يسابق عناصر الخوذ البيضاء الزمن لإزالة الذخائر الحربية غير المنفجرة من المناطق السكنية والزراعية في شمال سوريا ورفع مستوى الوعي حول خطرها، حتى مع استمرار هذه المخلفات في إزهاق الأرواح.
وكانت الذخائر العنقودية محط اهتمام خاصا لمتخصصي إزالة الألغام في الدفاع المدني السوري، وشكلت كذلك خطرا داهما على المدنيين، كونها متفجرات محظورة دوليا بسبب الذخائر الصغيرة التي تطلقها في المناطق المستهدفة.
حيث تحظر اتفاقية الذخائر العنقودية لعام 2008 تحت أي ظرف من الظروف استخدام الذخائر العنقودية وتطويرها وإنتاجها وحيازتها وتخزينها ونقلها، علما أن الاتفاقية هي معاهدة دولية وقعتها أكثر من 100 دولة.
وساهمت الخوذ البيضاء في إعداد تقرير مراقب الذخائر العنقودية لعام 2022، والذي يقدم معلومات مفصلة عن مسح الذخائر العنقودية وإزالتها، وكذلك عن الضحايا وكيفية مساعدتهم.
وبحسب التقرير، فإن ثلث المجتمعات المأهولة في سوريا متأثرة بانفجار مخلفات الذخائر الحربية.
لكن القدرة على معالجة هذا التلوث ما تزال تقف عند مستويات حرجة، إذ تعاني البرامج المتعلقة بالألغام من نقص مزمن في التمويل والخبرة والاهتمام الكافي، وفقا لتقرير المرصد.
وعلى الرغم من عدم معرفة مدى تلوث المنطقة بالذخائر العنقودية، يبدو واضحا بحسب التقرير أنه واسع الانتشاربسبب الاستخدام المتكرر لها في سوريا على مدار السنوات الـ 11 الماضية .
ومقارنة بسنة 2020، ازداد هذا العام عدد الحوادث الناتجة عن انفجار مخلفات الذخائر الحربية بنسبة 23 في المائة.
ونجحت فرق الخوذ البيضاء في إزالة عدد كبير من مخلفات المتفجرات، وتعمل على زيادة الوعي المحلي حول هذه المشكلة وتقديم إرشادات بشأن كيفية التعامل مع الأجسام المشبوهة التي قد تسبب ضررا.
وفي حديثه للمشارق، أكد المتطوع في الخوذ البيضاء خالد الخطيب أن الذخائر غير المنفجرة تشكل أكبر تهديد للمدنيين في شمال سوريا.
وأشار إلى أن بعضها خلفته الجماعات المتطرفة والفصائل المسلحة في المنطقة، وبعضها الآخر من مخلفات الذخائر التي ألقتها الطائرات الحربية الروسية.
تطهير المناطق السكنية والزراعية
وأشار الخطيب إلى أن فرق الخوذ البيضاء المتخصصة في مسح وإزالة الذخائر والقنابل العنقودية تعطي الأولوية للمناطق السكنية والزراعية.
وأوضح أن معظم ضحايا الذخائر العنقودية هم من الأطفال والمزارعين، مضيفا أن فرق الخوذ البيضاء تجوب بانتظام المناطق السكنية والمدارس والمزارع لتوعية المدنيين حول خطرها.
ولفت إلى أنه تم توجيه الناس بالابتعاد عن الأجسام المشبوهة والاتصال بأقرب مركز للدفاع المدني عند مصادفتها.
وكشف عن توثيق فرق الخوذ البيضاء حتى هذا الشهر من العام الجاري وقوع 21 انفجارا بسبب مخلفات الحرب في شمال غرب سوريا، وقد رفعت تقريرها إلى المنظمات الدولية.
وتابع أن هذه الانفجارات أسفرت عن مقتل 17 شخصا، بينهم خمسة أطفال، وإصابة 24 آخرين، بينهم 14 طفلا وامرأة.
وأوضح الخطيب أن الخوذ البيضاء نفذت هذا العام أكثر من 780 عملية مسح للألغام في نحو 260 منطقة ملوثة بالذخائر، إلى جانب 449 مهمة لإزالة الألغام أسفرت عن إزالة 524 من أنواع ذخائر عدة.
وأكد أن فرق الخوذ البيضاء المتخصصة في الذخائر غير المنفجرة انضمت رسميا إلى التحالف الدولي للقضاء على الذخائر العنقودية، مضيفا أن هذه الخطوة ستعزز خبرة الفرق من خلال حصولهم على التدريب والمعدات اللازمة.
من جهته، قال عامل الإنشاءات ناجي بيرقدار المقيم في مخيم للنازحين في ريف شمال محافظة إدلب في حديثه للمشارق إنه فقد ابن أخته في انفجار قنبلة عنقودية.
وأوضح أن أخته، التي تعمل مع أسرتها في بساتين الزيتون كل يوم تقريبا، كانت تُبقي دوما أطفالها بالقرب منها ولا تتركهم يبتعدون عن نظرها.
ولكن في أحد الأيام، ابتعد عنها ابنها البالغ من العمر تسع سنوات، فوجد قنبلة عنقودية وقتل على الفور إثر انفجارها.
رفع الوعي العام
أما هاني النعمان، أحد سكان إدلب، فقال إن الذخائر غير المنفجرة والقنابل العنقودية تثير قلق المدنيين في شمال غرب سوريا، حيث توجد عدة مخيمات للنازحين في مناطق تعرضت في الماضي لقصف عنيف.
وأوضح للمشارق أن بعض هذه المناطق مليئة بمخلفات الحرب.
ولفت إلى أن إدلب منطقة زراعية تملؤها بساتين الزيتون، وتتطلب مزارعها الحراثة بشكل منتظم ما يؤدي إلى مصادفة قنابل تسفر عن وقوع انفجارات.
وكشف عن وقوع انفجارات عدة في منازل تعرضت للقصف، بينها منازل تأوي نازحين، وإن كانت الانفجارات المتكررة جعلت السكان أكثر حذرا.
وتابع النعمان أن عناصر الخوذ البيضاء يعرضون حياتهم للخطر لإنقاذ المدنيين.
وختم مؤكدا أن حملات التوعية التي يقومون بها تلعب أيضا دورا رئيسا في خفض عدد الإصابات خاصة بين الأطفال، إذ يميل الكثير منهم إلى اللعب بأي جسم غريب يعثرون عليه.