل أن يفروا عندما اقترب رجال الأمن منهم".

وأضاف المسؤول "في الليلة نفسها، حلقت طائرة مسيرة فوق مصنع الجعة".

علامات واضحة على تورط فاغنر

وانتشرت لقطات فيديو لهجوم 5 آذار/مارس على وسائل التواصل الاجتماعي، وأكدت الشركة الفرعية المحلية للمجموعة الفرنسية موكاف صحتها لوكالة الصحافة الفرنسية.

وقال مستشار الاتصالات في موكاف بين ويلسون نغاسان، إن "نحو 30" قنبلة حارقة ألقيت في "عملية حصلت مع سابق تصميم وهجوم خاطف [استمر] 5 دقائق على الأكثر".

وقال مصدر أوروبي مطّلع إن اللقطات تحمل إشارات واضحة على أن المهاجمين كانوا من فاغنر.

وأضاف المصدر أن هؤلاء يتمتعون "ببنية جسدية قوية" ولديهم سلوكيات عسكرية ويرتدون زيا عسكريا في مشهد بات مألوفا في بانغي، وكانت بنادق كلاشينكوف القتالية تتدلى فوق أكتافهم.

يُذكر أن القوات شبه العسكرية الروسية موجودة في البلاد منذ عام 2018، عندما أحضرت إلى الداخل لدعم الجيش المحاصر لجمهورية إفريقيا الوسطى.

وزاد عدد عناصرها بالمئات عام 2020 لإحباط عزيمة مقاتلي المعارضة الذين كانوا يتقدمون نحو العاصمة مع بدء الانتخابات الرئاسية.

وقال السفير الروسي لدى جمهورية إفريقيا الوسطى ألكسندر بيكانتوف في 3 شباط/فبراير الماضي، إن 1890 "مدربا روسيا" موجودون حاليا في البلاد.

ونقلت وكالة الأنباء الروسية ريا نوفوستي عنه قوله إن "الحكومة مهتمة بزيادة عددهم".

واتهم محلل حقوقي تابع للأمم المتحدة إلى جانب منظمات غير حكومية وعواصم غربية، مرتزقة فاغنر بارتكاب جرائم ضد المدنيين في جمهورية أفريقيا الوسطى وأماكن أخرى في منطقة الساحل.

ولكن تشتبه فرنسا أيضا في أن تواديرا اشترى دعم مجموعة فاغنر ضد المتمردين من خلال منحها إمكانية الوصول إلى ثروة الماس في البلاد وثرواتها الطبيعية الأخرى.

الرأس المدبر للبروباغندا

ووصف دبلوماسي في بانغي تفجير مصنع الجعة بأنه أحدث محاولة لترهيب الشركات الغربية في جمهورية إفريقيا الوسطى.

وجاء ذلك في الوقت الذي ظهرت فيه بالأسواق والحانات في جميع أنحاء بانغي جعة منافسة تحمل اسم أفريقا تي لور.

ووفقا لصحيفة جون أفريق الأسبوعبة، تتنتج العلامة التجارية الجديدة شركة تسمى فيرست إنداستريل، يملكها الملحق الثقافي الروسي في بانغي ديميتري سيتيي.

ووصفت المجموعة الاستقصائية "كل العيون على فاغنر" سيتيي على أنه "واحد من ركائز شبكة فاغنر في جمهورية أفريقيا الوسطى".

ووفقا لما كشفته مجلة أفريقا ريبورت، عمل لوقت طويل كمساعد لفاليري زاخاروف الذي كان أول مسؤول عن فاغنر في جمهورية إفريقيا الوسطى.

وذكرت المجلة أن "سيتيي يعد حاليا ’المدني‘ الأول لدى فاغنر في بانغي". وهو بمثابة "الرأس المدبر للبروباغندا وصناعة السياسة لدى فاغنر".

وتحدثت معلومات عن إصابته في كانون الأول/ديسمبر عندما انفجرت به رسالة مفخخة، اتهم بريغوزين فرنسا بالوقوف وراءها علما أن هذه الأخيرة نفت ذلك واصفة إياه بأنه "دعاية" روسية.

وحمّلت شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الموالية لروسيا مسؤولية الهجوم على مصنع الجعة لمواطنين من إفريقيا الوسطى أو "مرتزقة" مقنعين تلقوا المال من فرنسا لجعله يبدو وكأنه هجوم نفذته فاغنر.

وأعلن موقع ندجوني سانغو الإخباري وهو من أشد المؤيدين لوجود روسيا في البلاد، حتى عن اعتقال 7 "مشتبه بهم" ونسب الهجوم إلى جماعة الفولاني العرقية.

وذكر مسؤول في قوى الأمن بجمهورية إفريقيا الوسطى لوكالة الصحافة الفرنسية أن هذا الادعاء ليس سوى "أنباء كاذبة".

هل أعجبك هذا المقال؟

0 تعليق

سياسة المشارق بشأن التعليقات * معلومات ضرورية 1500 / 1500