باريس ـ بعد 5 أشهر من إعلان الولايات المتحدة مقتل زعيم القاعدة أيمن الظواهري في أفغانستان، لم تؤكد الجماعة المتطرفة العالمية وفاته كما لم تعلن اختيار رئيس جديد لها.
ففي أوائل آب/أغسطس، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن أن القوات المسلحة الأميركية أطلقت صاروخين من طراز هيلفاير من طائرة مسيرة كانت تحلق فوق كابول بأفغانستان، فاستهدفتا المنزل الآمن للظواهري وأسفرتا عن مقتله.
ولكن واصلت الآلة الدعائية للتنظيم بث رسائل صوتية أو مرئية غير مؤرخة للإيديولوجي المصري الذي قاد التنظيم بعد أن قامت القوات الأميركية الخاصة عام 2011 بقتل مؤسسه أسامة بن لادن في باكستان.
وقال مدير مشروع مكافحة التطرف هانز جاكوب شندلر "إنه أمر غريب حقا. لا يمكن لشبكة أن تعمل في غياب قائد لها. تحتاج إلى شخصية يدور حولها كل شيء".
وأثارت اللقطات غير المؤرخة بعض التكهنات بأن الظواهري ما يزال حيا.
ولكن كتب الباحثان رافايلو بانتوتشي وكبير تانيجا في مطلع كانون الأول/ديسمبر على موقع لوفير الإلكتروني، "يبدو أن هذا الأمر غير مرجح بالنظر إلى الثقة التي تحدث بها الرئيس بايدن علنا عن الضربة".
هل الخلف متوار عن الأنظار؟
ويتمثل احتمال آخر في أن تكون القاعدة قد فشلت حتى الآن في الاتصال بخليفة الظواهري المرجح وهو الرجل الثاني بعده سابقا ويلقب بالاسم الحركي سيف العدل.
وإن العدل ضابط سابق في القوات الخاصة المصرية وشخصية في الحرس القديم للقاعدة، وقد ترددت أنباء عن وجوده في إيران.
وبعد انضمامه إلى الحركة المتطرفة المصرية في ثمانينيات القرن الماضي، اعتقل ثم أطلق سراحه لينتهي به الأمر في أفغانستان وينضم إلى القاعدة.
ووفقا لمشروع مكافحة التطرف، قبض عليه في إيران عام 2003 وأفرج عنه عام 2015 في عملية تبادل للأسرى. وحتى عام 2018، كان يشتبه بأنه ما يزال موجودا في إيران كأحد مساعدي الظواهري الرئيسيين.
ويعارض حكام إيران الشيعة تنظيم القاعدة رسميا، ومع ذلك فقد اتُهمت إيران مرارا وتكرارابالتعاون مع الشبكة وتوفير الملاذ لقادتها.
وبالنسبة إلى شندلر، فإن العدل "يمثل عبءا، لكنه أيضا ورقة قوية بيد للنظام الإيراني".
فبحسب مصالحها، قد تقرر طهران تسليمه إلى الولايات المتحدة أو السماح له بمهاجمة الغرب.
ومن الممكن أن يكون العدل قد مات أو اختبأ لتجنب مصير سلفه أو مصير آخر زعيمين لخصم تنظيم القاعدة الرئيس أي تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) واللذين قتلا العام الماضي.
وبعد توليه قيادة الشبكة، لم يحاول الظواهري محاكاة كاريزما بن لادن وتأثيره، لكنه لعب دورا رئيسا في تحقيق اللامركزية ضمن المجموعة.
وتمتلك القاعدة حاليا فروعا مستقلة منتشرة في مختلف أنحاء الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب شرق آسيا، وباتت أقل اعتمادا على القيادة المركزية مما كانت عليه في الماضي سواء في عملياتها أو تمويلها واستراتيجياتها.
’أهمية محدودة‘
وقال المحلل المتخصص في شؤون تنظيم القاعدة باراك مندلسون، إنه يصعب تحديد سبب استغراق التنظيم وقتا للإعلان عن زعيم جديد لها، معتبرا أن التأخير "ليس له أهمية كبيرة".
وتابع "في نهاية المطاف، يعكس الانتظار الأهمية المحدودة لتنظيم القاعدة المركزي". وأضاف "هذا رمز يوحد الجماعات عبر الحدود، لكن أهميته التشغيلية متدنية".
وكان تنظيم داعش قد واجه صعوبات مماثلة في تحديد قائد له منذ أن قتل أبو بكر البغدادي نفسه خلال غارة أميركية في سوريا عام 2019.
وبعد مقتل خلفي البغدادي العام الماضي، اختار تنظيم داعش شخصا غير معروف نسبيا ليكون زعيما جديدا له، علما أن هذا الأخير يدعي انتسابه إلى قبيلة النبي محمد، قريش، سعيا لاكتساب الشرعية.
من جهته، قال توري هامينغ الباحث في المركز الدولي لدراسة التطرف إنه ليس من الضروري أن يكون للقاعدة زعيم رمزي يتحدث باسمها.
وأضاف "رأينا الأمر نفسه يحصل مع داعش منذ 2019، وليس هذا بالأمر المهم".
وتابع أن داعش انتخبت خلفاء جدد ولكن "لم يكن يعرفهم أحد ولم يسمع عنهم من قبل. ومع ذلك ظل الأتباع أولياء لها".
وأردف "بالنسبة للقاعدة قد يكون الأمر مشابه، فيكتفي التنظيم بوجود مجلس من كبار الشخصيات التي تلعب دور الأمير".
وقال بانتوتشي وتانيجا على موقع لوفير إنه "بغض النظر عن سبب صمت القاعدة، يبدو أن ذلك يؤشر إلى أن التنظيم غير مسيطر على الوضع".
وذكرا أن "عدم التعليق على تقارير حول وفاة زعيم والقيام بدلا من ذلك بنشر دليل غير مقنع على كونه على قيد الحياة عبر بث تسجيل صوتي له، يدلان على الضعف وليس على قوة مدروسة".
وأضافا أن الإرهاب لربما لم يختف بعد، "ولكن يبدو بشكل متزايد أن جوهر القاعدة قد اختفى".