القاهرة -- مع تزايد معدلات اليأس في سوريا، يخاطر كثيرون في البلد بحياتهم سواء عبر البر أو البحر بحثا عن مستقبل أفضل.
فالبعض يحاول القيام بهذه الرحلة عبر تركيا في الشمال، في حين يتجه آخرون جنوبا، إلى أفريقيا، حيث تعد شبكات التهريب بنقلهم عبر البحر إلى إسبانيا مقابل رسوم باهظة.
وفي أوائل شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، دفع 12 سوريا ممن حاولوا السير في هذا الطريق حياتهم ثمنا لذلك.
وفي حديثه للمشارق، قال آزاد دوديكي مسؤول إحدى فرق الهلال الأحمر الكردي، إن كثيرين منهم يتحدرون من منطقة كوباني في سوريا الخاضعة للإدارة الكردية، حيث فجع الأهالي بخبر وفاة 10 أشخاص من منطقتهم.
وأضاف أن آخرين ما يزالون في عداد المفقودين، مشيرا إلى أن الوضع العام معقد.
وذكر أنه إضافة إلى أولئك الذين قتلوا أو غرقوا في الحادث الأخير، فإن بعضا من طالبي اللجوء السوريين محتجزون في مراكز توقيف تابعة للسلطات الجزائرية، في حين تم ترحيل آخرين إلى الأراضي النيجيرية.
وأشار إلى أن "أفراد المجموعتين يعانون من أوضاع سيئة جدا"، مقدرا أن 60 شخصا على الأقل احتجزوا أو رحلوا.
وتابع أن من تم إبقائهم في الاحتجاز "خائفين من تسليمهم إلى السلطات السورية وعندها سيتم اعتقالهم دون شك، والموجودون في نيجيريا لا يستطيعون الانتقال إلى أي مكان آخر كونهم لا يملكون التأشيرات المطلوبة".
الخوف من العودة
وأشار دوديكي إلى أنه بين الـ 12 الذين قضوا في محاولة العبور الأخيرة، 10 منهم يتحدرون من منطقة كوباني في شمالي سوريا.
والآخران من محافظتي اللاذقية وحلب السوريتين.
"وما يزال ستة أشخاص في عداد المفقودين ويرجح غرقهم أيضا، بينما نجا من الحادثة اربعة أشخاص فقط"، حسبما أكد.
وأوضح أنه مع أن الحادث وقع بتاريخ 3 تشرين الأول/أكتوبر، فقد كان هناك تأخير لأكثر من شهر في وصول الجثامين إلى سوريا، عازيا السبب إلى الإجراءات القانونية التي حصلت بين الجزائر وسوريا ولبنان.
وتم نقل الجثامين أولا إلى بيروت ومن ثم إلى سوريا.
وقام الهلال الأحمر اللبناني بنقلها إلى الحدود السورية، وأكمل بعدها الهلال الأحمر السوري عملية النقل إلى مستشفى منبج حيث استلم الأهالي جثث أفراد عائلاتهم.
وأكد دوديكي أن "مجلس سوريا الديومقراطية والإدارة الذاتية شكلا لجنة لمتابعة الملف، ومتابعة مصير من لا يزالون في الجزائر ونيجيريا والعمل على إيجاد طريقة لإعادتهم إلى سوريا".
وأشار إلى أن جزءا من التحدي يتمثل في منع إلقاء القبض عليهم من قبل النظام السوري عند عودتهم.
ومن الحلول المطروحة حاليا إمكانية نقلهم إلى العراق ومنه إلى مناطق الإدارة الذاتية في سوريا لتجنيبهم الوقوع بيد سلطات النظام السوري.
وكان تقرير أعدته لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن بسوريا في أيلول/سبتمبر قد خلص إلى أن سوريا لا تزال غير آمنة لعودة اللاجئين، وأن النظام السوري لا يقدم أي ضمانات لعودتهم الآمنة.
فالتقرير، الذي قدم إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وثق انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان الأساسية والقانون الدولي الإنساني في جميع أنحاء سوريا بين 1 كانون الثاني/يناير و30 حزيران/يونيو 2022.
وأشار إلى انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها أطراف الصراع وإلى انعدام الأمن في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري واستمرار الاعتقالات التعسفية وحالات الاختفاء القسري وموت المواطنين جراء التعذيب.
وقال مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فاضل عبد الغني للمشارق، إن حزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيرانيضالعان في "قسم كبير" من الانتهاكات "لأنهما تابعان للنظام السوري ... ويقاتلان إلى جانبه".
لا خيار إلا الهجرة
من جانبه، قال رامان جلو، وهو من سكان كوباني ويعمل بأعمال البناء، إنه لا تفكير لشبان منطقة كوباني خصوصا، وسوريا عموما، إلا "الهجرة والخروج من سوريا بسبب الأوضاع الاقتصادية والأمنية السيئة وانعدام فرص العمل".
وأضاف للمشارق أنه "لكون إجراءات الهجرة صعبة وتحتوي الكثير من القيود، يتم اللجوء إلى الهجرة غير الشرعية من خلال تركيا ولبنان ومؤخرا الجزائر".
ولفت إلى أن كل يقوم بالهجرة غير الشرعية يعرف تماما مخاطر الرحلة "كاحتمال القبض عليهم أو غرق الزورق كما حصل مؤخرا، إلا أنهم يصرون على الأمر كونه الفرصة الأخيرة لهم".
وأوضح أن "أسعار الرحلة إلى الجزائر تبدأ من 2000 دولار أميركي وتتم من خلال وسطاء محليين لديهم اتصالاتهم مع المهربين في الجزائر".
وتابع أنه "يتم دفع نصف المبلغ في سوريا والقسم الآخر لدى الوصول إلى الجزائر قبل الانطلاق بالمراكب".
وقال يبدو إن هؤلاء المهربين ينتمون إلى "من شبكات كبيرة جدا ومنظمة".
واستدرك أن أولئك الذين يسعون للهجرة هم من كل الإعمار، مشيرا إلى أنه في الحادثة الأخيرة يوم 3 تشرين الأول/أكتوبر، تراوحت إعمار القتلى بين 16 و45 سنة.
أجواء حزن في كوباني
من جانبه، قال صالح عبدو، 63 عاما ويعمل بمجال التجارة وهو من مدينة كوباني وأب لولدين، إن "أجواء الحزن تخيم على مدينة كوباني وريفها بسبب مقتل عشرة من أبناء المنطقة في 'قوارب الموت'".
وأضاف للمشارق أن "الضحايا يتحدرون من معظم القرى [المحلية]، مضيفا أنه منذ مدة يراقب أبناءه الاثنين "حتى لا يقعا بفخ التفكير بالهجرة غير الشرعية".
وذكر أنه الآن بات مرعوبا أكثر من الفكرة خوفا عليهما، ويحاول التقرب أكثر منهما وتسهيل الأمور الحياتية عليهما.
وختم "أقنعت ابني الأكبر بالعمل معي في مجال التجارة، أما الثاني فما زال في الجامعة وأشجعه دائما على الدراسة واستكمال دراسته".