بالنسبة للعديد من الإيرانيين، يشكل اسم قاسم سليماني مرادفا لما تشهده المنطقة من توتر وانعدام استقرار، إلى جانب الإنفاق غير المبرر على حروب خارجية بالوكالة وقمع المعارضة الداخلية.
وقال مواطنون إيرانيون للمشارق شريطة عدم الكشف عن هويتهم خوفا من انتقام النظام الإيراني منهم، إن هذا الأمر متوقع تماما بالنظر إلى أفعاله.
وطوال أكثر من 20 عاما وتحت قيادة سليماني، قام فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني بتصدير الإرهاب وتغذية الطائفية وتقويض الحكومات وكان مسؤولا عن مقتل آلاف الأبرياء.
وفي أعقاب مقتله بغارة شنتها مسيرة أميركية عام 2020، أعربت ابنته زينب سليماني التي نشطت على الساحة السياسية في إيران لفترة قصيرة في الأشهر التالية، عن "ثقتها" بأن "عمها العزيز حسن نصر الله" سينتقم لمقتل والدها.
يُذكر أن نصر الله هو أمين عام حزب الله اللبناني المدعوم من إيران. وإن زينب متزوجة من رضا صفي الدين، نجل هاشم صفي الدين ابن عمة نصر الله.
ويرأس هاشم المجلس التنفيذي لحزب الله ويعتبر الرجل الثاني في الحزب. وترى فيه الغالبية الخليفة الحتمي لنصر الله.
وفي ما بدا أنه محاولة للانتقام لمقتل سليماني، قامت قوات الحرس الثوري الإيراني عن طريق الخطأ بإسقاط الرحلة 752 للخطوط الجوية الأوكرانية الدولية التي كانت متجهة إلى كييف، وذلك بعد دقائق من إقلاعها من مطار الإمام الخميني الدولي في طهران.
وقتل جميع الركاب الـ 167 ومعظمهم من الإيرانيين. ولكن لم تتم حتى اليوم مقاضاة أي من المسؤولين رفيعي المستوى في الحرس الثوري.
تحطيم التماثيل
وفي السنوات التي أعقبت مقتل سليماني، تم تمزيق ملصقات ولافتات وصور القائد السابق للحرس الثوري من على الجدران وتم تحطيم تماثيله أو تشويهها أو إضرام النار عليها في الأماكن العامة في مختلف أنحاء إيران بالسرعة نفسها التي كانت ترفع فيها.
وبعد حالات التحطيم المتكررة، تدخلت القوات الأمنية التابعة للنظام ووضعت تماثيل سليماني تحت حراسة مشددة.
وقال أكاديمي مقيم في إيران طلب عدم نشر اسمه، في حديث للمشارق إنه كان من بين مجموعة المحتجين الذين أحرقوا تمثالا لسليماني في اليوم نفسه الذي نصب فيه في إحدى المدن الإيرانية.
وذكر أن "إرث سليماني هو إرث رعب وإراقة دماء".
وأضاف "لا يوجد مطلقا أي مواطن إيراني عادي يتمتع بضمير حي وعقل سليم، يريد تكريم هذا الرجل".
وقال "يرتفع ضغط دمي من الغضب كلما سمعت اسمه".
وفي مدينة شهركرد بمحافظة بمحافظة تشهارمحال وبختياري، أحرق تمثال لسليماني في ظلام الليل بعد ساعات من نصبه قبيل الذكرى الأولى لوفاته.
وفي مدينة بانه في كردستان، صدر حكم بالسجن بحق 3 شبان إيرانيين لمدة إجمالية بلغت 16 عاما و7 أشهر على خلفية قيامهم بإحراق لافتة لسليماني في صيف العام 2021.
واعتقل 3 مراهقين وعدد من الفتيات أثناء قيامهم بتمزيق عدة صور كبيرة لسليماني على جدران أحد شوارع طهران، وذلك في حادثين منفصلين بشهر كانون الثاني/يناير 2020.
إرث من الدمار
وفاقمت الأجور المتدنية والبطالة أعباء الشعب الإيراني الذي يواجه تضخما حادا وانهيارا اقتصاديا.
وتشير تقارير إلى أن نصف الشعب الإيراني يعيش تحت خط الفقر.
ولكن بدلا من دعم الاقتصاد الإيراني المتعثر، اختار النظام إنفاق موارده القليلة على الحرس الثوري الإيراني ووكلائه الإقليميين، بما في ذلك حزب الله اللبناني والميليشيات العراقية وجماعة الحوثي (أنصار الله) في اليمن.
وفي هذه الأثناء وفي وقت يروج فيه كبار المسؤولين الإيرانيين لما حققته صادرات النفط من عائدات قياسية، يتساءل النواب والمراقبون والمدنيون إلى أين تذهب كل هذه الأموال.
ويرى العديد من الإيرانيين صلة مباشرة بين اختلاس عائدات النفط والفساد بشكل عام، وضباط الحرس الثوري السابقين والحاليين الذين يتمتعون بتمثيل غير متناسب وبمناصب رفيعة في الإدارة الحالية.
وقالت طالبة دكتوراه من طهران تبلغ من العمر 27 عاما وعرفت عن نفسها باسم أنيتا، إن سليماني هو في ذهنها رمز للكراهية، كما هو "في ذهن كل شخص أعرفه تقريبا".
وأوضحت للمشارق أنه "كان وراء سحب كل الأموال من أفواه الإيرانيين لصرفها على الميليشيات والسلاح في سوريا واليمن ولبنان والعراق وغزة".
وأضافت أن سليماني مسؤول أيضا عن موجة الكراهية الواسعة تجاه الإيرانيين التي انطلقت في العالم العربي.
وتابعت أنه في هذه الأثناء، لا يعرف الكثير من الإيرانيين إطلاقا كيف تم ويتم إنفاق الأموال التي أخذت من أسرهم في المنطقة.
وأوضحت أنهم يعتقدون أن هذا المال ينفق على مساعدة سكان دول أخرى وفق ما يردده النظام، مضيفة أن الكثيرين لا يفهمون سبب السمعة السيئة التي يحظى بها الإيرانيون في المنطقة.
وبدوره، قال عالم خبير سياسي إيراني استقال من منصبه في أواخر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، في حديث للمشارق "لا أعتقد أن سليماني مكروه في أي مكان آخر في العالم بالدرجة التي هو مكروه بها في إيران من قبل الإيرانيين العاديين".
وأضاف البروفيسور الذي طلب عدم الكشف عن اسمه خوفا على سلامته، أن سليماني تسبب في زعزعة الاستقرار بالمنطقة وكان له تأثير ضار على العديد من الدول، كما أنه كان وراء فقدان الكثير من أرواح الإيرانيين خارج البلاد.
وأكد أن سليماني ترك إرثا من الدمار في جميع أنحاء المنطقة، ولكنه ألحق الضرر الأكبر ببلده وشعبه الذي لا يزال حتى اليوم يدفع ثمنا باهظا عن قراراته وأفعاله.