بيروت - يواجه العشرات من مخيمات اللاجئين السوريين المنتشرة حول منطقة بعلبك البقاعية شرقي لبنان على ارتفاع نحو ألف متر فوق مستوى سطح البحر، ظروف شتاء قاسية وسط انخفاض الميزانية المخصصة للمساعدات.
وبالنسبة للاجئين في بلدات حوش تل صفية وإيعات وسعيدي، بات فصل الشتاء لا يطاق بسبب خيمهم الرثة وعدم تأمين مواد التدفئة والطعام.
وحذرت المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من أن الكثيرين سيجدون أنفسهم مضطرين إلى الاختيار بين التدفئة والطعام.
وفي هذا السياق، قال أهالي المخيمات والعديد منهم نازحون من منطقة الرقة السورية، إنهم يفتقرون إلى مقومات الحياة الأساسية وأبرزها الخيم المتينة والمازوت الذي يستبدلونه بالحطب والبلاستيك والأحذية البالية.
وفي حديثها للمشارق، قالت اللاجئة السورية المقيمة في أحد مخيمات حوش تل صفية مريم المحمود، إن أطفالها الستة "يبحثون يوميا بالحاويات عن الأحذية والبلاستيك للتدفئة عليها، لأننا لا نستطيع شراء المازوت وخيمتنا ممزقة لا ترد البرد عنا".
يُذكر أن محيط بلدة حوش تل صفية يضم 4 مخيمات فيها نحو 140 خيمة وتأوي أكثر من 150 عائلة لاجئة من محافظة الرقة.
وأضافت المحمود أن أكثر ما تحتاجه هي وعائلات أخرى في المخيم هو الشوادر والخشب لإصلاح خيمهم.
وأكدت أيضا حاجتهم إلى الطعام لا سيما في ظل تخفيض كمية المساعدات الغذائية واستبدالها من قبل المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بمليون ليرة لبنانية توزع شهريا على اللاجئين.
وكشفت أن المليون ليرة لبنانية يمكن أن تشتري فقط كيلوغراما واحدا من البرغل وكيلوغراما من الأرز وعلبة زيت وربطة خبز.
حاجة ماسة إلى المساعدات
ومن جانبه، وصف اللاجئ والمشرف على مخيم حوش تل صفية عزيز أحمد الغالي الأوضاع في المخيمات بأنها "مزرية جدا" خلال موسم الشتاء الجاري.
وقال إن أقمشة الخيم ممزقة ولا أموال لشراء المازوت بسعره الحالي الذي يزيد عن 800 ألف ليرة لبنانية.
وأردف أن "الجميع يحتاج لمساعدة فورية هذا الشتاء"، لافتا إلى أن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين علقت البطاقة الغذائية لعدد كبير من العائلات واستبدلتها بمساعدات مالية شهرية لا تتجاوز الـ 4 ملايين ليرة لبنانية لأسرة مكونة من 7 أفراد.
ولا يبدو الوضع أفضل في المخيمات الـ 12 في محيط بلدة السعيدي القريبة من بعلبك والتي تضم 800 خيمة وتأوي 3000 لاجئ من الرقة.
وقالت دالة محمد الخضر التي تعيش في خيمة مع أطفالها الثلاثة "إذا جمع أولادي حديد وباعوه نأكل، وإلا تبقى بطوننا خاوية".
وأضافت "بكى ابني ليومين لعدم استطاعتي تلبية طلبه شراء سندويش فلافل".
وقالت للمشارق إن خيمتها الممزقة بحاجة إلى إصلاح لدرء البرد بسبب عجزها عن شراء المازوت.
وتابعت أن "المليوني ليرة التي أتلقاها شهريا من المفوضية لا تكفي لشراء كمية محددة من الأرز والسكر والعدس والزيت، فكيف أرمم خيمتي؟"
وفي مجمع المطار في إيعات شرقي بعلبك والذي يتألف من 4 مخيمات تضم نحو مائة خيمة و800 لاجئ، قال شاويش المخيم محمد زكور الحج إن اللاجئين يلفون أجسادهم بالحرامات ويشعلون الأحذية للتدفئة.
وأوضح للمشارق أنه "لم يتسلم أي لاجئ شوادر لتأهيل خيمته منذ 5 سنوات، وجميع الخيم معرضة لاجتياح الامطار".
واشتكت اللاجئة السورية منى أحمد الصالح وأصلها من الرقة، من العيش في خيمة ممزقة في مخيم إيعات وقالت إنها وزوجها وأطفالها الثلاثة يعيشون فعليا "بالعراء".
وقالت الصالح إن ابنتها تعاني من نوبات كهربائية مزمنة وإن الوضع الراهن صعب عليها بشكل خاص.
الدولار السوق السوداء
وفي 16 كانون الأول/ديسمبر، أعلنت المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومنظمات إغاثية دولية أخرى أن 90 في المائة من اللاجئين السوريين في لبنان يحتاجون إلى مساعدات إنسانية لتجاوز أسوأ أزمة اقتصادية يشهدها لبنان منذ عقود.
وحذرت المفوضية من خطورة الوضع في لبنان حيث يعيش 9 من أصل 10 لاجئين في فقر مدقع.
وفي هذا الإطار، قال صلاح بركات المتطوع في جمعية وصول التابعة للمفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين التي تهتم بشؤون اللاجئين السوريين، إن "لاجئين بغرف مستأجرة يعانون من عجزهم عن توفير التدفئة والطعام لأنهم يدفعون الإيجار الشهري بدولار السوق السوداء".
وتشير التقارير إلى أنه يتم تهريب ملايين الدولارات من لبنان إلى سوريا، وتشكل بلدة شتورة البقاعية المركز الرئيسي للصرافة.
وقال محللون للمشارق إن النظام السوري يستغل الساحة اللبنانية للالتفاف على قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا لعام 2019 وللحصول على دولارات بالتعاون مع حليفه حزب الله.
ومن جانبها، لفتت المتحدثة باسم المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ليزا أبو خالد، إلى أن المنظمة "دأبت على دعم اللاجئين السوريين بأنواع مختلفة من المساعدات وتقديم المساعدة النقدية بالليرة اللبنانية".
ولكنها كشفت للمشارق أنه بسبب قيود الميزانية، اضطرت المفوضية هذا العام لاتخاذ قرارات صعبة، كالتركيز على العائلات الأكثر ضعفا فقط بناء على تقييم أجرته المنظمة وشركاؤها.
وختمت مؤكدة أن المفوضية تنوي الوصول هذا الشتاء إلى أكثر من 288 ألف عائلة لاجئة من الجنسية السورية ومن جنسيات أخرى لمساعدتها على تلبية احتياجاتها وتغطية نفقاتها وسط البرد والأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد.