بيروت - أشارت كوكب محمود طرابيشي إلى أحفادها الجالسين على درج في حي باب التبانة في مدينة طرابلس الشمالية، وثياب بالية وممزقة تلف أجسادهم.
وقالت وهي ترسم صورة قاتمة للحي الغارق في فقر مدقع منذ أكثر من عقد، "إنهم أولاد الحجارة والفقر والجوع".
فرغم إمكانات المدينة التجارية والسياحية، يعيش مئات الآلاف من العائلات في فقر مدقع داخل منازل جدرانها مليئة بالثقوب وفي شوارع غارقة بالنفايات.
وخلق الفقر في طرابلس أرضا خصبة لجهود مجندي المتطرفين الذين يستغلون التوترات الطائفية والإحباط واليأس الناجمين عن الانهيار الاقتصادي لجذب الشباب للانضمام إلى صفوفهم.
ونجح تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في استقطاب بعضهم.
وحاول آخرون الهرب من الفقر المتفشي الذي تفاقم على أثر أزمة اقتصادية تدوم في لبنان منذ 3 سنوات، وذلك عبر اللجوء إلى عصابات التهريب غير المشروعة والرحلات البحرية المحفوفة بالمخاطر.
وفي 21 أيلول/سبتمبر، غرق ما لا يقل عن مائة شخص عندما انقلب قارب قبالة الساحل السوري بالقرب من طرطوس، كان يقل مهاجرين أبحروا من طرابلس.
ووفق الدولية للمعلومات، غرق في البحر 248 مهاجرا من لبنان بين عام 2013 وأيلول/سبتمبر 2022، وأغلبهم من طرابلس.
’هذه ليست طرابلس التي عرفناها‘
وتقيم طرابيشي وهي أم لـ 9 أولاد وجدة لـ 30 حفيدا، في بيت مؤلف من غرفتين وشرفة ضيقة يقاسمها فيه أحد أبنائها وزوجته وأولاده الـ 6 الذين يرتادون المدرسة الرسمية "حين توفر أجرة النقل".
وقالت للمشارق "جميعنا محرومون من كل شيء".
وأضافت "كنت أعد لأحفادي سندويش زعتر وزيت، بينما اليوم أعد الزعتر بالمياه، فثلاجتي فارغة ونعيش على كرم بعض الناس".
وتابعت "هذه ليست طرابلس التي عرفناها".
ومن شارع سوريا في باب التبانة حيث يقع محله لحدادة السيارات، قال أحمد الحمود إن شقيقه حاول الهجرة خلال شهر رمضان من العام الجاري، لكنه غرق في البحر مع أقارب آخرين.
وأشار إلى أن "شباب طرابلس وعائلاتهم يموتون غرقا وهم في طريقهم للهجرة... هربا من الفقر والبطالة".
وكشف الحمود الذي بات بالكاد يعمل بعد أن كان يقصده زبائن من جميع المناطق اللبنانية، أنه فكر أيضا بالهجرة.
وتابع "لا أستطيع إعالة زوجتي وأولادي الـ 4 وابنة شقيقي الغريق. لم نر الكهرباء منذ 3 أشهر. هذه ليست طرابلس التي نعرفها والتي كانت منجم ذهب بصناعاتها".
وفي هذا السياق، قالت ميرفت مخيبر التي تقيم في بعل الدراويش في حي جبل محسن الطرابلسيمع أولادها الـ 3، إن "الخدمات الأساسية غائبة عن المنطقة".
وذكرت للمشارق أنها لا تستطيع حاليا تكبد كلفة أدوية القلب والضغط الخاصة بها أو إدخال أطفالها إلى المدارس الرسمية.
إنعاش اقتصاد طرابلس
قال شفيق عبد الرحمن المدير التنفيذي لمنظمة يوتوبيا وهي منظمة غير حكومية تعمل مع الفقراء وتعزز العدالة الاجتماعية، إن الظروف في باب التبانة وجبل محسن "دفعت باهلها للتفكير بالهجرة غير الشرعية".
وأوضح للمشارق أن نسبة الفقر في باب التبانة وحدها والتي يبلغ عدد سكانها 80 ألف نسمة، تزيد عن 70 في المائة، ومعظم الشباب عاطلون عن العمل، فيما يتجه البعض إلى تجارة الأسلحة الفردية وسرقة السيارات.
وأضاف أن التفلت الأمني في الحيين انعكس بعمليات إطلاق نار يومية بسبب بيع المخدرات وقد راح ضحيتها مراهقين، وذلك رغم انتشار الجيش ومديرية المخابرات بشكل مكثف.
وتابع أنه في ما يتعلق بمن يسعون إلى المغادرة، يفرض المهربون رسما بين 5000 و7000 دولار عن الفرد الواحد وما يصل إلى 20 ألف دولار عن كل أسرة. وغالبا ما يضطر الراغبون في الهجرة إلى بيع "أسلحتهم الشخصية وما يملكون من ذهب وأثاث منزلي" لتغطية الرسوم.
وأكد البعض على أن الوضع يجب ألا يكون على هذا النحو.
فقال النائب عن منطقة طرابلس اللواء أشرف ريفي إن طرابلس تتمتع بمقومات النمو والتطور لاستيعاب اليد العاملة الشابة ووضع حد لتزايد الفقر والهجرة غير الشرعية.
وأضاف "تحتاج طرابلس إلى تحريك عجلتها الاقتصادية"، بدءا من وضعها مجددا على خريطة السياحة المحلية والعالمية وإعادة تأهيل مصفاة نفط البداوي المتوفقة منذ اندلاع الحرب الأهلية في لبنان.
ودعا ريفي أيضا إلى "تنشيط معرض رشيد كرامي الدولي وتفعيل العمل بمرفأ طرابلس وتحويل مطار القليعات العسكري إلى مطار مدني، بالإضافة إلى تفعيل العمل بالمنطقة الاقتصادية".
وأكد أن تنشيط الاقتصاد المحلي من شأنه "توفير آلاف فرص العمل التي تساهم في تنمية المنطقة والقضاء على الفقر".
ومن جانبها، ترى طرابيشي الجدة المقيمة في باب التبانة، أن الحل يكمن في القيادة.
وأوضحت "نحتاج إلى ممثلين وقادة يعملون لأجلنا وينفذون مشاريع تنموية وخدمية توفر فرص عمل للشباب العاطلين عن العمل".