مع دخول الإيرانيين السنة الفارسية الجديدة أي النوروز يوم الاثنين، 20 آذار/مارس، وسط احتجاجات متجددة وتراجع حاد في قدرتهم الشرائية، أعرب كثيرون عن إحباطهم إزاء حالة البلاد.
ويبدأ العام الجديد في لحظة الاعتدال الربيعي الذي يجلب الأمل، وتشمل العادات القفز فوق النار والرقص وتلاوة الشعر وزيارة كبار السن الذين يشترون الهدايا لأفراد الأسرة الأصغر سنا.
ولكن أدت السياسات الاقتصادية والاجتماعية للجمهورية الإسلامية إلى حرمان الكثيرين من فرحة العيد هذه السنة، من بينهم الفنية البيطرية هينغامه.
وقالت هينغامه إنها لم تواجه في حياتها مصاعب اقتصادية قاسية إلى هذا الحد كما اليوم.
وأوضحت للمشارق "بالرغم من أنني وزوجي نعمل بدوام كامل، إلا أننا عانينا الكثير خلال العام المنصرم بشكل لم نشهده من قبل".
وتابعت "فكرت بما سأشتريه لابنتي البالغة من العمر 8 سنوات وغيرت رأيي مرات عدة، وقررت أخيرا شراء سلع أرخص لم تكن حتى على قائمة أمنياتها".
ويشير أحدث تقدير حكومي إلى تضخم بنسبة 47.7 في المائة لفترة الـ 30 يوما المنتهية في 19 شباط/فبراير، في حين يقدر معدل التضخم من نقطة إلى نقطة للفترة نفسها بنسبة 53.4 في المائة.
وشهد العام الماضي تظاهرات متقطعة لمجموعات من الموظفين الحكوميين الحاليين والمتقاعدين وعمال قطاع النفط الذين احتجوا على معاشاتهم التقاعدية المنخفضة في جميع أنحاء البلاد.
ومن بين هؤلاء المهندس المتقاعد فاريبورز البالغ من العمر 75 عاما. وقال إنه وزوجته المتقاعدة أيضا قررا إخبار أحفادهما بأنهما غير قادرين على شراء هدايا عيد النوروز لهم هذه السنة.
وأضاف "يؤلمنا هذا الأمر ألما كبيرا وهو محرج للغاية. لكننا لا نستطيع حقا تحمل النفقات. بات كل شيء أغلى بكثير مما كان عليه في العام الماضي وكنا نعاني آنذاك أيضا".
اختفاء الطبقة الوسطى
وفي حديثه للمشارق، قال خبير اقتصادي مقيم في إيران طلب عدم الكشف عن هويته إن هذه المشاكل تؤثر بشكل خاص على العائلات التي كانت تعتبر نفسها ذات يوم من الطبقة الوسطى، وهي فئة ديموغرافية باتت تختفي بسرعة في إيران.
وأضاف أن العديد من عائلات الطبقة المتوسطة أصبحت بالكاد قادرة على دفع إيجار مسكنها. كذلك، بات شراء ملابس وأحذية جديدة وفقا لتقاليد عيد النوروز أمرا شبه مستحيل بالنسبة للكثيرين هذا العام، في ظل المعاناة التي يواجهها كثيرون لسداد النفقات اليومية.
وتابع الخبير الاقتصادي أن "المعاناة المستمرة لتغطية النفقات تؤثر على معنويات الناس وتثبط احتفالات النوروز، لا سيما في ظل كل ما يستلزمه العيد من نفقات".
وأوضح أن "عيد النوروز يعني زيارة العائلة والأقارب والأصدقاء في فترة إجازة مدتها 15 يوما وشراء سلع ومكسرات ومعجنات وملابس وأحذية جديدة والحصول على تسريحة شعر جديدة، وهذه أمور لم تعد كلها في متناول الكثير من الإيرانيين هذه الأيام".
وأصبح السفر أيضا رفاهية بالنسبة للطبقة المتوسطة الإيرانية.
ورغم أن وكالات السفر تعلن باستمرار عن عروض تزعم أنها "معقولة الكلفة"، إلا أن عددا أقل من الناس منجذب هذا العام للسفر بسبب مخاوف مالية.
وفي السنوات الماضية، كانت بعض العائلات وخصوصا الشابة منها تقضي إجازتها بعيد النوروز في تركيا أو دبي، مع رغبة الشباب بقضاء الوقت في النوادي والحانات غير المتوفرة في إيران.
وكان بعضهم يسافر لحضور الحفلات الموسيقية التي يقيمها مطربون إيرانيون مقيمون في لوس أنجلس.
ولكن ينوي عدد أقل من الناس السفر هذا العام، ذلك أن قيمة الريال مقابل الدولار هبطت بشكل حاد خلال العام الماضي وشهدت تراجعا سريعا في شباط/فبراير الماضي.
ولكن أدى ارتفاع قيمة الريال مجددا بنحو 18 في المائة اعتبارا من منتصف آذار/مارس بعد الاتفاق الذي تم بين إيران والسعودية بواسطة صينية إلى إعطاء الأمل لبعض الإيرانيين رغم أن أسعار السلع والخدمات ظلت مرتفعة.
تظاهرات خلال مهرجان النار
وقبل حلول عيد النوروز، دأب الإيرانيون تاريخيا على الاستعداد لاستقبال العام الجديد بمهرجان النار الذي احتفل به يوم الأربعاء الماضي (الواقع في 15 آذار/مارس من هذا العام) والذي يبدأ عند غروب الشمس يوم الثلاثاء ومن فعالياته القفز فوق النار.
ولطالما حاول النظام الإيراني إلغاء مهرجان النار دون جدوى.
وشكّل المهرجان هذا العام مركزا للاحتجاجات المستمرة التي انطلقت قبل 6 أشهر بعد وفاة الشابة الإيرانية مهسا أميني أثناء وجودها قيد الاحتجاز لدى "شرطة الآداب".
وأعلن العديد من المتظاهرين على مواقع التواصل الاجتماعي أنهم سيتظاهرون أينما احتفلوا بمهرجان النار وسيواصلون الاحتجاج مدة 3 أيام.
وهتفت النساء اللواتي احتشدن للمشاركة في الاحتفالات يوم الثلاثاء وهن يضرمن النار على حجابهن "سنحرق أوشحتنا"، وكتبت بعضهن هذا الشعار على الجدران.
وغنى كثيرون ورقصوا إذ أن الرقص يعد جزءا تقليديا من المهرجان، علما أن الجمهورية الإسلامية كانت قد حظرته.
وردد بعضهم شعارات وأضرموا النار على لافتات وصور لقادة إيرانيين، بينهم قاسم سليماني، القائد الراحل لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.
يذكر أن صور سليماني وتماثيله قد أحرقت في مناسبات عدة بمختلف المناطق الإيرانية.
وبعد يوم واحد فقط من إطلاق القضاء الإيراني سراح 20 ألف متظاهر تم اعتقالهم خلال الأشهر الماضية، أعلنت الحكومة أن الشرطة احتجزت "عشرات المتظاهرين" في احتفالات مهرجان النار.
وقال أستاذ في علم الاجتماع مقيم في إيران للمشارق، إن قوة ومدة الاحتجاجات في إيران تظهر مدى استياء الرأي العام والمعارضة الشعبية.
وأضاف "لا يستطيع النظام فعل أي شيء حيال ذلك، حتى لو احتجز المزيد من الأشخاص".