القامشلي -- يمارس أطفال مقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) الأجانب رياضة كرة القدم في ملعب ترابي بمركز يقع شمالي شرقي سوريا، وتأمل السلطات الكردية بأن يساعد في إعادة تأهيل القاصرين الذين تربوا على الفكر المتطرف.
ويقيم أكثر من 50 فتى تتراوح أعمارهم بين 11 و17 سنة في مركز أوركش للتأهيل الذي يخضع لرقابة مشددة بالقرب من مدينة القامشلي في محافظة الحسكة.
وقد تم افتتاح المرفق قبل 6 أشهر، وهو أول مركز يسعى لإعادة تأهيل الفتيان الأجانب في المنطقة الشمالية الشرقية ذات الإدارة الكردية، حيث تكتظ السجون والمخيمات بآلاف أقارب عناصر داعش القادمين من أكثر من 60 بلدا.
وتم افتتاح مركز آخر في العام 2017 لإعادة تأهيل الشباب الذين كانوا سابقا متطرفين.
وقال خالد ريمو، أحد المسؤولين عن مكتب الإدارة الكردية لشؤون العدالة والإصلاح، إن نجاح المراكز يعد أساسيا لـ "إنقاذ المنطقة من ظهور جيل جديد من المتطرفين".
وفي إحدى غرف المركز، يمارس فتيان يرتدون ملابس رياضية كرة قدم الطاولة، في حين يمارس آخرون كرة القدم تحت أشعة الشمس متحدثين مع بعضهم البعض بلغة عربية ركيكة.
وفور بلوغهم سن الـ 18، سيحتاجون لبرنامج إعادة تأهيل جديد أو لأن تعيدهم بلادهم الأم إلى ديارهم.
وقال ريمو "لا نريد أن يبقى الأولاد بصورة دائمة في تلك المراكز، ولكن الجهود الدبلوماسية بطيئة ويحتاج أطفال كثيرون إلى إعادة التأهيل".
ومنذ نجاح قوات سوريا الديموقراطية بطرد داعش من آخر معقل لها في عام 2019 بدعم من التحالف الدولي، تم احتجاز عشرات الآلاف من الأشخاص في مخيمات خاضعة للأكراد.
ويضم المعتقلون في مخيمي الهول وروج بالحسكة العديد من الأجانب، علما أن الهول وحده يشمل 10 آلاف أجنبي.
وذكر ريمو أنه في حين أن فتيات يقمن أيضا في المخيمات، إلا أن مركز إعادة التأهيل هذا يركز على الفتيان كونهم يمثلون الهدف الأساسي لمجندي داعش المحتملين.
وفي أيار/مايو الماضي، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على شبكة من الميسرين الماليين الذين ساعدوا التنظيم على تجنيد الأطفال من مخيمات النزوح في سوريا.
جلسات علاج نفسي
وطالبت السلطات الكردية الدول بصورة متكررة بإعادة مواطنيهم إلى بلادهم، ولكن الحكومات الأجنبية سمحت لعدد قليل فقط من الأشخاص بالعودة إلى ديارهم متخوفة من تهديدات أمنية وردود فعل سياسية محلية.
وقالت السلطات إنه تم نقل الفتيان في مركز إعادة التأهيل من مخيمات الهول وروج ومن سجن غويران حيث قتل المئات بعد اقتحامه من قبل عناصر داعش في مطلع العام الماضي.
ويشارك بعض الذين حلقوا رؤوسهم أو يرتدون قبعات محبوكة في صفوف بالعربية والإنجليزية ويتعلمون الرياضيات والموسيقى والرسم، وقد رسم أحد المراهقين غروب الشمس بأقلام تلوين برتقالية ووردية اللون.
ويشمل المرفق أماكن للنوم والترفيه وتناول الطعام، ويستطيع الفتيان لعب الشطرنج أو مشاهدة الأفلام الوثائقية والرسوم المتحركة.
وقال مدير المشروع آراس درويش إن هدف المركز يتمثل بتهيئة الأطفال "لدمجهم في مجتمعاتهم مستقبلا".
وتابع متحدثا عن المركز الذي يقدم جلسات علاج نفسي فردية وجماعية "هدفنا تقديم الدعم النفسي والاجتماعي والتعليمي".
وذكر أنه يتم تشجيع الفتيان على الرسم من أجل التعبير عن مشاعرهم والتعامل مع ذكرياتهم، مشيرا إلى غرفة مزينة بأعمال فنية رسمت عليها أشجار وسيارات ومنازل.
يُذكر أن منظمة إنقاذ الطفولة حذرت في كانون الأول/ديسمبر قائلة إن 7000 طفل هم أولاد مقاتلين أجانب مشتبه بهم في تنظيم داعش "عالقون في ظروف يسودها اليأس ويتعرضون للخطر بشكل يومي" في مراكز احتجاز مكتظة شمالي شرقي سوريا.
ويشتهر مخيم الهول بأعمال العنف التي تجري فيه، علما أن القتل والهجمات تطال حتى الأطفال والحراس والعاملين في المجال الإنساني.
عملية بطيئة
وفي هذا السياق، ذكرت القيادة المركزية الأميركية في بيان صدر السبت أن الأطفال في الهول "يتعرضون لخطر تلقينهم على أعمال العنف بشكل يومي"، مضيفة أن المراهقين ذوي الأهالي الأجانب "عبروا عن رغبتهم بالعودة إلى بلدهم الأم".
وفي مطلع الشهر الجاري، طالب أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بإعادة الأجانب سريعا من الهول إلى أوطانهم.
وقالت ريم الحسن، 28 عاما وهي مستشارة في مركز أوركش، إن البرنامج فعال رغم أنه بطيء.
وتابعت "يمكننا أن نلاحظ فرقا كبيرا في وضع الأطفال مقارنة بما كانوا عليه عند وصولهم".
وأضافت "في البداية، رفض بعضهم المشاركة في الصفوف مع معلمات"، ذلك أن التنظيم المتطرف كان قد فرض تمييزا قاسيا بين الجنسين في مناطق سيطرته في سوريا والعراق.
وقالت "ولكن الوضع أفضل اليوم، فإننا نرى تحسنا تدريجيا رغم أنه بطيء".