بيروت -- يواجه انطلاق العام الدراسي في لبنان تحديات جمة تطال المدارس الرسمية والخاصة على حد سواء، حتى بات البعض يخشى من أن يؤدي ذلك إلى انهيار النظام التربوي في لبنان الذي لطالما عرف بمستواه المميز في جميع أنحاء المنطقة.
ومن أبرز المشكلات أقساط المدرسة الخاصة التي تشير التقارير إلى أنها ارتفعت بمقدار ثلاثة أضعاف جراء تهاوي قيمة العملة الوطنية.
وعلى الرغم من إصرار وزير التربية والتعليم العالي عباس الحلبي على أن يكون دفع الأقساط في المدارس الخاصة بالليرة اللبنانية، ما تزال المدارس الخاصة تفرض دفع جزء من أقساطها بالدولار.
وأكد منسق اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة وأمين عام المدارس الكاثوليكية، الأب يوسف نصر، أن الوضع الاقتصادي قد فرض على المدارس الخاصة "دولرة الأقساط".
وأجبر الوضع الراهن العديد من الأهالي على نقل أولادهم إلى مدارس أقل كلفة أو إلى المدارس الرسمية، كما هي حال إبراهيم يوسف الذي يعمل في مجال صيانة المباني.
وقال يوسف إن لديه أربعة أطفال في سن التعليم، ويتوجب عليه دفع 300 دولار عن كل ولد، إضافة إلى تسديد باقي القسط بالليرة اللبنانية.
وسأل "من أين آتي بكل هذا المال وأنا بالكاد أتقاضى راتبا لا يشبع عائلتي؟".
وأضاف أنه عمد في نهاية الأمر إلى تسجيلهم بإحدى المدارس الرسمية القريبة من منزلهم في المتن بجبل لبنان، الأمر الذي يسمح له بتوفير تكاليف النقل.
وأكد أن "الطبقة السياسية الفاسدة وحزب الله سرقوا أموالنا، ودمروا البلد واقتصاده، فانهارت عملتنا لدرجة بتنا معها فقراء".
بدورها، رأت منال منصور، وهي أم لولدين، أن أزمات لبنان "تحرمنا من تعليم أولادنا، وتؤثر على النظام التربوي بعدما كنا نتغنى بجودته".
وقالت "اضطررت إلى بيع قطعة أرض بسعر متدن لتوفير الدولار لتعليم ولدي، لأنهما أصبحا بالمرحلة الثانوية وعلى مشارف الدخول إلى الجامعة".
وضع المدرسة الرسمية في خطر
وتطال أزمة التعليم أيضا المدارس الرسمية.
فأساتذة التعليم الرسمي لم يتقاضوا رواتبهم بصورة كاملة منذ شباط/فبراير، ودفعت الصعوبات المالية المتواصلة وزارة التربية إلى حصر أيام التعليم في المدارس الرسمية بثلاثة فقط أسبوعيا.
ويبلغ عدد أساتذة التعليم الرسمي حاليا نحو 67 ألف أستاذ، بينهم 25 ألف أستاذ متعاقد.
وقالت رئيسة رابطة أساتذة التعليم الثانوي، ملوك محرز، إن الأزمات الكثيرة التي شهدتها البلاد في السنوات الأخيرة وانهيار الليرة أدوا إلى انخفاض قيمة رواتب الأساتذة وفقا لسعر الصرف من 2000 دولار شهريا إلى 80 دولارا.
وأكدت أن الأساتذة لم يتقاضوا كامل رواتبهم منذ شباط/فبراير، ولم يحصلوا على بدلات الانتقال والمنح الاجتماعية التي تعادل راتب نصف شهر.
وذكرت أنه بعد المطالبة بعلاوة، دفعت الدولة لهم مساعدات لكنها لم تقرّ أي زيادة على رواتبهم.
وأوضحت في حديث للمشارق أنه "لا يمكن الطلب من الأستاذ الجائع والمنهك الابتكار والإنتاج".
وتابعت "بات عمر أزمتنا ثلاثة أعوام، أعطتنا خلالها الدولة نصف راتب شهري إضافة إلى الراتب الأساسي، لكن ذلك لم يتم بشكل منتظم لأن الدولة مُفلسة".
وأشارت إلى أن موازنة الدولة لعام 2022 أقرت مضاعفة رواتب الأساتذة. "لكن يجب أن يترافق ذلك مع تصحيح جدي لبدل النقل لحماية الأستاذ من تقلبات سعر صفيحة البنزين وتغطية تكاليف المعيشة المرتفعة".
وأكدت محرز أن واقع الأساتذة "ينذر بأن التعليم الرسمي في خطر".
بدوره، أكد رئيس قسم التربية في صحيفة النهار، إبراهيم حيدر، أن وضع المدرسة الرسمية صعب جدا بعدما تراكمت أزمات وإضرابات على مدى ثلاث سنوات، وبعدما أصبح الأساتذة عاجزين عن تلبية نفقات المعيشة.
ورأى أن التعليم الرسمي في خطر لا سيما وأن الخطط الموضوعة لقطاع التعليم مسيّسة في أغلبها.
وأكد أن الحوافز المقدمة للأساتذة قد تساهم بإطلاق التعليم هذا العام، لكنها لا تحل المشكلة على المدى البعيد، إذ أي انهيار للعملة سيعيد الأساتذة إلى الإضراب.
القطاع 'على شفير الانهيار'
من جانبها، رأت رئيسة اتحاد لجان الأهل في المدارس الخاصة، لما طويل، أن القطاع التربوي "على شفير الانهيار، وسيؤدي لانهيار مجتمعي".
وعزت الحالة الراهنة للقطاع بأنه يدار في معظمه وفقا لسياسات تضعها الأحزاب السياسية المختلفة لتحقيق مكاسب خاصة.
وأضافت "تفرض غالبية المدارس الخاصة أقساطا بالدولار تتراوح بين 300 و4000 دولار، في مخالفة واضحة للقانون، فيما القسط بالليرة رُفع ثلاثة أضعاف".
وأوضحت أن كل ذلك يجري دون العودة إلى لجان الأهل الشركاء قانونا في الإدارة المالية للمدارس.
وأكدت طويل أن الصورة لهذا العام الدراسي "ضبابية"، معربة عن تخوفها "من ضياع العام الدراسي الحالي" نتيجة الأزمات السياسية والاقتصادية "والأقساط المرتفعة بصورة باهظة وعدم قدرتنا على دفعها".