القاهرة -- قال خبراء إن ارتفاع معدلات التضخم والديون الخارجية وانعدام القدرة الشرائية للمواطن السوري تنبئ بانهيار وشيك للاقتصاد السوري.
وارجعوا السبب إلى عدم قدرة الحكومة السورية على إدارة الأزمة وعدم انتظام المساعدات الخارجية، ولا سيما من روسيا، وهي حليف لنظام الرئيس بشار الأسد.
وحذر الخبراء أيضا من انهيار الأمن الاجتماعي بسبب الفوارق الاجتماعية المتنامية بين معظم أفراد الشعب من جهة، والمقربين من النظام من جهة ثانية.
وفي حديثه للمشارق، قال الصحافي السوري خالد المصري، والذي يعمل في القاهرة لكنه عاد مؤخرا لزيارة أهله في دمشق بعد غياب سنة ونصف، إنه لا يستطيع أن يصف الشعور الذي انتابه عند وصوله إلى دمشق.
وذكر أن "كل شيء تغير فجأة، وغمامة من الحزن والانقباض تسيطر على جميع سكان دمشق بسبب الأوضاع الاقتصادية السائدة".
الصراعات اليومية
وأشار المصري إلى أن مشاهد طوابير السيارات عند محطات البنزين والأفران، "أصبحت مشهدا عاديا ويوميا".
وتابع "أما الكهرباء، فلا تصل المنازل إلا ساعة أو ساعتين على الأكثر لو جاءت، وطبعا شبكة الاتصالات لا تعمل بكفاءتها المعتادة لأن غالبية الأبراج لا تصلها الكهرباء".
وقدر عدد المحلات التجارية التي أقفلت أبوابها في دمشق بالنصف تقريبا، في حين أن المطاعم التي ما تزال تعمل "أسعارها خيالية جدا".
ونظرا لأن والده يعمل في مجال تصنيع المعدات الصناعية، فقد علم منه أن معظم الورش أقفلت أيضا بسبب عدم توفر المواد الخام أو ارتفاع أسعارها لو وجدت، وأيضا بسبب افتقار تلك الورش للقدرة الشرائية.
وأشار إلى أن المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام، وخصوصا دمشق، تعاني ربما أكثر من باقي المناطق بسبب ارتفاع تكلفة المعيشة مقارنة بالأرياف والمحافظات البعيدة، إضافة إلى محدودية فرص العمل.
وأضاف المصري أنه حتى السوريين الموجودين في الخارج يعانون أيضا في إرسال التحويلات بالعملات الصعبة إلى ذويهم "حيث يتم قبض الحوالات بالليرة السورية بنصف سعر الصرف الحقيقي، ما يفقد ذويهم نصف قيمة الحوالة تقريبا".
انعدام القدرة الشرائية
أستاذ الاقتصاد في جامعة عين شمس فخر الدين عوض الله، قال للمشارق إن الكثير من التقارير تحذر من الأوضاع الكارثية للاقتصاد السوري.
وأضاف أن "الدولار الأميركي تضاعفت قيمته خلال سنة وقيمة العجز التجاري ارتفعت كثيرا لتصل إلى3.5 مليار دولار مع ارتفاع أسعار مادة البنزين التي تعتبر شريان الحياة للعديد من القطاعات الحيوية، إذ ارتفع ثمنها بنسبة 44 في المائة خلال ثلاثة أشهر".
وأكد أنه سيكون لذلك تأثير سلبي على قطاعات التعليم والرعاية الصحية من بين القطاعات الأخرى الحيوية للاقتصاد.
وبحسب عوض الله، فإن الفترة المقبلة ستكون الأصعب مع انعدام القدرة الشرائية للمواطنين، خصوصا في المدن الأساسية، حيث يزيد عدد الموظفين عن الوظائف وحيث ارتفعت الأسعار بنسبة 100 في المائة أو أكثر.
وتابع أن الحياة اليومية العادية أصبحت "ترفا يحلم به كل مواطن سوري"، مؤكدا أن الأسرة العادية تحتاج حاليا إلى نحو أربعة ملايين ليرة سورية شهريا لتأمين الاحتياجات اليومية.
لكن الأجور في القطاع العام لا تتعدى حاجز 300 ألف ليرة في الشهر، وهذا المبلغ أقل بكثير في القطاع الخاص.
وفي أوائل كانون الثاني/يناير، هوت قيمة الليرة السورية لأقل معدلاتها على الإطلاق مقابل الدولار في السوق السوداء، حيث بلغت 7000 ليرة للدولار الواحد، قبل أن تعود لتصل إلى 6000. لكن هذا المبلغ لا يزيد إلا قليلا عن نصف قيمتها منذ عام.
بدوره، قال الخبير الاقتصادي السوري محمود مصطفى والأستاذ المحاضر في جامعة دمشق للمشارق إن "الوضع الكارثي للاقتصاد السوري يشير وبكل وضوح إلى كارثة كبيرة ستحصل قريبا وسيكون الشعب السوري ضحية له بشكل أساسي".
وأضاف أن الحكومة لا تقوم بأي إجراءات عاجلة لمعالجة الوضع بل على العكس تتكل على المساعدات الخارجية والتي قلت كثيرا، خصوصا تلك التي كانت تقدم من قبل روسيا.
المساعدات الروسية
وكتب الباحث جوناثان روبنسون للمجلس الأطلسي في حزيران/يونيو 2021، أنه بين عامي 2016 و2021، انخفضت المساعدات الروسية لسوريا على الرغم من ارتفاع احتياجات السورين على مدار الفترة نفسها.
وقال إن المساعدات الروسية لسوريا ضحلة وغير متسقة وينقصها الالتزام.
وأضاف "من الواضح أن بيانات روسيا وجهودها في المساعدات لا تضع مصلحة الشعب السوري نصب أعينها وتعمل بصورة أقل بكثير من مستوى الاستجابة بقيادة الأمم المتحدة للبلد".
إلى هذا، أصبحت المساعدات الروسية غير المنتظمة إلى سوريا حتى أسوأ بسبب الحرب على أوكرانيا حيث ركزت روسيا غالبية مواردها.
وعلاوة على ذلك، ففي بداية تموز/يوليو، استخدمت موسكو حق النقض (الفيتو) ضد تمديد مهمة آخر بعثة معونة أممية لسوريا لمدة عام آخر. وكانت البعثة قد بدأت عام 2014 وانتهىت مدتها في تموز/يوليو الماضي.
وأوردت صحيفة نيويورك تايمز أن المسؤولين الأجانب وعمال الإغاثة الدوليين كانوا قد ناشدوا روسيا للموافقة على تمديد الممر الإنساني لعام آخر والذي يمتد من معبر باب الهوى على الحدود التركية إلى شمال غرب سوريا، وهو آخر مسار معونات أممية لسوريا.
لكن مع هذا الفيتو، تمسكت موسكو بزعمها الذي تبنته منذ فترة طويلة ومفاده أن المسار ينتهك السيادة السورية وأنه ينبغي أن يعود الأمر للرئيس الأسد ليقرر طريقة توزيع الدعم الأجنبي، بحسب التقرير.
وحتى الأعمال الجشعة للحرس الثوري الإيراني وأذرعه سيكون لها عواقب ضارة على الاقتصاد السوري، بحسب ما ذكر محللون سوريون.
فمن خلال الحرس الثوري، سعى النظام الإيراني لاستنزاف الاقتصاد السوري وحاول إقامة موطئ قدم في الأجزاء الاستراتيجية من البلد عبر استغلال مجموعة مريبة من قوانين الممتلكات السورية.
وأضافوا أن هذه الأعمال تهدف لنقل الإيرادات إلى الجمهورية الإسلامية وتوسيع نفوذها في سوريا، مشيرين إلى أن هذا التوجه يضر بالشعب السوري الذي يعاني بالفعل من عواقب الحرب.
وأشار مصطفى إلى "تدهور الأوضاع بهذا الشكل ينذر بانفجار الأمن الاجتماعي بسبب الضغوط الحياتية على المواطن العادي والذي يلجأ إلى جميع الطرق لتدبير حياته يوميا بيوم".
ونوه إلى وجود طبقة قليلة العدد يظهر بشكل جلي أنها لم تتأثر بالأوضاع الحالية، موضحا أنهم "المقربون من النظام والذين يديرون تجارة الكبتاغون والسوق السوداء للعملات وأعمال التهريب".