في ظل تزايد التعاطف الدولي مع سوريا في أعقاب الزلزال المدمر الذي هز البلاد في 6 شباط/فبراير، يحاول الرئيس السوري بشار الأسد التخلص من عزلته في الداخل والخارج.
وذكرت الرئاسة أن الأسد "شدد على أهمية الجهود الدولية التي تركز على المساعدة في إعادة بناء البنية التحتية في سوريا"، وذلك خلال اجتماع عقد يوم الإثنين، 13 شباط/فبراير، مع منسق الإغاثة في الأمم المتحدة مارتن غريفيث.
ومع ذلك، شكلت حكومته الخاضعة للعقوبات بسبب وحشية ممارساتها إحدى أكبر العقبات أمام تأمين المساعدات الدولية الحيوية لسوريا.
وفي الداخل السوري، يعد الأسد مكروها خاصة وليس حصرا ممن عانوا من قصف قواته المدعومة من روسيا.
أما خارج سوريا، فيفتقر إلى الشرعية وقد قطعت دول عديدة علاقاتها الدبلوماسية مع نظامه نتيجة قمعه العنيف للشعب السوري.
’فرصة‘ للأسد
وكان الأسد قد رحب اليوم الأربعاء بـ "أي موقف إيجابي" صادر عن الدول العربية، ومن بينها تلك التي قطعت العلاقات مع نظامه بسبب الحرب، حسبما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية.
وجاءت تصريحاته خلال لقاء مع وزير الخارجية الأردنية أيمن الصفدي في دمشق، علما أن هذه كانت ثاني زيارة يجريها دبلوماسي عربي رفيع منذ الزلزال بعد زيارة وزير الخارجية الإماراتية الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان.
يُذكر أن الأردن الذي له حدود مشتركة مع سوريا، هو من الدول العربية القليلة التي حافظت على علاقات دبلوماسية مع دمشق حتى بعد تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية عام 2011.
ولكن كانت الاتصالات محدودة وتوقفت الزيارات الرسمية طوال سنوات عدة ولم تستأنف إلا في حزيران/يونيو 2021 عندما زار وفد وزاري سوري الأردن.
ويوم الأحد، التقى رئيس منظمة الصحة العالمية الأسد أيضا وقال إن رئيس النظام منفتح لفكرة فتح المزيد من المعابر الحدودية لإيصال المساعدات إلى ضحايا الزلزال في شمال غرب البلاد الواقع تحت سيطرة المعارضة.
ويوم الثلاثاء، هبطت طائرة سعودية محملة بالمساعدات في حلب، وهي الأولى منذ أكثر من عقد على اندلاع الحرب وانقطاع العلاقات الدبلوماسية.
وتلقى الأسد أيضا اتصالا هاتفيا من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لتقديم الدعم، وذلك في أول تبادل رسمي بينهما منذ تولي السيسي منصبه عام 2014.
واتصل حاكم البحرين بالأسد في أول محادثة رسمية بينهما منذ أكثر من عقد، علما أن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين استؤنفت عام 2018.
واعتبر محللون أن الزخم الذي أعقب الزلزال شكّل بالنسبة للأسد "فرصة" للعودة إلى الحظيرة العربية بعد تواصل القادة العرب معه لتقديم المساعدة.
ولكن يحث كثيرون في سوريا والمنطقة على توخي الحذر.
محاولة تجميل صورته
وفي تحليل صدر يوم الاربعاء، أشارت صحيفة واشنطن بوست إلى أن "التعاطف الطبيعي مع المحنة السورية قد يؤدي إلى تقبل نظام منبوذ من قبل جزء كبير من المجتمع الدولي".
وفي حديثه لصحيفة واشنطن بوست، قال الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ويل تودمان إن الأسد "يحاول إعادة تجميل صورته عبر إظهار استعداده لتقديم تنازلات من خلال المفاوضات مع الجهات الفاعلة الدولية".
وأضاف أن "هذه التنازلات محدودة، لكنه يأمل بأن تكون كافية لدفع العواصم الأوروبية ودول أخرى إلى التيقن بأن التعامل مع النظام هو وسيلة مثمرة لتحسين ظروف السوريين المحتاجين".
وأفادت وكالة الصحافة الفرنسية أنه على الرغم من العقوبات المفروضة على سوريا، تتلقى المناطق الخاضعة للنظام المساعدات الدولية عبر وكالات الأمم المتحدة، ويمتلك العديد منها مقرات رئيسية في دمشق.
وقالت صحيفة واشنطن بوست إن هناك مخاوف من أن يسعى الأسد للاستفادة من تدفق المساعدات المتزايدة إلى سوريا أو تحويلها.
وفي السياق نفسه، انتقد ناشطون وفرق الطوارئ في شمالي غربي سوريا بطء استجابة الأمم المتحدة للزلزال في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، بالمقارنة مع الشحنات الجوية من المساعدات الإنسانية التي تصل إلى المطارات الخاضعة للنظام.
وقبل وقوع الزلزال، كانت جميع المساعدات الإنسانية الأساسية تسلم لأكثر من 4 ملايين شخص يعيشون في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في شمالي غربي سوريا عبر معبر واحد فقط هو باب الهوى.
وأعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يوم الاثنين أن الأسد وافق على فتح معبرين حدوديين آخرين من تركيا إلى شمالي غربي سوريا للسماح بمرور المساعدات.
وأضاف "لا يجب مفاقمة المعاناة الإنسانية من هذه الكارثة الطبيعية الهائلة بسبب عوائق من صنع الإنسان، كإمكانية الوصول والتمويل والإمدادات".
وتابع "يجب أن تمر المساعدات من جميع الجهات وإلى جميع الأطراف وعبر جميع الطرق دون أي قيود".
فوضى عارمة في سوريا
هذا وأكدت نيفين عثمان المتطوعة في منظمة إغاثية في دمشق أنه في مناطق سيطرة النظام "أعربت الجهات الحكومية صراحة عن عجزها عن تقديم أي نوع من المساعدة".
وقالت للمشارق إن "جميع عمليات الإغاثة والبحث والإنقاذ للمتضررين من الزلزال يقوم بها المواطنون من خلال منظمات المجتمع المدني ووكالات الإغاثة غير الحكومية".
وأضافت أنه حتى المعدات الثقيلة المستخدمة في إزالة الأنقاض وفرها رجال أعمال ومقاولون، مشيرة إلى أن هذه العمليات غالبا ما تتوقف في منتصف الطريق بسبب نقص الوقود.
وأكدت أن بعض فرق الإغاثة الحكومية وشبه الحكومية لم تتمكن من تقديم المساعدة لأنها لا تملك القدرات الكافية للقيام بذلك، لافتة إلى أن بعضها يقوم بجمع التبرعات.
ومن جهته، قال المحامي السوري بشير البسام للمشارق إن حجم الكارثة في سوريا ناتج أصلا عن أفعال النظام السوري وحلفائه.
وأوضح أن "الأضرار لحقت بجميع منازل إدلب وريف حلب. لقد انهارت أو تصدعت كليا أو جزئيا، وتجعلها الشقوق عرضة للانهيار التام في حال حدوث هزة ارتدادية قوية أو غارات جوية".
واتهم النظام بمحاولة الاستفادة من الكارثة والتهرب من العقوبات عبر الإعلان أن مساعدات ضحايا الزلزال يجب أن تمر عبر الوكالات التابعة له.
وأردف البسام "إضافة إلى ذلك، تحدث النظام عن الدمار في المناطق التي يسيطر عليها فقط، علما أن المناطق الخارجة عن سيطرته هي الأشد تضررا من الزلزال".