تحقق الحكومة العراقية خطوات كبيرة لتمكين الذين نزحوا من منازلهم بسبب تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) من العودة إلى قراهم وبلداتهم، لكن ما تزال هناك تحديات.
وفيما تسعى بغداد لإرجاع أكثر من 1.2 مليون نازح داخلي إلى منازلهم، ما يزال كثيرون منهم غير قادرين على العودة نتيجة تواصل أنشطة الفصائل المسلحة المرتبطة بإيران في مناطقهم.
وما يزال أهالي بلدة جرف الصخر التي تقع جنوب بغداد في محافظة بابل، يواجهون عوائق كبيرة في طريق عودتهم إلى ديارهم.
وتعيش حاليا أكثر من 1300 عائلة من أهالي البلدة في معسكر إيواء يقع في مدينة العامرية بمحافظة الأنبار ويعرف بمخيم بزيبز، بمن فيهم أسرة أحمد الجبوري.
وفي حديثه للمشارق، قال الجبوري الذي أمضى حتى الآن حوالي ثماني سنوات بعيدا عن مزرعته الصغيرة في أطراف جرف الصخر، إنه ينتظر بفارغ الصبر العودة إلى منزله والعمل مجددا في استصلاح أرضه.
وأضاف "أزمتنا طالت كثيرا لكن ما زال لدينا أمل بأن تنتهي قريبا".
وتابع "نريد من المسؤولين الالتفات جديا إلى معاناتنا وإيجاد حلول. المخيم ليس بديلا عن المنزل ولا يمكننا البقاء فيه لأجل غير معلوم".
وبالإضافة إلى جرف الصخر، تنتشر الميليشيات التي تدعمها إيران في قرى بلدات شمال المقدادية والعظيم في محافظة ديالى وفي عزيز بلد والعوجة ويثرب في محافظة صلاح الدين ومنطقة الثرثار ومجمع الفوسفات في القائم بالأنبار، وفي قرى في بلدات سنجار وتلعفر وربيعة بمحافظة نينوى.
واستطاعت القوات العراقية بين عامي 2014 و2017 تحرير هذه المناطق من قبضة تنظيم داعش، لكن الجماعات الموالية لإيران مثل كتائب حزب الله وحركة النجباء وعصائب أهل الحق، سعت منذ ذلك الحين لبسط هيمنتها عليها.
واليوم، تمنع هذه الجماعات المسلحة الدخول إلى تلك المناطق بذريعة أنها غير مؤمنة من مخلفات الحرب وتحاول أيضا تسويق ذريعة أن وجودها هناك هو لحفظ الأمن ومنع عودة العناصر المتطرفة.
مخاوف أمنية
وتعهدت السلطات العراقية مؤخرا بإنهاء معاناة النازحين في إطار برنامج حكومي يدعو لإغلاق المخيمات المتبقية كافة، من بين تدابير أخرى.
وشددت وزيرة الهجرة العراقية إيفان فائق جابرو في بيان صدر يوم 29 تشرين الثاني/نوفمبر على ضرورة تأمين عودة الأسر النازحة إلى جرف الصخر.
وقبل ذلك، أعلنت لجنة الهجرة في البرلمان العراقي في بيان صدر يوم 21 تشرين الثاني/نوفمبر، عن دعمها لجهود الحكومة في إعادة النازحين.
وأكدت اللجنة استمرار وزارة الهجرة في تسهيل إجراءات العودة الطوعية للنازحين، وكذلك دمج بعض المخيمات التي لم يتبق من قاطنيها إلا إعداد قليلة، وذلك لتسهيل عملية تقديم الخدمات والدعم.
هذا وتوجد خطط لضمان عودة أو إعادة كل النازحين بعد التأكد من عدم تورطهم في أي أنشطة مشتبه بها أو متعلقة بالإرهاب، مثلما هي الحال بالنسبة للعراقيين من مخيم الهول في محافظة الحسكة في سوريا.
وبحسب ما ورد، فقد أعد المسؤولون العراقيون بالفعل قوائم بأسماء أهالي منطقة جرف الصخر وبلدات أخرى لغرض التدقيق بخلفياتها الأمنية قبل السماح لأصحابها بالعودة.
لكن البعض ينظر لعودة السكان كقضية معقدة وربما غير ممكنة في الوقت الراهن بسبب تحول الكثير من تلك البلدات إلى مناطق نفوذ قوي للميليشيات.
معاقل الميليشيات
في هذا الإطار، قال الباحث السياسي عبد القادر النايل في حديث للمشارق إن جرف الصخر وغيرها من البلدات باتت تمثل "معاقل للميليشيات".
وأضاف، ليس سرا أن الميليشيات المدعومة من إيران أقامت قواعد عسكرية في منطقة جرف الصخر.
وأشار إلى أنه "يتم إنتاج أسلحة وصواريخ وطائرات مسيرة داخل مصانع في جرف الصخر تحت إشراف الحرس الثوري الإيراني، كما إنها تضم مراكز لتدريب عناصر الميليشيات".
وتُتهم الميليشيات التابعة لإيران بتحويل البلدات التي تهيمن عليها إلى مقرات عسكرية ومخازن للذخيرة وسجون تديرها تحت حراسة مشددة.
من جهة أخرى، تؤكد تقارير وجود مقابر جماعية داخل تلك البلدات تضم جثامين مدنيين. والذين دفنوا في تلك المقابر إما أعدموا في السجون أو قتلوا في ساحات المعارك على يد عناصر الميليشيات خلال الحرب ضد داعش.
وفي ضوء ذلك، يقول البعض إن الميليشيات التي تدعمها إيران تتعمد جعل عودة السكان المحليين صعبة خشية افتضاح أمرها ومحاسبتها على الجرائم التي اقترفتها.