تحليل

توسع موطئ قدم الصين في الشرق الأوسط يترافق مع كلفة خفية

فريق عمل المشارق ووكالة الصحافة الفرنسية

صورة التقطت في 7 كانون الأول/ديسمبر في شارع بالرياض، وتظهر العلمين الصيني والسعودي قبيل زيارة الرئيس الصيني إلى العاصمة السعودية. [فايز نورالدين/وكالة الصحافة الفرنسية]

صورة التقطت في 7 كانون الأول/ديسمبر في شارع بالرياض، وتظهر العلمين الصيني والسعودي قبيل زيارة الرئيس الصيني إلى العاصمة السعودية. [فايز نورالدين/وكالة الصحافة الفرنسية]

في حين وقّع قادة السعودية والصين يوم الخميس، 8 كانون الأول/ديسمبر، اتفاقيات تصل قيمتها إلى نحو 30 مليار دولار، حذر قادة آخرون في العالم من الدوافع الخفية للصين في توسيع رقعة تواجدها في الشرق الأوسط.

والتقى الرئيس الصيني شي جين بينغ بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال زيارة رسمية للمنطقة العربية بدأت يوم الأربعاء وتشمل محادثات مع قادة عرب آخرين وقمة لمجلس التعاون الخليجي.

وتأتي الجولة التي تمتد على مدار ثلاثة أيام في إطار حملة وصفتها صحيفة واشنطن بوست على أنها "حملة سحر عالمية" تنفذ عقب إعادة انتخاب شي لمنصب الرئاسة، وهو ما يعتبر تمهيدا للطريق أمام تولي الزعيم الصيني السلطة إلى أجل غير مسمى.

وذكرت الصحيفة أن الحملة تواصلت حتى في ظل مواجهة شي موجة معارضة شعبية لم تشهدها البلاد منذ عقود، لافتة إلى أن شي التقى منذ بداية ولايته الجديدة ما لا يقل عن 26 رئيس دولة أو حكومة من كل قارة.

صورة تظهر الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز إلى جانب الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال حفل ترحيب أقيم في بيجين بتاريخ 16 آذار/مارس 2017. [نيكولاس عصفوري/وكالة الصحافة الفرنسية]

صورة تظهر الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز إلى جانب الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال حفل ترحيب أقيم في بيجين بتاريخ 16 آذار/مارس 2017. [نيكولاس عصفوري/وكالة الصحافة الفرنسية]

ومن المتوقع أن يلتقي في السعودية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس التونسي قيس سعيد والرئيس الفلسطيني محمود عباس والزعيم الفعلي للسودان عبد الفتاح البرهان.

ومن المتوقع أن يتوجه أيضا رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ورئيس الوزراء المغربي عزيز أخنوش ورئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان نجيب ميقاتي إلى السعودية للمشاركة في قمة صينية-عربية أوسع نطاقا.

وتعمل الصين، وهي أكبر مستهلك للنفط السعودي، على توطيد علاقاتها مع المنطقة التي لطالما اعتمدت على الولايات المتحدة للحماية العسكرية والتي عبّرت عن مخاوف من إمكانية خفض التواجد الأميركي.

ʼحملة سحرʻ

ووصفت وزارة الخارجية الصينية خلال الأسبوع الجاري زيارة شي على أنها "أوسع نشاط دبلوماسي بين الصين والعالم العربي" منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية.

وقال وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح إن الزيارة "ستسهم في رفع وتيرة التعاون الاقتصادي والاستثماري بين البلدين"، حسبما ذكرته وكالة الأنباء السعودية.

وأضاف أنها ستقدم للشركات والمستثمرين الصينيين "عائدات مجزية".

وفي هذا السياق، ذكر المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي يوم الأربعاء أن السعودية تبقى حليفا أساسيا للولايات المتحدة، ولكنه حذر من "الهيمنة التي تحاول الصين بسطها حول العالم".

وأضاف أن "الشرق الأوسط هو من دون شك إحدى المناطق حيث ترغب في تعميق مستوى هيمنتها".

وتابع "نعتبر أن العديد من الأمور التي تحاول تحقيقها والطريقة التي تعتمدها لا تؤدي إلى الحفاظ على النظام العالمي القائم".

ولواشنطن علاقات تجارية ودبلوماسية وعسكرية وطيدة مع السعودية. ولكن برزت حالة من التوتر على خلفية قرار اتخذته منظمة الدول المصدّرة للنفط (أوبك) بقيادة السعودية بخفض الإنتاج في محاولة لرفع أسعار النفط.

وقال كيربي إن السعودية كانت شريكا استراتيجيا للولايات المتحدة طوال نحو 80 عاما، ولكنه أشار إلى أن الرئيس الأميركي جو بايدن أصدر توجيهات بمراجعة هذه العلاقات.

وتابع "نعم، إننا نبحث هذه العلاقة الثنائية في أعقاب القرار الذي اتخذته منظمة أوبك حرصا منا على ضمان أنها تتماشى بالشكل الأفضل مع المصالح الأمنية الوطنية الأميركية. وإن هذا العمل جار حاليا".

علاقة محفوفة بالمخاطر

وحذر خبراء من أن أية شراكة موسعة مع السعودية قد تساعد الصين على تأمين مساراتها التجارية وتوسيع رقعة نفوذها العسكري في المنطقة، لافتين إلى أن أية فائدة محتملة للشرق الأوسط والمملكة هي أقل وضوحا من ذلك.

وبدأت الصين فعلا بإنشاء موطئ قدم عسكري لها في الشرق الأوسط، حيث أقامت تواجدا لها بشكل خفي في الموانئ الإقليمية الاستراتيجية تحت ستار مبادرة الحزام والطريق التابعة لها، أو ما يعرف بمبادرة حزام واحد طريق واحد.

وفي حديث لصحيفة بوليتيكو، قال المدير الإداري لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى مايكل سينغ في آب/أغسطس الماضي، إن "جزءا من الاستراتيجية الصينية في المنطقة يتمثل بإظهار أن الصين هي الشريك الأجدر بالثقة والأفضل لدول الشرق الأوسط مقارنة بالولايات المتحدة".

وذكر محللون أن الصين تفضل فعليا التحالف مع السعودية على شراكتها الحالية مع إيران. ولكنهم أشاروا إلى أنه من الواضح بشكل عام أن السعودية تفضل الانحياز إلى الولايات المتحدة والغرب، علما أن تغيير هذا الواقع سيكون محفوفا بالمخاطر.

ويعود سبب ذلك إلى الدور الأساسي الذي تلعبه الولايات المتحدة في تأمين الحماية العسكرية للمنطقة، وهو دور لم تثبت الصين أنها مستعدة له أو قادرة على أدائه.

هذا وتظهر أجندة إيران التوسعية في الشرق الأوسط، حيث يؤكد الحرس الثوري الإيراني ووكلائه المصالح الاستراتيجية للجمهورية الإسلامية في لبنان وسوريا واليمن والعراق.

كذلك، لم يكن لسوء معاملة الصين لسكانها المسلمين وقع جيد في المملكة، وهو ما أظهر تباينا في القيم بين البلدين، كما أن السعودية متخوفة أيضا من تحالف الصين مع إيران.

الانتهازية الصينية

وفي هذا الإطار، ذكر الأستاذ المحاضر في دراسات الشرق الأدنى بجامعة برينستون برنارد هيكل خلال فعالية افتراضية استضافها معهد هدسون البحثي في 19 آب/أغسطس، أنه يمكن وصف انخراط الصين بالمنطقة بأنه "انتهازي".

وتابع أن الصين "تضع نصب عينيها القواعد العسكرية، محاولة الدخول إلى المجال العسكري في مختلف أنحاء الخليج"، لافتا إلى أنها تركز في هذا الجهد على مصالحها الخاصة.

وجاء في تقرير نشر في بوليتيكو بتاريخ 16 آب/أغسطس أن مخاوف السعودية بشأن إيران "ستمنع الصين على المدى القريب من أن تأخذ موقع أميركا المهيمن كالقوة العظمى والحليفة المفضلة للمملكة".

وأثناء إلقاء كلمة الافتتاحية في معهد الشرق الأوسط عبر رابط فيديو في 3 شباط/فبراير، حذر الجنرال كينيث ماكنزي قائد القيادة المركزية الأميركية المنتهية ولايته، قائلا إن الصين تسعى إلى التوغل عسكريا مع شركاء الولايات المتحدة في المنطقة.

وأشار إلى أنه مع أن الصين تسعى لأن تحل محل الولايات المتحدة كالشريك المفضل في الشرق الأوسط، إلا أنها "لا ترغب في ارتداء عباءة الضامن لنظام عالمي حر ومنفتح، أي نظام يحترم كرامة الإنسان وسيادة القانون".

وشدد على أن "الولايات المتحدة التي تعمل يدا بيد مع حلفائنا وشركائنا الذي يتلاقون معنا فكريا ليس لديها نية للتخلي عن هذه العباءة".

هل أعجبك هذا المقال؟

0 تعليق

سياسة المشارق بشأن التعليقات * معلومات ضرورية 1500 / 1500